القرضاوي: الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة
شريطة ألا تخالط هذا الاحتفال منكرات ومخالفات شرعية
محمد صبرة
الدوحة - أفتى العلامة د. يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بجواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي من أجل التذكير بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبشخصية النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين.
ونفى أن يكون الاحتفال بتلك الصورة بدعة في الدين.
واستند في فتواه إلى أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم تذكير للناس بـ"نعمة عظيمة"، مؤكدا أن "التذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا به في القرآن الكريم".
وأبدى الشيخ القرضاوي في الوقت نفسه استنكاره للاحتفالات التي "تخالطها منكرات ومخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان".
وجاءت فتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ردا على سؤال تلقاه من عدد من محبيه واطلعت عليه "إسلام أون لاين.نت" مفاده: "ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المناسبات الإسلامية مثل مقدم العام الهجري وذكرى الإسراء والمعراج؟".
تذكير بنعمة عظيمة
طالع:
الفاتيكان: رد المسلمين سبب إعادة نشر الرسوم
وبين القرضاوي في فتواه، التي حصلت "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منها، أن "ذكر النعمة مشروع ومحمود ومطلوب، وتذكير المسلمين بالأحداث الهامة في تاريخهم وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس مشروع ولا عيب فيه ولا يصح وصفه بأنه بدعة أو ضلالة".
وتابع قائلا: "من حقنا أن نتذكر سيرة النبي الكريم كلما جاءت مناسبة من المناسبات، وليس هذا من الاحتفال المبتدع، لأننا نذكر الناس بالسيرة النبوية ونربطهم بالرسالة المحمدية، وهي نعمة عظيمة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حين".
وأشار إلى قول الصحابي سعد بن أبي وقاص: "كنا نروج لأبنائنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نحفظهم السورة من القرآن"، مبينا أن الصحابة كانوا يروون لأبنائهم ما حدث في بدر وما حدث في أحد وما حدث في الخندق وفي بيعة الرضوان.
ودعا إلى أن "نهتدي بالصحابة وننتهز الفرص بعد الفرص لنذكر الناس بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم".
وعاب الشيخ القرضاوي على المسلمين الذين يعتبرون "أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية، أو بالهجرة النبوية، أو بالإسراء والمعراج، أو بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغزوة بدر الكبرى، أو بفتح مكة، أو بأي حدث من أحداث سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أي حديث عن هذه الموضوعات بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
وقال: "هذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين".
واستطرد قائلا: "ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟!"
واستطرد قائلا: "عندما نحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام فنحن لا نحتفل بمولد شخص إنما نحتفل بمولد رسالة ظهرت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره شخصا أعدته العناية الإلهية ليحمل الرسالة الخاتمة للبشرية ويحمل الرسالة العالمية التي امتدت طولا حتى شملت أبعاد الزمن، وامتدت عرضا حتى انتظمت آفاق الأمم وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة".
قدوة للجميع
وأشار القرضاوي إلى أن حياة محمد صلى الله عليه وسلم رحبة فسيحة فيها مجال لكل من يريد أن يقتدي به، سواء كانوا من الشباب أو الآباء أو الأزواج أو من الحكام أو المحكومين أو من الفقراء أو الأغنياء.
وبين قائلا: "يستطيع الشاب أن يجد في حياته أسوة عندما كان شابا يأكل بكد يمينه وعرق جبينه لا يتكل على نسبه ولا حسبه، ويستطيع العزب أن يجد في حياته أسوة لأنه ما تزوج إلا في الخامسة والعشرين من عمره، فهو عاش عزبا مدة من حياته يستطيع أن يجد فيها أسوة".
"ويستطيع الزوج ذو الزوجة الواحدة أن يجد في حياته أسوة عندما كان زوجا لخديجة عاش معها معظم حياته إلى الخمسين من عمره 25 سنة، كما يستطيع من يتزوج أكثر من واحدة أن يجد في حياة الرسول أسوة لأنه صلى الله عليه وسلم تزوج في العشر سنوات الأخيرة من عمره عدة زوجات، وكان منهن البكر ومعظمهن ثيبات ومنهن الصغيرة ومنهن الكبيرة ".
وكذلك يبين الشيخ القرضاوي "يجد الأب في حياته أسوة في النبي حينما يُرزق الأولاد وحينما يُبتلى بوفاة الأولاد، ويجد الجد أسوة في حياة النبي في كيفية معاملة الأحفاد كما كان يعامل الحسن والحسين وغيرهما".
ويجد المقاتل أيضا في حياته صلى الله عليه وسلم "أسوة في كيف يكون القتال وكيف تكون آداب القتال، وعندما ينتصر كيف يقابل النصر وكيف يقابل الهزيمة كما في غزوة أحد"، ويجد كذلك "رئيس الدولة سواء كان أميرا أو ملكا أو رئيسا للجمهورية في حياة الرسول أسوة لأنه حكم فعدل وأقام الموازين القسط بين الناس وترك لنا تراثا هائلا في حسن القيادة".
وأكد أن "كل إنسان يجد في حياته صلى الله عليه وسلم أسوة، الحاكم والمحكوم لأنه عاش محكوما في مكة وعاش حاكما في المدينة".
ولم يتوقف الدكتور القرضاوي عند هذا الحد بل أردف قائلا: "الفقير والغني يجدان فيه أسوة لأنه عاش فقيرا في فترة من الفترات حتى كان يشد الحجر والحجرين على بطنه من الجوع، وأتته الدنيا حينما فتح الله عليه الفتوح وهيأ له الغنائم ودان له العرب وجزيرة العرب فجرَّب هذا وجرب ذاك".
وختم بالتأكيد على أن "السيرة النبوية العظيمة تحتاج منا أن ندرسها ونقرأ فيها ونطَّلع على مصادرها الموثقة حتى نعرف رسولنا صلى الله عليه وسلم، فإذا عرفناه ازداد إيماننا به وحبنا له وأدى ذلك إلى أن نتبعه فنحسن اتباعه كما قال الله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران : 31]".
وعلمت "إسلام أون لاين.نت" أن خطبة الجمعة المقبل التي سيلقيها الدكتور القرضاوي بجامع عمر بن الخطاب بالدوحة، ستتناول جوانب من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده الشريف. كما سيعلق في آخر الخطبة على بعض الأحداث الراهنة.