أولا : النذر تعهد بعمل أمر غير واجب سواء كان فى طاعة أو فى معصية فيجب على الناذر فعل الطاعة ولا يجب عليه فعل المعصية ، والوفاء بالنذر واجب كما قال سبحانه { وليوفوا نذورهم (29)} سورة الحج .

والنذر لا يأتي بخير جملة ، فكيف بمن نذر للمخلوق ؟ أماالنذر لله يجب الوفاء به إذا كان في طاعة وإذا كان معصية أو مشقة لم يجز الوفاء باتفاق العلماء .

فكما عند مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " نهى عن النذر ، وقال : إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " .

وكما عند البخارى من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " .

وعند البخارى ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر أن يمشي قال : " إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب " .

ومن نذر أن يذبح لله فلا يقيد الذبح بوقت فهو فى ذمة الناذر ما دام حيا ، والأولى التعجيل به كالدين ، فإن لم يستطع الوفاء به فليكن عند استطاعته أو فى أى وقت شاء ، فإن وجوب الوفاء المطلق هو على التراخى .

ومن لم يستطع الوفاء بالنذر واستحال عليه ذلك ، فله أن يتحلل منه ، وبهذا يقع عليه كفارة الحنث فى اليمين ،

وتجب عليه الكفارة وهى : إطعام عشرة مساكين من أطيب الطعام عنده أو كسوتهم ، فمن لم يجد عنده استطاعة لذلك فعليه صيام ثلاثة أيام لا يشترط فيها التتابع ، كما نص القرآن الكريم على ذلك : " وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) " سورة المائدة

.
وكما عند مسلم من حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفارة النذر كفارة اليمين " .

قال النووى فى شرح هذا الحديث : اختلف العلماء في المراد به ، فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج ، وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلا : إن كلمت زيدا مثلا فلله علي حجة أو غيرها ، فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه ، هذا هو الصحيح في مذهبنا ــ الشافعية ــ ، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق ، كقوله : علي نذر ، وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية ، كمن نذر أن يشرب الخمر ، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر ، وقالوا : هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم ، وبين كفارة يمين . والله أعلم

.
قال الشوكانى فى " نيل الأوطار " جـ 13 ص 266 : والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على المقيد واجب . وأما النذور المسماة إن كانت طاعة ، فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين ، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال ، وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ، ولا يلزم فيها الكفارة ، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي ، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم " ومن نذر نذرا لم يطقه " هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة وقال ابن رشد في نهاية المجتهد ما حاصله : إنه وقع الاتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الخير ، وإن كان على جهة الشر فقال مالك : يلزم كالخير ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر بجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقا ، وإن كان معينا لزمه وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث ، وسيأتي الخلاف فيمن نذر بجميع ماله .

قال : وإذا كان النذر مطلقا : أي غير مسمى ففيه الكفارة عند كثير من العلماء وقال قوم : فيه كفارة الظهار .

وقال قوم : فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين قوله : ( ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين ) ظاهره سواء كان المنذور به طاعة أو معصية أو مباحا إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة إلا أنه يخص من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم ، ويبقى ما كان طاعة أو مباحا . انتهى

والخلاصــــــــــــة

أولا : فليُعلم كل مسلم ومسلمة أن النذر نوع من أنواع العبادة التي هي حق لله وحده لا شريك له قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} سورة الأنبياء ، فلا يجوز صرف شيء منها لغيره ، فمن نذر لغير الله فقد صرف نوعًا من العبادة التي هي حق الله تعالى لمن نذر له ، ومن صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك مع الله شريكا ومن أشرك مع الله شريكا فقد حق عليه قول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} سورة المائدة

ثانيا : لا يشرع النذر للمسلم فكما عند البخارى من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " نهى عن النذر ، وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " .
وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج " .

فإذا نذر المسلم أن يطيع الله وجب عليه الوفاء بالنذر ، فكما عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه

ثالثا : النذر لغير الله شرك أكبر ، مخرج من الملة ، لأن النذر كما أسلفنا عبادة ولايجوز صرفها لغير الله فمن صرفها لغير الله فقد أشرك ، وعلى هذا يكون حكمه مرتد عن الإسلام ، والحكم فيه أن يستتاب بعد بيان الحق بأدلته وإرشاده إليه فإن تاب وإلا قتل ، وماله لبيت مال المسلمين لا يرثه أقاربه المسلمون ـ فلا يرث المسلم الكافر ـ ولا تحل ذبيحته و ينفسخ عقد نكاحه بمن كانت معه من المسلمات ولا يزوج إن كان عزبا .

والنذر إن صرف لأحد من المخلوقات كان شركًا، وعلى هذا تكون الذبائح المنذورة لغير الله ميتة يحرم الأكل منها وتوزيعها على الناس ولو ذكر ذابحها اسم الله عليها حين ذبحها ، لأن الأعمال بالنيات فالتسميته عليها لا تحل الذبيحة ويجب طرحها فلا يجوز إطعامها إلآ للحيوانات . وأما إن كان المنذور طعاما فيترك توزيعه على الناس ، لأن توزيعه يكون سببا فى ترويج البدع والتعاون على انتشارها ، فإقرار المشاركة في مظاهر الشرك تعاون على الإثم والعدوان

رابعا : إذا كان نذر الطاعة عبادة وجب صرفه لله وحده ، والإخلاص له فيه ، فليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده ولا يصلي إلا لله وحده ولا يصوم إلا لله وحده ولا يحج إلا بيت الله الحرام ولا يتوكل إلا على الله وحده ولا يخاف إلا الله وحده ولا ينذر إلا لله وحده ولا يحلف إلا بالله وحده ، وعلى هذا فكل طاعة واجب فعلها .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم

الشيخ ابو البراء الأحمدي شبكة الشفاء الاسلامية