الحكم الشرعي في بعض عمليات البورصة


 



·  تعريف مختصر للبورصة.


·  أهم المعاملات التي تدور فيها.


·  عرض للقرارات الصادرة عن المجامع الفقهية حول قضية البورصة.


·  ثم تعليقنا على بعض هذه القرارات يمثل رأينا الخاص.


·  الخلاصة.



تعريف موجز للبورصة:


اسم البورصة مختلف في أصله التاريخي والظاهر أنها مشتقة من اسم تاجر بلجيكي من القرن 14 كان يقوم بالسمسرة أو من كيس النقود وهو بالفرنسية bourse وكذلك تقريباً باللغات الغربية.


إلا أن الذي ينبغي أن تعرفه هو مضمون هذا المصطلح فالبورصة هي سوق مالية ذات طبيعة خاصة فهي كالسوق في أن كلا منها بحل بيع وشراء واخذ وعطاء إلا أن البورصة تتميز عن السوق بكونها سوقاً منظمة تحكمها لوائح وقوانين وأعراف وتقاليد.



أهم وظائفها:


خلق سوق مستمرة لأدوات الاستثمار المتاحة بحيث يكون بوسع المستثمر في أي وقت تسييل أصوله المالية أو جزء منها بسرعة وسهولة وبأفضل سعر ممكن وبأدنى تكلفة ممكنة وتتحقق السوق من خلال وجود عدد كبير من البائعين والمشترين.


ويمكن أن نفرق بين نوعين من الأسواق سوق الإصدارات الجديدة أو السوق الأولية: وهي سوق تطرح فيها الشركات في طور التأسيس أسهمها للاكتتاب العام لأول مرة قد تكون شركة عقارية أو تجارية.أو شركات قائمة بالفعل تصدر سندات لزيادة رأسمالها.



كيفية التعامل في هذه السوق:


يكون التعامل فيها بإحدى الطريقتين:


التعامل المباشر ويتم بالاتصال المباشر بين مصدر السندات والراغبين في الاشتراء ويقوم على العلاقة الشخصية.



التعامل الغير مباشر ويعتمد على استخدام الوسطاء الذين يقومون بدورهم بتولي مسئولية الإصدار وتغطية الاكتتاب وتحمل مخاطر تقلب الأسعار فإذا قررت الشركة طرح أسهمها للاكتتاب العام تتفاوض مع بنك لضمان تغطية الإصدار وقد يكون ذلك على شكل شراء الأوراق المصدرة من الشركة من طرف البنك لإعادة بيعها إلى الجمهور بسعر أعلى وهناك نشرة اكتتاب تتضمن كل المعلومات.


أما السوق الثانوية ( سوق التداول ) الأوراق التي سبق إصدارها في السوق الأولية كيف يجري تداولها والمناقلة فيها؟



الإجابة على هذا السؤال هو تكوين السوق الثانوية فهذه السوق يبيع فيها أصحاب الحقوق في الشركات المساهمة التي قد تكون أصولاً لا تسهل تصفيتها لحساب أحد المستثمرين دون حاجة إلى المساس بأصل الثروة ودون مساس بحقوق الآخرين الذين قد لا يريدون بيع سهامهم.



وهذه السوق تسهل على المستثمر- بدل من أن يبحث عمن يشتري سهامه بصفة مباشرة وقد لا يجد – أن يدخل مباشرة إلى الجمهور عن طريق سوق الأوراق المالية التي يتم فيها التعامل عن طريق المزايدة حيث تعرض الإيجاب من طرق الباعة والقبول من طرف المشترين في المنافسة للوصول إلى أفضل الأسعار المقبولة من جميع الأطراف.



ويتم تداول الأوراق في قاعة السوق عن طريق المزايدة المكتوبة وذلك بعرض جميع أوامر البيع والشراء على اللوحة المعدة لهذا الغرض طبقاً للقواعد والاجرآت المنصوص عليها في اللائحة التي تحكم التداول في البورصة.



يقصد بمكان السوق ردهة البورصة التي يتم عليها تداول الأوراق المالية علنا عن طريق وسطاء مرخص لهم يقومون بتنفيذ أوامر عملائهم في البيع والشراء.


وهذا يقتضي وجود قاعدة معلوماتية عن الشركات التي تعرض أصولها وأسهمها للبيع حتى يكون المشتري على بينة من أمره فعليه أن يعرف العائد المطلوب تحقيقه،العائد الخالي من المخاطر،العائد الموزع في نهاية أخر السنة المالية متوسط معدل نمو الأرباح خلال السنوات الخمس الماضية.



ولكن للسوق حركتها التي تؤدي إلى رفع الأسعار وخفضها في مهب ريح المضاربات.



ولهذا نشأت جهات متخصصة كمؤشر دواجنز الذي يختار عدداً من الشركات ويقوم بوضع نظرية حركة متوسط أسعار هذه الشركات طبقاً لمعايير خاصة لا يستطيع المستثمر أن يوفرها لنفسه إلا عن طريق هذه الجهات المتخصصة تخصصاً دقيقاً وبالتالي فإن هذه الجهات توفر أساساً الخيارات والبدائل للمستثمرين وقد أسس دواجنز مؤشراً للشركات الاسلامية قبل سنة وسماه " مؤشر دواجنز الإسلامي" واختار فيه مجموعة من الشركات العالمية من أنحاء العالم وليس من الشرط أن تكون هذه الشركات مملوكة للمسلمين ولا معلنة تقيدها بالشريعة الإسلامية ولكن يشترط أن يكون تعاملها موافقاً للشريعة الاسلامية حسب المعايير التي وضعها وهي أن لا يكون نشاطها حراماً فهي لا تتعاطى الطريفة الربوية ولا تبيع الخمر ولا الخنزير وأن لا يزيد تعاملها " العارض" مع جهات الإقراض الربوية على 5 % وأن لا تزيد ديونها أو التي عليها على حد معين ومنها شركات أمريكية ويابانية. وهكذا وفر داوجنز هذه القاعدة المعلوماتية لمن يريد أن يتعامل في أسهم هذه الشركات.



سنعرض هنا بعض أهم المعاملات التي تجري في البورصة لتكون مقدمة لفهم آليات الأسواق المالية على أن يكون حكمنا عليها من خلال تعليقنا على قرارات المجمعين الفقهيين.


 


أولاُ: عقود على الأسهم:


سواء في طور التأسيس في السوق الاولى أو عند تسبيل بعض المساهمين لحصصهم في السوق الثانية( سوق التداول) والظاهر أن ذلك لا يطرح معضلة في الشرع فاشتراء هذه الاسهم جائز باعتبار هذه الاسهم تمثل جزءاً شائعاً من رأسمال الشركة – التي تكون صناعية تجارية أو زراعية – الذي قد يكون عروضاً وسلعاً وعقارات كما تكون نقوداً وفي هذه الحالة يشترط فيها ما يشترط في بيع النقود بعضها ببعض إذا كان مشترياً الاسهم أما إذا كان مؤسساً أو داخلاً في حال اكتتاب لزيادة رأس المال فان الامر لا يكون كذلك والجواز فيها فرع عن جواز انشاء شركة المساهمة وإذا كان الأصل في العقود والمعاملات الجواز إلا ما نص الشارع على تحريمه فان شركة المساهمة وان كانت غير منضبطة بالضوابط التي اعتمدها أكثر الفقهاء في العقود والشركات فتدخل تحت هذا الأصل ولعل ابن تيمية قد نبه على أهمية التحرر من الصيغ وعزا إلى الامام أحمد أن هذا الاصل في العادات العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله ورسوله وإلا دخلنا في قوله تعالى:" قل ارأيتم ما انزل الله لكم من رزق" واضاف وأما السنة والاجماع فمن تتبع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من صيغ أنواع المبايعات والمؤاجرات والتبرعات علم بالضرورة انهم لم يكونوا يلتزمون الصيغة من الطرفين والآثار بذلك كثيرة. الفتاوى



فمن يشتري السهم يشتري جزءاً مشاعاً من الشركة.


قلت وهو جائز ولهذا أجاز الامام احمد بعض الشركات التي لاتدخل في حد أي من الشركات التي أجازها الآخرون.



وق أفتى شيخ الازهر محمد شلتوت بجواز الاسهام في هذه الشركات وكذلك شيخ الازهر حسن مامون.



والذي يؤخذ على هذه الشركات هو مسؤلية الشريك لا تتجاوز مقدار حصته من رأس المال وبالتالي فلو فلست الشركة ماكان على الشركاء أي تبعة في أموالهم الخاصة.



ويؤخذ عليها ما يدعى من الغرر في أن الذي يشتري السهم لا يدري حقيقة ما يشري ولم يعتبر مجمع الفقه الاسلامي بجدة في قراره الذي سيذكر لاحقاً ما أشرنا إليه سبباً للتحريم فأجاز شركات المساهمة ذات المسؤلية المحدودة ومع تحفظي على عدم مسؤلية الشريك خارج مال الشركة فإن قرار المجمع يمكن أن يكون أساساً مقبولاً فتكون شركة المساهمة جائزة إلا إذا كانت غايتها محرمة أو تعاملت بالحرام أخذا وعطاء فحينئذ يحرم الاشتراك فيها واشتراء أسهمها في السوق الاولى والسوق الثانية.



والعقود على هذه الاسهم هم من البيوع التي يجري تنفيذها في أسواق الاوراق المالية على أصول مالية تتحدد أسعارها من خلال العرض والطلب عند أعلى سعر يعرضه المشترون وأدنى سعر يقبله البائعون.



وهي من نوع بيوع المزايدة لان البيع أنواع منه مساومة ومرابحة ومزايدة وقد أجمع الجمهور على جواز بيع المزايدة كما يقول ابن رشد الحفيد.


 


ثانياً عقود الخيارات:


ومن المعلوم أن الخيار التعاقدي عند الفقهاء هو:( بيع وقف بته أولاً على امضاء يتوقع) على حد تعريف ابن عرفة المالكي.


 


وانما قولنا التعاقدي احترازاً من خيار المجلس وخيار النقيصة لأن هذه لم يتعاقد عليها الطرفان، والخيار أنما يكون في اشتراء سلعة مالية، اما هذا الخيار فهو أن يكون لأحد المتعاقدين الحق في فسخ العقد في موعد التصفية، أو قبل حلوله، أو تنفيذ العقد إذا جاءت تقلبات الاسعار في صالحه. وذلك في مقابل مبلغ يدفع مقدماً، ولا يرد للمضارب،يعرف بالتعويض ويعطي هذا الحق المشتري فيكون له الخيار بين استلام الصكوك ودفع الثمن المتفق عليه أو فسخ الصفقة مقابل تعويض.



هل هذا التعويض يدخل في بيع العربون الذي قال به عمر وابنه وابن سيرين وذهب إليه احمد.



وهناك خيار الشراء بسعر كذا أو البيع بسعر كذا دون تحديد من البائع والمشتري.


وبتدقيق النظر في هذا النوع نرى أنه من باب تعليق اللزوم وقد نص المالكية على تعليق لزوم البيع على الاتيان بالثمن (كابيعك بشرط الا ينعقد البيع إلا بدفع الثمن وهذه جائزة معمول بها كما لأبي الحسن على المدونة ) الزرقاني ج5ص5 وتسمى تعليق لزوم لأن البيع قائم.


 


ثالثاً: عقود المستقبليات


وهي شبيهة بالسلم. والسلم مشروع بعموم الكتاب ونصوص السنة وإجماع الامة. أما عموم القرآن فهو قوله تعالى (وأحل الله البيع) والسلم بيع، واما السنة فالحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلىالله عليه وسلم قدم المدينة وهو يسلفون في التمر العام والعامين فقال:"من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم".



إلا أن سلم البورصات الذي يسمى بالمستقبليات أو البيوع الآجلة أنواع منوعة وألوان متلونة، فمنها ما يكون على سلع وهي معاملات تتحكم فيها قوانين البورصة وأعرافها. ومن أهمها أن يبيع الانسان سلعة من شخص إلى أجل يتم فيها التسليم والبائع لا يملك السلعة إلا أنه يمكنه الحصول عليها عند الاجل المحدد.



إلا أن المشتري لا يدفع الثمن الآن بل انه سيدفعه فقط عند تسليم السلعة أو التصفية وتمكن الزيادة في الاجل مقابل ثمن.



وهذا العقد في أصله سلم إذ أن السلم هم بيع سلعة موصوفة في الذمة في مقابل ثمن عاجل من غير جنسها).



وقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف السلم طبقاً لاختلافهم في بعض صور السلم وصيغه فقد عبر أكثرهم بأن الثمن يدفع في المجلس بينما عبر البعض بأنه يدفع عاجلاً. ولعل أهم عقدة في هذا العقد هي أن الثمن فيه مؤجل وهذا يخالف رآي جمهور العلماء ولكن... هذه العقدة جعلت كافة الكتاب الإسلاميين المعاصرين في الاوراق المالية يجزمون بأن هذه المعاملة ممنوعة شرعاً وطبقاً لذلك ضربوا صفحاً عن هذه المعاملة وجاءت قرارات المجامع الفقهية لتسير في هذا الاتجاه وتصب في هذا المجرى وقد يكون من المناسب أن ننقل هنا إلى اخواننا في المجلس الاوروبي نص هذه القرارات.



وهي قرارات صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وأخرى صادرة عن محمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.


وغنى عن القول أن هذين المجمعين الدوليين يضمان خيرة علماء العالم الإسلامي من كل المذاهب والاتجاهات.



وبعد عرض هذه القرارات بنصها سأعلق عليها بما يسر لي ربي، ليكون موضوع بحث الزملاء الكرام وأكتفي بمحل الاتفاق في القرارات باعتباره يمثل رأيي وأعلق على محل الاختلاف معها.


 


الدورة السابعة للمجمع صدر القرار التالي سنة 1404ى هـ القرار الأول حول سوق الأوراق المالية والبضائع ( البورصة)



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:-



فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يعقد فيها من عقود – بيعاً وشراءً – على العملات الورقية وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية والبضائع وما كان من هذه العقود على معجل، وما كان منها على مؤجل.



كما اطلع مجلس المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها.


 


أ – فإما الجوانب المفيدة فيها:


أولاً: أنها تقيم سوقاً دائمة تسهل تلاقي البائعين والمشتريين، وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة على الاسهم والسندات والبضائع.



ثانياً: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.



ثالثاً: أنها تسهل بيع الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها لأن الشركات المصدرة لا تصفي قيمتها لأصحابها.



رابعاً: أنها تسهل معرفة ميزان اسعار الاسهم وسندات القروض والبضائع وتموجاتها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطلب.


 


ب – وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي:


أولاً: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معضمها بيعاً حقيقياً،ولا شراءً حقيقياً لأنه لا يجري فيها التقابض بين طرفي العقد فيما يشترط له التقابض في العوضين أو في أحدهما شرعاً.



ثانياً: أن البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع،على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد دون قبض الثمن عند العقد كما هو الشرط في السلم.



ثالثاً: أن المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه،والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه. وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشئ ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير الذي يريد أن يستلم المبيع من البائع الأول، والذي يكون قد باع ما لا يملك أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية بينما يقتصر دور المشتريين والبائعين-غير الأول والأخير- على قبض فرق السعر في حالة الربح،أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور كما يجري بين المقامرين تماماً.



رابعاً: مايقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون ؛على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه،وإيقاعهم في الحرج.



خامساً: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كلياً على العرض والطلب الفعليين من قبل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء،وإنما تتأثر بأشياء كثيرة بعضها مفتعل من المهيمنين على السوق أو من المحتكرين للسلع أو الأوراق المالية فيها كإشاعة كاذبة أو نحوها. وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعاً لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً.


 


وعلى سبيل المثال لا الحصر: يعمد كبار الممولين إلى طرح مجموعة من الأوراق المالية من اسهم أو سندات قروض، فيهبط سعرها لكثرة العرض فيسار صغار حملة هذه الأوراق إلى بيعها بسعر أقل خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم فيهبط سهرها مجدداً بزيادة عرضها فيعود الكبار إلى شراء هذه الأوراق بسعر أقل بغية رفع سعرها بكثرة الطلب وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة، وهو صغار حملة الأوراق المالية نتيجة خداعهم بطرح غير حقيقي لأوراق مماثلة. ويجري مثل ذلك أيضاً في سوق البضائع.



ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين والسبب في ذلك أنها سببت – في فترة معينة من تاريخ العالم الاقتصادي – ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير بينما سببت غنى للآخرين دون جهد حتى أنهم في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم طالب الكثيرون بإلغائها ؛إذ تذهب بسببها ثروات، وتنهار أوضاع اقتصادية في الهاوية، وبوقت سريع كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية.


 


لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع( البورصة) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الاسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر ما يلي:


 


أولاً: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعاً وشراءً وهذا أمر جيد ومفيد ويمنع أستغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار، ولا يعرفون المحتاج إلى البيع ومن هو المحتاج للشراء.


ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعاً والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل


ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها ؛بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة.


 


ثانياً: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض- فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعاً- هي عقود جائزة، مالم تكن عقوداً على محرم شرعاً، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوفر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.


 


ثالثاً: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حيث تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعاً كشركات البنوك الربوية وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في اسهمها بيعاً وشراءً.


 


رابعاً: أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة بمختلف أنواعها غير جائزة شرعاً، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.


 


خامساً: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الاسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية


(البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك أعتماداً على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد.وهذا منهي عنه شرعاً لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تبع ما ليس عندك"،وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".


 


سادساً: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية،وذلك للفرق بينهما من وجهين:


أ - في السوق المالية(البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية،بينما الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.


ب - في السوق المالية(البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول-وقبل أن يحوز المشتري الأول- عدة بيوعات وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشتريين غير الفعليين،مخاطرة منهم على الكسب والربح،كالمقامرة سواء بسواء بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.


 


وبناء على ما تقدم يرى المجمع الفقهي الإسلامي أنه يجب على المسئولين في البلاد الإسلامية ألا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة تتعامل كيف تشاء في عقود وصفقات ؛سواء أكانت جائزة أم محرمة،وألا يتركوا للمتلاعبين بالاسعار فيها أن يفعلوا مايشاؤون،بل يوجبوا فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها، ويمنعوا العقود غير الجائزة شرعاً؛ ليحولوا دون التلاعب الذي يجر إلى الكوارث المالية ويخرب الاقتصاد العام، ويلحق النكبات بالكثيرين ؛لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كل شئ،قال الله تعالى:" وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".



والله سبحانه هو ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


إن قرارات المجمعين استوعبت كثيراً من الصور التي يقع بها التعامل في البورصات وأصدرت عليها احكاماً بالقبول أو الرد.


 


 أن لدي ثلاثة ملاحظات على القرارات السالفة الذكر وهي:


 الملاحظة الأولى:


مسألة منع بيع المسلم فيه قبل القبض، وتداول السند الممثل للسلعة المسلم فيها مثال ذلك أن يشتري شخص سلماً كمية من البترول أو الحديد أو النحاس،لتسلم له بعد أربعة أشهر،ويستلم سنداً (وثيقة بدين) تمثل هذه الكمية فلا خلاف بين المجمعين في أنه لا يجوز أن يبيع هذه الكمية حتى يقبضها وبالتالي فإن هذا السند لا يمكن تداوله كما هو الحال في البورصات.



وتعليقاً على هذا –مع الاحترام لقرار المجمعين- أن هذا العقد صحيح ويمكن تداول السندات الممثلة لدين السلم قبل القبض بناء على مذهب مالك والاوزاعي في جواز بيع سلع الدين قبل قبضها وقبل حلول أجلها بما فيها دين السلم ما لم تكن طعاماً. وإليكم النصوص التالية: