كيف تفرق بين العين والحسد
العين هي: النظر إلى الشيء على وجه الإعجاب او الإضرار به، و إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، و هي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت و احتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب و الخبث، فتحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع،
و ربما قويت تلك الكيفية و اتقدت في نوع منها، حتى تؤثر بمجرد نظرة، فتطمس البصر، و تسقط الحبل، فإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، و توجهت إلى المحسود،
فكم من قتيل! و كم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع، فإن هذا المرض من علم الأرواح، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم و أوسع و عجائبه أبهر، و آياته أعجب، فإن هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة، أو القطعة من اللحم، فالعين هي هذه الروح التي هي من أمر الله تعالى، و لا يدرك كيفية اتصالها بالمعين، و تأثيرها فيه إلا رب العالمين.
و أما الحسد: فهو خلق ذميم، و معناه تمني زوال النعمة عن المحسود، و السعي في إضراره حسب الإمكان و هو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى: ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم))(البقرة:109).
أي أنهم يسعون في التشكيك و إيقاع الريب، و إلقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام، و لا شك أن الحسد داء دفين في النفس، و تأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود، حيث إن الحاسد دائماً معذب القلب، كلما رأى المحسود و ما هو فيه من النعمة و الرفاهية تألم لها، فلذلك يقال:
أصبر على كيد الحسود إن صبرك قاتلــه
النار تأكل نفسهـــا إن لم تجد ما تأكله
و قال بعض السلف: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.
اذا كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا