أولاً: الأدلة من القرآن:
• قال الله تعالى: ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم))(البقرة:109)، و هذا تحذير للمؤمنين عن طريق اليهود الذين يحاولون رد المؤمنين إلى الكفر، يحملهم على ذلك الحسد الدفين في أنفسهم لما جاء هذا النبي من غيرهم، فحسدوا العرب على إيمانهم، و حاولوا أن يردوهم كفاراً و لكن الحق واضح فتمسكوا به.
• و قال تعالى: ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله))(النساء:54). و ذلك هو حسدهم النبي صلى الله عليه و سلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، و منعهم الناس من تصديقهم له حسداً له لكونه من العرب، روى الطبراني عن ابن عباس في قوله ((أم يحسدون الناس))، قال: نحن الناس دون الناس. يعني: إننا معشر العرب أو معشر قريش نحن الناس المذكورون في هذه الآية، و لا شك أن هذا ذم لهم على هذه الخصلة، و هي الحسد الذي حملهم على إعمال الحيلة في صد الناس عن الحق المبين.
• و قال تعالى: ((و من شر حاسد إذا حسد))(الفلق:5)، فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن أخيه المحسود، و لابد أنه سوف يبذل جهده في إزالتها إن قدر، فهو ذو شر و ضرر بمحاولته و سعيه في إيصال الضرر، و منع الخير.
• و قد حكى الله تعالى أمثلة من الحسد كقصة ابني آدم فإن أحدهما قتل أخاه حسداً لما تقبل قربانه، فأوقعه الحسد في قتل أخيه بغير حق، و كقصة إخوة يوسف في قولهم: ((ليوسف و أخوه أحب إلى أبينا منا))(يوسف:8). ثم عملوا على التفريق بينه و بين أبيه بما فعلوا.
• و كقصة المنافقين في قوله تعالى: ((إن تمسسكم حسنة تسؤهم))(آل عمران:120). و ذلك مما يحملهم على إعمال الحيل في إبعاد المؤمنين عن الخيرات.
• و قد قال تعالى: ((و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض))(النساء:32). فهذا التمني المنهي عنه قد يكون الدافع له الحسد من المفضول للفاضل، مع أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم، فعلى المفضول أن يطلب الفضل من الله تعالى، و لا ينافس أخاه و يضايقه فيما أعطاه الله و تفضل به عليه.
ثانياً: الأدلة من السنة:
ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه و سلم: "إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث، و لا تحسسوا، و لا تجسسوا، و لا تنافسوا، و لا تحاسدوا" الحديث، و هذا النهي للتحريم بلا شك، لما في التحاسد من الأضرار و المفاسد، و قطع الصلات بين المسلمين.
• و روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا يجتمع في قلب بعد الإيمان و الحسد".
• و ثبت في السنن عن أبي هريرة و أنس قول النبي صلى الله عليه و سلم: "إياكم و الحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب".
• و عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا" رواه الطبراني و رواته ثقات.
• و عن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد و البغضاء، و البغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، و لكن تحلق الدين" رواه البزار و البيهقي بإسناد جيد.
• و عن أنس قال: قال لي النبي صلى الله عليه و سلم: "يا بني إن قدرت على أن تصبح و تمسي و ليس في قلبك غش لأحد فافعل" رواه الترمذي و حسنه.
• و عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قيل فما المخموم؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه و لا بغي، و لا غل و لا حسد" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
• و روي أنه صلى الله عليه و سلم قال: "إن لنعم الله أعداء، الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".
• و في حديث مرفوع: "ستة يدخلون النار قبل الحساب، ذكر منهم: العلماء بالحسد".
• و قال ابن الزبير: ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا، إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا و هي حقيرة في الجنة؟! و إن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا و هو يصير إلى النار؟!
• و روي عن الأصمعي أنه قال: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود. يعني: أن الحاسد إذا رأى أخاه في نعمة و صحة و رفاهية حسده و قام بقلبه حقد و بغض له، فهو كلما رآه في هذه النعمة اغتاظ لذلك، فيبقى دائماً مهموم القلب حزيناً، يتمنى ما لا يقدر عليه من إزالة تلك النعم، فهو يتقلب على فراشه من الغيظ، مع أن المحسود لا يشعر بألم، بل هو قرير العين مسرور لم يصل إليه في الغالب شيء من الضرر الذي في قلب الحاسد، و إن وصل إليه فإنه لا يتأثر به إلا قليلاً، و الله أعلم.