السيرة النبوية الكاملة >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  في ظلال السيرة النبوية >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  صحيح السيرة النبوية >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  السيرة النبوية المستوى الأول >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  السيرة النبوية للأطفال والناشئة >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  تحميل كتاب تربية الاولاد في الاسلام >> كتب الأسرة والمرأة المسلمة  🌾  انشودة عشاق الشهادة >> اناشيد ابراهيم الاحمد  🌾  اقوى آيه مجربة لفك عقد السحر والحسد >> الرقية الشرعية والأذكار  🌾  انشودة قائد الأمة >> الاناشيد الاسلامية  🌾  انشودة جبل بلادي >> أناشيد فرقة الوعد اللبنانية  🌾 

قصة نوح عليه السلام

  محيط البوك المادة

القسم الاسلامي علوم القرآن والحديث والفقه
  قصة نوح عليه السلام     
 

الكاتب : البداية والنهاية لابن كثير    

 
 

 الزوار : 338 |  الإضافة : 2024-05-30

 

علوم القرآن والحديث والفقه


 

قصة نوح عليه السلام كما جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير

 

هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام كان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما


ذكره ابن جرير وغيره وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه حدثنا محمد بن عمر بن يوسف حدثنا محمد بن عبدالملك بن زنجويه حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام سمعت أبا أمامة أن رجلا قال يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم مكلم قال فكم كان بينه وبين نوح قال عشرة قرون قلت وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام فإن كان المراد بالقرن مائة سنة كما هو المتبادر عند كثير من الناس فبينهما ألف سنة لا محالة لكن لا ينفى أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام اذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون وزادنا ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الإسلام وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار والله أعلم

وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وقوله ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين وقال تعالى وقرونا بين ذلك كثيرا وقال وكم أهلكنا قبلهم من قرن وكقوله عليه السلام خير القرون قرني الحديث فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهر الطويلة فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين والله أعلم

وبالجملة فنوح عليه السلام انما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت وشرع الناس في الضلالة والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره

واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث فقيل كان ابن خمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير وعزا الثالثة منها إلى ابن عباس

وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز ففي الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت وأنزل فيه سورة كاملة فقال في سورة الأعراف لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه انا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين وقال في سورة يونس واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر


عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر ان أجري الا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين وقال تعالى في سورة هود ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه انى لكم نذير مبين أن لا تعبدوا الا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت علكيم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول اني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أم يقولون افتراه قل ان افتريته فعلى إجرامي وأنا برىء مما تجرمون وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولاتكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم وحال بينهما الموج فكانا من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم والا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت


تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين وقال تعالى في سورة الأنبياء ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين وقال تعالى في سورة الشعراء كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم وقال تعالى في سورة العنكبوت ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين وقال تعالى في سورة والصافات ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين وقال تعالى في سورة اقتربت كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر وقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم


لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرص بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين الا ضلالا مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا وقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير وسنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه الأماكن المتفرقة ومما دلت عليه الأحاديث والآثار وقد جرى ذكره أيضا في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه وذم من خالفه فقال تعالى في سورة النساء إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما وقال في سورة الأنعام وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم الآيات وتقدمت قصته في الأعراف وقال في سورة براءة ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وتقدمت قصته في يونس وهود وقال في سورة إبراهيم ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب وقال في سورة سبحان ذرية من حملنا مع نوح أنه كان عبدا شكورا وقال فيها أيضا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب


عباده خبيرا بصيرا وتقدمت قصته في الأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت وقال في سورة الأحزاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا وقال في سورة ص كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل الا كذب الرسل فحق عقاب وقال في سورة غافر كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار وقال في سورة الشورى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال تعالى في سورة ق كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد وقال في الذاريات وقوم نوح من قبل أنهم كانوا قوما فاسقين وقال في النجم وقوم نوح من قبل أنهم كانوا هم أظلم وأطغى وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة وقال تعالى في سورة الحديد ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون وقال تعالى في سورة التحريم ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار فقد قدمنا عن ابن عباس أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام رواه البخاري وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت ان آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تدرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت

قال ابن عباس وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن إسحاق

وقال ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس قال كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون


دب اليهم إبليس فقال إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير أنه قال ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر أولاد آدم وكان ود أكبرهم وأبرهم به

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور حدثنا الحسن بن موسى حدثنا يعقوب عن أبي المطهر قال ذكروا عند أبي جعفر هو الباقر وهو قائم يصلي بزيد بن المهلب قال فلما انفتل من صلاته قال ذكرتم يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله قال ذكر ودا رجلا صالحا وكان مجبا في قومه فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه قالوا نعم فصور لهم مثله قال ووضعوه في ناديهم وجعلو يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال هل لكم أن اجعل في منزل كل واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه قالوا نعم قال فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به قال وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به قال وتناسلوا ودرس أثر ذكرهم اياه حتى اتخذوه الها يعبدونه من دون الله اولاد أولادهم فكان أول ما عبد غير الله ودا الصنم الذي سموه ودا

ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدا قد ذكرنها في مواضعها من كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة

وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل

والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعم البلاد بعباد الأصنام فيها بعث الله عبده ورسوله نوحا عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهى عن عبادة ما سواه فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا فيقول ربي قد غضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ونهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل فيقول ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده


مثله نفسي نفسي وذكر تمام الحديث بطوله كما أورده البخاري في قصة نوح
فلما بعث الله نوحا عليه السلام دعاهم إلى أفراد العبادة لله وحده لا شريك له أن لا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيته وأنه لا إله غيره ولا رب سواه كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذين هم كلهم من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين وقال فيه وفي إبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته وكذلك إبراهيم قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال تعالى واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ولهذا قال نوح لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم وقال ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم وقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال يا قوم إني لكم نذير مبين أن ابعدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا الآيات الكريمات فذكر أنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار بالترغيب تارة والترهيب أخرى وكل هذا فلم ينجح فيهم بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان وتنقصوه وتنقصوا من آمن به وتوعدوهم بالرجم والاخراج ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم قال الملأ من قومه أي السادة الكبراء منهم إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أي لست كما تزعمون من أني ضال بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين أي الذي يقول للشيء كن فيكون أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا أي فصيحا ناصحا أعلم الناس بالله عز وجل وقالوا له فيما قالوا ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين تعجبوا أن يكون بشرا رسولا وتنقصوا بمن اتبعه ورأوهم أراذلهم وقد قيل أنهم كانوا من أقياد الناس وهم ضعفاؤهم كما قال هرقل وهم أتباع الرسل وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق وقولهم بادى الرأي أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية وهذا


الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا للصديق ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضا سريعة من غير نظر ولا روية لان أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه وقال يأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر رضي الله عنه وقول كفرة قوم نوح له ولمن آمن به وما نرى لكم علينا من فضل أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مزية علينا بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون
وهذا تلطف في الخطاب معهم وترفق بهم في الدعوة إلى الحق كما قال تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وقال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وهذا منه يقول لهم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده أي النبوة والرسالة فعميت عليكم أي فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها أنلزمكموها أي انغضبكم بها ونجبركم عليها وأنتم لها كارهون أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم إن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي وابقى مما تعطونني أنتم وقوله وما أنا بطارد الذين آمنوا أنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك فأبى عليهم ذلك وقال إنهم ملاقوا ربهم أي فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى الله عز وجل ولهذا قال ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم نهاه الله عن ذلك كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك أي بل أنا عبد رسول لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولا أقول للذين تزدري أعينكم يعني من اتباعه لن يؤتيهم الله خيرا الله ألم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين أي لا أشهد عليهم بانهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر كما قالوا في المواضع الأخر أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين

وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما


فأخذهم الطوفان وهم ظالمون أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم وكان كل ما نقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه أن لا يؤمن بنوح أبدا ما عاش ودائما ما بقي وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق ولهذا قال ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ولهذا قالوا قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين أي إنما يقدر على ذلك الله عز وجل فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الفعال لما يريد وهو العزيز الحكيم العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن تسلية له عما كان منهم إليه فلا تبتئس بما كانوا يفعلون وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلامن قد آمن أي لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون وذلك أن نوحا عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم ورأى أنهم لا خير فيهم وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق من فعال ومقال دعا عليهم دعوة غضب فلبى الله دعوته وأجاب طلبته قال الله تعالى ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وقومه من الكرب العظيم وقال تعالى ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم وقال تعالى قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين وقال تعالى فدعا ربه أني مغلوب فانتصر وقال تعالى قال رب انصرني بما كذبون وقال تعالى مما خطيآتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفار فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم فإنه ليس الخبر كالمعاينة ولهذا قال ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه أي يستهزئون به استعباد الوقوع ما توعدهم به قال إن تسخورا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون أي نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم فسوف تعلمون من يأتيه


عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم رسول كما قال البخاري حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء نوح عليه السلام وأمته فيقول الله عز وجل هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون لا ما جاءنا من نبي فيقول لنوح من يشهد لك فيقول محمد وأمته فتشهد أنه قد بلغ وهو قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا والوسط العدل فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق بأن الله قد بعث نوحا بالحق وأنزل عليه الحق وأمره به وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به ولا شيئا مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه وهكذا شأن جميع الرسل حتى أنه حذر قومه المسيح الدجال وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم حذرا عليهم وشفقة ورحمة بهم كما قال البخاري حدثنا عبدان حدثنا عبدالله عن يونس عن الزهري قال سالم قال ابن عمر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور وهذا الحديث في الصحيحين أيضا من حديث شيبان بن عبدالرحمن عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أحدثكم عن الدجال حديثا ما حدث به نبي قومه أنه أعور وأنه يجيء معه بمثال الجنة والنار والتي يقول عليها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه لفظ البخاري

وقد قال بعض علماء السلف لما استجاب الله له أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة ثم نجره في مائة أخرى وقيل في أربعين سنة فالله أعلم قال محمد بن إسحق عن الثوري وكان من خشب الساج وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة قال الثوري وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء وقال قتادة كان طولها ثلثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعا وهذا الذي في التوراة على ما رأيته

وقال الحسن البصري ستمائة في عرض ثلثمائة وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع وقيل كان طولها ألفي ذراع وعرضها مائة ذراع قالوا كلهم وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعا وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشر أذرع فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للناس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها قال الله تعالى قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا أي بأمرنا لك وبمرأى منا لصنعتك لها ومشاهدتنا لذلك


لنرشدك إلى الصواب في صنعتها فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها وأن يحمل معه أهله أي أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد كما قدمنا بيانه قبل

والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار وعن ابن عباس التنور عين في الهند وعن الشعبي بالكوفة وعن قتادة بالجزيرة وقال علي بن أبي طالب المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر أي إشراقه وضياؤه أي عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وهذا قول غريب وقوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل هذا أمر بأن عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين وفي كتاب أهل الكتاب أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج ومما لا يؤكل زوجين ذكرا وأنثى وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق إثنين إن جعلنا ذلك مفعولا به وأما إن جعلناه توكيدا لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي والله أعلم

وذكر بعضهم ويروى عن ابن عباس أن أول ما دخل من الطيور الدرة وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدالله بن صالح حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف نطمئن أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا الفارة فقالوا الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها هذا مرسل وقوله واهلك إلا من سبق عليه القول أي من استجيبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر فكان منهم ابنه يام الذي غرق كما سيأتي بيانه ومن آمن أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك قال الله تعالى وما آمن معه إلا قليل هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ودعوتهم الأكيدة ليلا ونهارا بضروب المقال وفنون التلطفات والتهديد والوعيد تارة والترغيب والوعد أخرى

وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم


وعن كعب الاحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا وقيل كانوا عشرة وقيل إنما كانوا نوحا وبنيه الثلاثة وكنائنته الأربع بامرأة يام الذي انخزل وانعزل وسلل عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية بل هي نص في أنه قد ركب معه غير أهله طائفة ممن آمن به كما قال ونجني ومن معي من المؤمنين وقيل كانوا سبعة وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم وهم حام وسام ويافث ويام وتسميه أهل الكتاب كعنان وهو الذي قد غرق وعابر وقد ماتت قبل الطوفان قيل إنها غرقت مع من غرق وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك أو أنها أنظرت ليوم القيامة والظاهر الأول لقوله لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا قال الله تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه واقر عينه ممن خالفه وكذبه كما قال تعالى الذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور أن يكون على الخير والبركة وأن تكون عاقبتها محمودة كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم أي على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه إن ربي لغفور رحيم أي وذو عقاب اليم مع كونه غفروا رحيما لا يرد بأسه عن القوم المجرمين كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره قال الله تعالى وهي تجري بهم في موج كالجبال وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده كان كأفواه القرب وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها كما قال تعالى فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر والدسر السائر تجري بأعيننا أي بحفظنا وكلاأتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها جزاء لمن كان كفر
وقد ذكر ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر شهر آب في حساب القبط وقال تعالى إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية أي السفينة لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية قال جماعة من المفسرين ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا وهو الذي عند أهل الكتاب وقيل ثمانين ذراعا وعم جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق


على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم كان أهل ذلك الزمان قد ملأوا السهل والجبل وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم لم تكن بقعة في الأرض الا ولها مالك وحائز رواهما ابن أبي حاتم ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بنيهما الموج فكان من المغرقين وهذا الابن هو يام أخو سام وحام ويافث وقيل اسمه كنعان وكان كافرا عمل عملا غير صالح فخالف أباه في دينه ومذهبه فهلك مع من هلك هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب لما كانوا موافقين في الدين والمذهب وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين أي لما فرغ من أهل الأرض ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل أمر الله الأرض أن تبلع ماءها وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر وغيض الماء أي نقص عما كان وقضى الأمر أي وقع بهم الذي كان قد سبق في علمه وقدره من إحلاله بهم ما حل بهم وقيل بعدا للقوم الظالمين أي نودي عليهم بلسان القدرة بعدا لهم من الرحمة والمغفرة كما قال تعالى فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أنهم كانوا قوما عمين وقال تعالى فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين وقال تعالى ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا انهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين وقال تعالى فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم وقال تعالى فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين وقال تعالى ثم أغرقنا الآخرين وقال ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر وقال تعالى مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله انصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدو إلا فاجرا كفارا وقد استجاب الله تعالى وله الحمد والمنة دعوته فلم يبق منهم عين تطرف

وقد روى الإمامان أبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن قائد مولى عبدالله بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبدالرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم ام الصبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة يعني الا خمسين عاما وغرس مائة سنة الشجر فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر كيف تجري قال سوف تعلمون فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي


عليه وكانت تحبه حبا شديدا خرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي وهذا حديث غريب وقد روى عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة وأحرى بهذا الحديث أن يكونا موقوفا متلقى عن مثل كعب الأحبار والله أعلم

والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا فكيف يزعم بعض المفسرين ان عوج بن عنق ويقال ابن عناق كان موجودا من قبل نوح إلى زمان موسى ويقولون كان كافرا متمردا جبارا عنيدا ويقولون كان لغير رشدة بل ولدته أمه عنق بنت آدم من زنا وإنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصيعة التي لك ويستهزىء به ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول

أما المعقول فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ولا يهلك عوج بن عنق ويقال عناق وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا وكيف لا يرحم الله منهم أحدا ولا أم الصبي ولا الصبي ويترك هذا الدعى الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا

وأما المنقول فقد قال الله تعالى ثم أغرقنا الآخرين وقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن

فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم أخره بذلك وهلم جر إلى يوم القيامة

وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه فكيف يترك هذا ياهل عنه ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق الا اختلافا من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم

ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده وسؤاله له عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف ووجه السؤال أنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد غرق فأجيب بأنه ليس من أهلك أي الذين


وعدت بنجاتهم أي أما قلنا لك وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأن سيغرق بكفره ولهذا ساقته الأقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان ثم قال تعالى قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودى وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور وقد قدمنا ذكره عند خلق الجبال بسلام منا وبركات أي اهبط سالما مباركا عليك وعلى أمم ممن سيولد بعد أي من أولادك فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم سام وحام ويافث
قال الإمام أحمد حدثنا عبدالوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا نحوه

وقال الشيخ أبو عمرو بن عبدالبر وقد روى عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام ثم روى من حديث اسمعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ولد نوح ثلاثة سام ويافث وحام وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم وولد يافث الترك والسقالبة ويأجوج ومأجوج وولد حام القبط والسودان والبربر قلت وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا إبراهيم بن هانىء وأحمد بن حسين بن عباد أبو العباس قالا حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لنوح سام وحام ويافث فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والسقالبة ولا خير فيهم وولد لحام القبط والبربر والسودان ثم قال لا نعلم يروى مرفوعا الا من هذا الوجه تفرد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسلا ولم يسنده وإنما جعله من قول سعيد قلت وهذا الذي ذكره أبو عمرو هو المحفوظ عن سعيد قوله وهكذا روى عن وهب بن منبه مثله والله أعلم

ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه وقد قيل إن نوحا عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد الا بعد الطوفان وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق وعابر مات قبل الطوفان والصحيح أن الأولاد الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم وهو نص التوراة وقد ذكر أن حاما واقع امرأته في السفينة فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته فولد له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد السودان وقيل بل رأى أباه نائما وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخواه فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته وأن يكون أولاده عبيدا لإخوته

وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه قال قال الحواريون لعيسى بن مريم لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى أتى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه قال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا كعب حام بن نوح قال وضرب الكثيب بعصاه وقال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب فقال له عيسى عليه السلام هكذا هلكت قال لا ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت قال حدثنا عن سفينة نوح قال كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فاقبلا على الروث ولما وقع الفار يخرز السفينة بقرضه أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفار فقال له عيسى كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت قال بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت قال ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقالوا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا قال كيف يتبعكم من لا رزق له قال فقال له عد بإذن الله فعاد ترابا وهذا أثر غريب جدا وروى غلباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ثم وجهها إلى الجودى فاستقرت عليه فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع علىالجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين فعرف نوح أن الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودى فابتنى قرية وسماها ثمانين فأصحبوا ذات يوم وقد تبلبلت السنتهم على ثمانين لغة إحداها العربي وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنه
وقال قتادة وغيره ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودى شهرا وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشرواء من المحرم وقد روى


ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا وأنهم صاموا يومهم ذلك وقال الإمام أحمد حدثنا أبو جعفر حدثنا عبدالصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب بن عبدالله عن شبل عن أبي هريرة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال ما هذا الصوم فقالوا هذا اليوم الذي نجا الله موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودى فصام نوح وموسى عليهما السلام شكرا لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم وقال لأصحابه من كان منكم أصبح صائما فليتم صومه ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله فليتم بقية يومه وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر والمستغرب ذكر نوح أيضا والله أعلم

وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها واطحنوا الحبوب يومئذ واكتحلوا بالاثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعد ما كانوا في ظلمة السفينة فكل هذا لا يصح فيه شيء وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقندي بها والله أعلم

وقال محمد بن إسحاق لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض فسكن لماء وانسدت ينابيع الأرض فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر وكان استواء الفلك فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشر ليلة مضت منه وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رؤس الجبال فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه فأرسل الحمامة فرجعت إليه لم يجد لرجلها موضعا فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ثم مضت سبعة ايام ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه فعلم نوح أن الأرض قد برزت فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنين برز وجه الأرض وظهر البر وكشف نوح غطاء الفلك وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي أهل الكتاب قال ابن إسحق وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحا قائلا له اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك وجميع الدواب التي معك ولينموا وليكبروا في الأرض فخرجوا وابتنى نوح مذبحا لله عز وجل وأخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قربانا إلى الله عز وجل وعهد الله إليه أن لا يعيد الطوفان على أهل الأرض وجعل تذكارا لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام وهو قوس قزح الذي قدمنا عن ابن عباس أنه أمان من الغرق قال بعضهم فيه إشارة إلى أنه قوس بلا وتر أي أن هذا الغمام لا يوجد منه طوفان كأول مرة

وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان واعترف به آخرون منهم وقالوا إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا قالوا ولم نزل نتوارث الملك كابرا عن كابر من لدن كيو مرث يعنون آدم إلى زماننا هذا وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان

وهذه سفسطة منهم وكفر فظيع وجعل بليغ ومكابرة للمحسوسات وتكذيب لرب الأرض والسموات وقد أجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان على وقوع الطوفان وأنه عم جميع البلاد ولم يبق الله احدا من كفرة العباد استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم وتنفيذ لما سبق في القدر المحتوم

ذكر شيء من أخبار نوح عليه السلام
قال الله تعالى إنه كان عبدا شكورا قيل إنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله وقال الإمام أحمد حدثنا أبو أسامة حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي أسامة والظاهر أن الشكور هو الذي يعمل بجميع الطاعات القلبية والقولية والعملية فإن الشكر يكون بهذا وبهذا كما قال الشاعر ... أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا ...

صومه عليه السلام
وقال ابن ماجه باب صيام نوح عليه السلام حدثنا سهل بن أبي سهل حدثنا سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن أبي فراس أنه سمع عبدالله بن عمرو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح الدهر إلا يوم عيد الفطر ويوم الأضحى هكذا رواه ابن ماجه من طريق عبدالله بن لهيعة بإسناده ولفظه وقد قال الطبراني حدثنا أبو الزنباع روح بن فرج حدثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا ابن لهيعة عن أبي قتادة عن يزيد بن رباح أبي فراس أنه سمع عبدالله بن عمرو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود نصف الدهر وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر


حجه عليه السلام
وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن زمعة هو ابن أبي صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادي عسفان قال يا أبا بكر أي واد هذا قال هذا وادي عسفان قال لقد مر بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم على بكرات لهم حمر خطمهم الليف أزرهم العباء وارديتهم النمار يحجون البيت العتيق فيه غرابة

وصيته لولده
قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن الصقعب بن زهير عن زيد بن أسلم قال حماد أظنه عن عطاء بن يسار عن عبدالله بن عمرو قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس بن فارس أو قال يريد أن يضع كل فارس بن فارس ورفع كل راع بن راع قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال لا أرى عليك لباس من لا يعقل ثم قال إن نبي الله نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لاإله إلا إله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والارضين السبع كن حلقة مبهمة فضمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإن بها صلات كل شيء وبها يرزق الخلق وأنهاك عن الشرك والكبر قال قلت أو قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر أن يكون لاحدنا نعلان حسنان لهما شرا كان حسنان قال لا قال هو أن يكون لاحدنا حلة يلبسها قال لا قال هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها قال لا قال هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه قال لا قلت أو قيل يا رسول الله فما الكبر قال سفه الحق وغمض الناس وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه ورواه أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الرحيم بن سليمان عن محمد ابن إسحق عن عمرو بن دينار عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان في وصية نوح لابنه أوصيتك بخصلتين وأنهاك عن خصلتين فذكر نحوه وقد رواه أبو بكر البزار عن إبراهيم بن سعيد عن أبي معاوية الضرير عن محمد بن إسحق عن عمرو بن دينار عن عبدالله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه والظاهر أنه عن عبدالله بن عمرو بن العاص كما رواه أحمد والطبراني والله أعلم

ويزعم أهل الكتاب أن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة كان عمره ستمائة سنة وقدمنا عن ابن عباس مثله وزاد وعاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة وفي هذا القول نظر ثم إن لم يمكن الجمع


بينه وبين دلالة القرآن فهو خطأ محض فإن القرآن يقتضى أن نوحا مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك فإن كان ما ذكر محفوظا عن ابن عباس من أنه بعث وله أربع مائة وثمانون سنة وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش على هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة

وأما قبره عليه السلام فروى ابن جرير والأزرقي عن عبدالرحمن بن سابط أو غيره من التابعين مرسلا أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام وهذا أقوى وأثبت من الذكر الذي يذكره كثير من المتأخرين من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح وهناك جامع قد بنى بسبب ذلك فيما ذكره والله أعلم قصة



 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


1 + 9 =

/300
  محيط البوك روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
  صورة البلوك راديو الشفاء للرقية

راديو الشفاء للرقية الشرعية

راديو الشفاء للرقية مباشر

  صورة البلوك جديد الاناشيد الاسلامية

  صورة البلوك جديد القرآن الكريم

  صورة البلوك جديد الكتب