في مشهد الجنازات ينتابني الفزع من لحظة إغلاق القبر وتسارع الناس لترك ميتهم !
كان سيدنا عثمانُ رضي الله عنه إذا وقَف على القبرِ بكى حتى تُبَلَّ لحيتُه، فقيل له، تذكُرُ الجنةَ والنارَ فلا تبكي، وتبكي من هذا ؟ !
فقال: إن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : إن القبرَ أول منازلَ الآخرةِ، فإن نجا منه، فما بعدَه أيسَرُ، وإن لم يَنجُ منه، فما بعدَه أشدُّ منه . قال : وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ما رأيتُ مَنظرًا قَطُّ إلا والقبرُ أفظَعُ منه .
على القبر أحدهم يبكي.. والآخر حزين .. وآخر هناك لا يبالي!
وفي داخل القبر أحدهم يقول : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم.. وآخر يقول: هاه هاه لا أدري!
في الأعلى يُحكمون إغلاق القبر من هنا ومن هناك وكأنهم يخشون خروجه !
وفي داخل القبر أحدهم يقول : رب أقم الساعة، وأحدهم ينادي: رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحا فيما تركت.
في الأعلى يتأفف أحدهم من التراب، وترهقه حرارة الشمس، ويمل من طول الدعاء!
وفي داخل القبر لا يملك أحدهم إلا مترين في متر من كون فسيح، وقطعة قماش، وعمله، ودعوات صالحات.
في الأعلى لا تكاد تمضي ربع ساعة إلا وقد فرغ المكان وساد السكون، وخيم الصمت ورحل الزوار!
وفي الداخل ضجيج!
أحدهم يُنعّم ويرى مقعده من الجنة.. وآخر يصرخ من ضيق المكان وظلمته ومن الهول والفزع.
في الأعلى أناس قد انتقلوا من بيت مكيف، لمسجد مكيف، بسيارة مكيفة، ويتعجلون الرحيل من الحرّ!
وفي داخل القبر يسمعون قرع نعال أحبتهم وهم يغادرون، احدهم في سعة ولطف ورحمة، وآخر في ضيق وحر ونكد.
أفي النعيم المقيم نحيا، أم في العذاب نشقى؟
"لمثل هذا فليعمل العاملون" (لا نجاة من الموت )
اللهم إنا مقصرون فاعف عنا يارب
اللهم وعاملنا بعفوك ورحمتك وجودك وكرمك
اللهم تب علينا انك انت التواب الرحيم.