قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كما في "التفسير الكبير" المنسوب إليه (( فمشركو العرب وأهل
الكتاب يقرون بالملائكة وإن كان كثير منهم يجعلون الملائكة والشياطين نوعًا واحدّا ، فمن خرج منهم عن طاعة الله أسقطه وصار شيطانّا وينكرون أن يكون إبليس كان أب الجن؛ وأن يكون الجن ينكحون ويولدون ويأكلون ويشربون »
بل زعم بعض العرب أن الملائكة من نسل الجن كما ذكر ذلك غير واحد من المفسرين» فذكر الفوارق
يعين على معرفة الملائكة معرفة صحيحة وهذه الفوارق كالآتي:
1- خلقت الملائكة من نور والجان من نار:
كما دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار » ... وهذا فارق عظيم في أصل الخلقة فمن باب أولى وجود الفوارق في الصفات والأعمال.
2- أسماء الملائكة تختلف عن أسماء الجن جملة وتفصيلا:
فاسم الملائكة المراد به الرسل فالملائكة رسل الله .
واسم الجن من الاجتنان أي الاستتار، واسم الشيطان من التشيطن وهو التمرد ، هذه الأسماء من باب الجملة وهي مختلفة في تفاصيلها ، فإبليس من الإبلاس وهو: اليأس والقنوط من رحمة الله .
وانظر إلى اسم جبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرها فتجد أن أسماء الملائكة أسماء حسنة طيبة ، وأسماء الجن والشياطين قبيحة .
3- الملائكة خلقوا للطاعة:
الملائكة خلقهم الله مجبولين على طاعته ، الملائكة لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يأمرون ، فلم يبق لهم اختيار على طاعته او عدمها بخلاف الجن فإن الله جعل لهم الاختيار والإرادة كالإنس » فمن شاء آمن
ومن شاء كفر، ولما كان الجن كذلك كثر فيهم اختيار الكفر على الإيمان » والشرك على عبادة الرحمن.
4- الملائكة ليس لهم شهوة:
الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون بعكس الانس والجان ، الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون إلى غير ذلك .
5- الملائكة لا يعصون الله طرفة عين:
الملائكة لا يعصون الله وخلقوا للطاعة والتسبيح ، تسبيحهم بالليل والنهار كالتنفس عندنا ، أما الجن فأغلبهم كفار » بل الكفر فيهم والضلال والافساد أكثر منه في الإنس ، وما يشاع أن هاروت وماروت ملكان » غير صحيح , بل هما جنيان » ومن قال إنهما ملكان فاعتماده على قصص إسرائيلية لا عبرة بها، ولا تقوم بها حجة ، ولم يصح في ذلك حديث .
6- الملائكة أقوى من الجن بكثير:
لا مقارنة بالتأكيد بين قوة الملائكة وقوة الجن بل بعض الملائكة لا قياس لقوة الواحد منهم بجميع ما خلق الله من الجن ، كملك الموت فهو واحد ويقبض الأرواح في اللحظة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها ،
وقد رأى الرسول عليه الصلاة والسلام جبريل مرتين وله ستمائة جناح ، والحديث في صحيح البخاري.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن حملة العرش قال: وثمانية ملائكة يحملون العرش » قال تعالى : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ .
وجاء في صفات حملة عرش الرحمن أن خلقهم عظيم جداً، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: «أُذِن لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة عام»، وفي الحديث الذي رواه العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: «... ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش»، وهذا يدل على أن حملة العرش الآن ثمانية.
وقد جعل الله الملائكة أعظم جنوده يريهم الكون كله
وتتفاوت قواهم , قال تعالى: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر .
7- الملائكة أفضل من الجان خلقة وصورة وعملا وحالا.
8- كثرة اعداد الملائكة:
الملائكة عددهم كثير جدّا بحيث يزيد على عدد الجن والإنس والحيوانات بأعداد لا يعلمها الا الله : وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، فهم يقومون بتدبير المخلوقات ، ومنهم الكتبة ، ومنهم الحفظة ، ومنهم الراكعون ، ومنهم الساجدون ، ومنهم المسبحون ، ومنهم المستغفرون ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت المعمور: يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للتعبد ثم لا يعودون إليه ، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك للعبادة في هذا البيت المعمور ثم يخرجون ولا يعودون إلى يوم القيامة، وهذا يدل على كثرة الملائكة وأنهم ملايين لا تحصى، سبحان الذي خلقهم وأمر بخدمته وعبادته .
9- خدمة الملائكة للأنس:
خلق الله الملائكة لخدمة بني آدم فهم قائمون بذلك » وأما الجان فغالبهم ساعون في إضلال بني آدم وإغوائهم؛ وفي مقدمتهم أبوهم إبليس. كما هو معلوم من الدين بالضرورة .
10- الملائكة قائمون بتدبير الجن وخدمتهم كما أراد الله .
11- الملائكة يرون الجن في كل وقت وآن والجن لا ترى الملائكة إلا إذا تمثلت الملائكة بصورة مكنوا بها الجن من رؤيتهم ، لأن الجن لو رأت الملائكة ما بقيت من عالم الغيب التي يجب عليهم الإيمان بهم .
وما حصل في معركة بدر حين جاء ابليس اللعين المشركين يقاتل معهم في صورة سراقة بن مالك، ولم يكن فارقهم منذ خروجهم من مكة، فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه،
وعندما رآه الحارث بن هشام يفر من المعركة ــ وهو يظنه سراقة ــ تشبث به ليعيده فدفعه في صدره فألقاه ثم خرج هاربًا،
وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا ؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.
12- خلق الله الملائكة قبل خلق الجان ، والدليل على ذلك أن منهم حملة العرش ، ومعلوم أن العرش خلق قبل خلق السموات والأرض وما بينهما.
13- الملائكة من عالم الغيب بالنسبة للجن ، ولهذا أوجب الله على الجن الإيهان
بالملائكة .
14- الملائكة مسلطة على الجان بإذن الله ولذلك فهم يرونهم ويقهرونهم ويقبضون أرواحهم ويحولون بينهم وبين مؤاذاة الإنس على وفق ما أراد الله ، وأما
الجان فليسوا مسلطين على الملائكة وهذا معلوم بالضرورة.
15- الملائكة عمومًا متصفون بالصفات الحميدة » قال تعالى فيهم: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ - النحل:50 » وقال سبحانه فيهم أيضًا: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ - الأنياء:28 » وقال تعالى فيهم: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ - التحريم:6 »
وقال أيضًا: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - الأنياء:27 »
وأما الجن فغالبهم يتصفون بالصفات القبيحة» كالوسوسة وتزيين الشر والنزغ والمكر والكيد والبغي والظلم وغير ذلك.
16- لا توصف الملائكة بالذكورة ولا بالأنوثة:
وقد وقع أهل الجاهلية في جرم كبيرعندما قالوا: الملائكة بنات الله » قال سبحانه: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ - الزخرف:19) وقال تعالى مخبراً عنهم: أَصْطًفى الْبَنَاتِ عَلَ الْبَيينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحَكُمُونَ - الصافات:19
ولا يوصفون بالذكورة لأنه يقتضي أن يكون منهم إناتٌ » ولكن يقال لهم عباد الله » وجنود الله كما سماهم بذلك القرآن » وأما الجان فهم ذكور وإناث » وهذا معلوم من الدين بالضرورة » قال تعالى في إبليس أبي الجن: « أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا - الكهف:50
17- الملائكة تعين الأنبياء والمرسلين وأتباعهم على الخير » ولهذا كان مصدر ابتداء الخير في الناس عن طريق إلهامها لهم » قال شيخ الإسلام ابن تيمية » في « مجموع الفتاوى » ( فمبدا العلم الحق والإرادة الصالحة من لَمّةِ الملك ، ومبداً الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة من لمة الشيطان ...).
فالملائكة لا تعين السحرة والمنجمين ، ورعاة الفساد والعناد ، بخلاف شياطين الجن فهم يؤيدون ويعينون على كل شر وفساد وإجرام ؛ بل هم أصل كل فسق وكفر وفجور .
18- الملائكة يسكنون السماء:
قال الله: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ - الشورى:5 » والشاهد: مِنْ فَوْقِهِنَّ : وقال تعالى:
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ - فصلت:38 » وقال: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا - مريم:64
فهم يتنزلون من السماء إلى الأرض. وأما الشياطين وفي مقدمتهم إبليس» فهم يسكنون الأرضء وغالبًا يكونون في الأماكن المستقذرة كمحل النجاسات، وفي القمامة وأماكن البول والغائط وما أشبه ذلك »
وكم الفارق بين من يسكنون السماء وبين من
يسكنون الأرض!! فكيف بمن يسكن غالبًا في أماكن مستقذرة؟!
19- الملائكة تطير بأصل خلقتها إلى السموات العلى وإلى حيث شاء الله بخلاف الجن ، فهم لا يطيرون بأصل خلقتهم وإنما هم دواب يدبون على وجه الأرض ويطيرون إذا تشكلوا وأيضًا طيران الجن ضئيل بجانب طيران الملائكة.
20- الملائكة تقدر على اختراق الحُجب ، وتصل إلى الأرض السابعة كما هو معلوم أنها تقوم بالتدبير لها ولما فيها قال تعالى واصفاً الملائكة: فالمدبراتِ أَمْرَا - النازعات:5
.
العداوة قائمة بين الجن والملائكة ، فالملائكة يعادون إبليس ومن معه ، بل يلعنونه ومن معه ، قال الله : «إإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ - البقرة:161 » إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ،
فاتضح من ذكر هذه الفوارق أن اللملائكة لا تلتقي مع الجن والشياطين لا في الخلق ولا في الصورة ، ولا في الاسم ولا في الصفات ولا في الأعمال ولا في البداية ولا في النهاية فمن سوى بينهما فقد ضل سواء السبيل.
كتبه الشفاء للرقية الشرعية
كتاب احكام التعامل مع الجن