الإجابة في الإسلام واضحة: نعم، الميت يشعر بزيارة أهله، ويسمع سلامهم، بل ويأنس بهم، وهذا ما دلّت عليه النصوص الشرعية.

دعونا نناقش هذا الموضوع بالتفصيل.


أدلة من السنة النبوية على أن الميت يشعر بزيارة أهله

1. سماع الميت لسلام الأحياء عليه

ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: "ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" (رواه ابن عبد البر وصححه الألباني).

هذا الحديث يدل على أن الميت يشعر بزيارة أحبائه، ويرد عليهم السلام، مما يعني أنه يأنس بهم.


2. نداء النبي لأهل القبور وسماعهم له

في غزوة بدر، بعد انتهاء المعركة، وقف النبي ﷺ عند القتلى من المشركين وناداهم بأسمائهم، ثم قال لأصحابه:
"والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا" (البخاري ومسلم).

الحديث يؤكد أن الموتى يسمعون كلام الأحياء، ولكنهم لا يستطيعون الرد.


3. أمر النبي ﷺ بزيارة القبور والسلام على الموتى

قال النبي ﷺ: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت" (مسلم).

وكان يعلم الصحابة أن يقولوا عند زيارة القبور: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" (مسلم).

السلام هنا ليس مجرد كلمات، بل هو تحية يسمعها الميت ويرد عليها.


4. رؤية الميت للزائر وفرحته به

ذكر بعض العلماء أن الميت يفرح بزيارة أهله، كما يفرح الحي بزيارة أحبائه، وهو تفسير مستنبط من الحديث الذي يقول فيه النبي ﷺ:
"إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الموتى، فإن رأوا خيرًا فرحوا، وإن رأوا غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم" (رواه أحمد).

إذا كان الميت يعلم بأعمال الأحياء، فكيف لا يعلم بزيارتهم له؟!


هل يشعر الميت بمن يزوره ويبكي عليه؟

بعض العلماء يرون أن الميت قد يشعر بحزن أهله عليه، فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذا كان يوصيهم بذلك في حياته" (البخاري ومسلم).

لكن هذا لا يعني أن الميت يتألم بمجرد البكاء عليه، بل المقصود أن الميت الذي كان يشجع أهله على النياحة والصراخ هو الذي يتأذى بذلك بعد موته.

أما زيارة القبر بحزنٍ وخشوعٍ، والدعاء للميت، فهذا يفرحه ويؤنسه، بل ويفيده في آخرته.


ماذا يستفيد الميت من زيارة أهله له؟

1. الدعاء له بالمغفرة والرحمة

قال النبي ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (مسلم).
أعظم ما يحتاجه الميت هو الدعاء، فلا تحرموا أحبابكم منه.


2. التصدق عنه
قال سعد بن عبادة للنبي ﷺ: "يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم" (البخاري).

التصدق عن الميت من أفضل ما يُهدى له، سواء كان صدقة مال، أو بناء مسجد، أو توزيع مصاحف.


3. زيارة القبر والسلام عليه
كما ذكرنا، الميت يأنس بزائر قبره، خصوصًا إذا كان من أهله وأحبابه، وهذا يخفف عنه وحشة القبر.

كيف تكون زيارة القبور الصحيحة؟

أمور مستحبة عند زيارة القبور:

الدخول بالسكينة والخشوع.
قول السلام كما علّمنا النبي ﷺ: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة.
قراءة الفاتحة أو بعض آيات القرآن.
التصدق عن الميت، ووهب أجر العمل الصالح له.

أمور غير صحيحة يجب تجنبها عند زيارة القبور:

الصراخ والبكاء الشديد.
التمسح بالقبور أو طلب المدد من الأموات، فهذا من البدع المحرمة.
الجلوس فوق القبور أو المشي عليها.


خلاصة: هل الميت يستشعر ويأنس بزيارة أهله؟

نعم، الميت يشعر بزيارة أهله له، ويسمع سلامهم، ويأنس بدعائهم له.
الدعاء والتصدق عن الميت من أفضل ما يُهدى له، وهو ينتفع بها في قبره.
الميت قد يعلم بأحوال أهله في الدنيا، ويُسرّ إذا كانوا على طاعة الله.
زيارة القبور سنة نبوية تُذكر بالموت وتفيد الأحياء والموتى معًا.