منهج شيخ الإسلام في كشف بدعة الخوارج
الكتاب |
منهج شيخ الإسلام في كشف بدعة الخوارج | |||
|
|||
|
|||
| |||
| |||
| |||
• | |||
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: لقد نبتت في بلاد المسلمين نابتة سوء تراجع بأصولها إلى بدعة الخوارج، فوجب تحذير المسلمين من ذلك، وحتى يتمكن المبصر لحقائق الأشياء والتمييز عند الحكم على الأفعال بين الخطأ المغفور لصاحبه والذي هو من قبيل الاجتهاد السائغ، وبين الأخطاء المغلظة والتي ترجع بأصولها إلى أهل الأهواء خاصة فيما يتعلق ببدعة تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم وديارهم. وهذا التمييز وحتى يتحقق هدفه. لابد ان يؤسس ويؤصل على فهم علمي للكتاب والسنة وتطبيقاتها في الواقع أولاً. وعلى دراية ببدعة الخوارج وأصولها ونشأتها ثانياً، ولا سبيل لتحقيق الأمرين اللازمين لرؤية صحيحة في هذا الميدان، إلا بالنظر في الموروث العلمي لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لاسيما ان الدواعي لمثل هذا الطرح مقصودة الوقوف على السمات الخاصة بالخوارج في كل عصر ولشيخ الإسلام السبق في هذا الميدان. وقبل الشروع بالمقصود لابد من تذكير بأمور هامة نبه عليها شيخ الإسلام -رحمه الله-: الأول: الخوارج أول من خرجوا زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. وكان لهم من الصلاة، والصيام، والقراءة، والعبادة، والزهد، ما لم يكن لعموم الصحابة، لكن كانوا خارجين عن سنة المسلمين، وقتلوا من المسلمين رجلاً اسمه عبدالله بن خباب، وأغاروا على دواب المسلمين. وهذه البدعة هي أول البدع ظهور في الإسلام، وأظهرها ذماً في السنة والآثار، فإن أولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في وجهة: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة (1) بوصفهم وذمهم والأمر بقتالهم، قال أحمد ابن حنبل -رحمة الله-: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة". الثاني: لا يزال يخرجون إلى زمن الدجال: أحاديث الخوارج رويت من عدة أوجه، ففي حديث أبي برزة عند النسائي: "يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزال يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم. هم شر الخلق والخليقة". قال شيخ الإسلام في "المجموع" (496/28): "فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال. وقد اتفق المسلمون على ان الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر". الثالث: أدخل العلماء في نصوص الخوارج كل من كان في معناهم من أهل الأهواء والبدع، وإن كان الخروج عن الدين والإسلام أنواعاً مختلفة (2). الأمر الرابع: ان الشريعة ذمتهم وأمرت بقتالهم مع ما عندهم من حسنات وعبادات: قال شيخ الإسلام (473/11): "فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته" أ، ه . والملاحظ: ان الخوارج يتدرجون في بدعتهم، حتى يتمكنوا من فرضها على الواقع: يبادرون أولاً بمقدمات البدعة ثم بتنظيرها والاستدلال عليها، عليا، ثم إيجاد مبررات الشروع بالبدعة ودواعي تنفيذ الفكرة، ثم فرض البدعة على الواقع بالسيف، وفي كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- كفاية للمطلوب، فأحببنا الوقوف على المحاور الآتية: المحور الأول: مقدمات بدعتهم: سوء الفهم لمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل بدعة الخوارج، فهم لم يقصدوا مخالفة الكتاب، ولكن فهموا منه ما لم يدل عليه، يقول شيخ الإسلام في "المجموع" (,3130/13): وكانت البدع الأولى مثل "بدعة الخوارج" إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذا كان المؤمن هو البر التقي. قالوا: فمن لم يكن براً تقياً، فهو كافر، وهو مخلد في النار. ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين، لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، فكانت بدعتهم لها مقدمتان: (الواحدة): ان من خالف القرآن بعمل أو برأي اخطأ فيه، فهو كافر. (والثانية): ان عثمان وعليا ومن والاهما كانوا كذلك. ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين، واستحلوا دمائهم وأموالهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ذمهم الأمر بقتالهم، أ. ه . المحور الثاني: أصل بدعتهم: أدخل شيخ الإسلام -رحمه الله- بدعة الخوارج ضمن البدع المغلظة الكبار، عند الكلام على أصل هذه البدع، وبيان وجه التفاوت بينها، فقال -رحمه الله- في "المجموع" (497/28): "فهؤلاء أصل ضلالهم: اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم. ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً. ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها. فهذه ثلاث مقامات للمارقين ونحوهم، في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية ونظر شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى أصل بدعة الخوارج وخاصيتها من وجهين: الأول: على اعتبار أنها مخالفة للسنة. الوجه الثاني: ما يترتب على هذه المخالفة من لوازم باطلة يلزمون الناس بها، فقال -رحمه الله- في "المجموع" (,7372/19). "ولهم (أي: الخوارج) خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأثمتهم: أحدهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل فإنك لم تعدل حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل". الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وان دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان ثم بين -رحمه الله- ما يتولد من هذين الأصلين الخبيثين، فقال: (فينبغي للمسلم ان يحذر من هذين الأصلين الخبيثين، وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم. وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة، فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته، فهو مبدع خارج عن السنة، ومن كفر المسلمين بما رآه ذنبا، سواء كان ديناً أو لم يكن ديناً وعاملهم معاملة الكفار، فهو مفارق للجماعة وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين) أ، ه . المحور الثالث: مصدر التلقي عند الخوارج وطريقتهم في الاستدلال: يعتمد الخوارج في تقرير أصولهم على ظواهر النصوص القرآنية، ويردون من السنة ماخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن، بل يعدلون عن السنة المتواترة إذا كانت تخالف هذا الظاهر، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في (المجموع) (355/3): (وإذا عرف أصل البدع، فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب. وان كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم مالا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال صلى الله عليه وسلم فيهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل والأوثان) ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما، وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة) أ.ه . فالخوارج وقعوا في أمرين خطيرين: الأول: تركهم واجب اتباع السنة، ولا يرون اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجباً: قال شيخ الإسلام في المجموع: (104/20): "وأهل البدع ذنوبهم ترك ما أمروا به من اتباع السنة وجماعة المؤمنين، فإن الخوارج أصل بدعتهم انهم لا يرون طاعة الرسول واتباعه فيما خالف ظاهر القرآن عندهم، وهذا ترك واجب". وقال رحمه الله في "المجموع" (73/19): "والخوارج جوزوا على الرسول نفسه ان يجور ويضل في سنه، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن". الأمر الثاني: تفير القرآن بفهمهم وآرائهم: لم يقف الأمر عند اتباع القرآن دون اتباع السنة فحسب، بل تعداه إلى تفسير القرآن بفهمهم وآرائهم وأهوائهم، لا سيما نصوص الوعيد، حيث غلطوا في فهمها. وايضاً فالخوارج كانوا يتبعون القرآن بمقتضي فهمهم، وهؤلاء انما يتبعون الامام المعصوم عندهم الذي لا وجود له، فمستند الخوارج خير من مستندهم (3). وقال ايضاً في "المجموع" ( 491/28): "وايضاً فإن الخوارج كانوا ينتحلون اتباع القرآن بآرائهم، ويدعون اتباع السنن التي يزعمون انها تخالف القرآن، والرافضة تنتحل اتباع اهل البيت، وتزعم ان فيهم المعصوم الذي لا يخفى عليه شيء من العلم ولا يخطئ لا عمداً ولا سهواً ولا رشداً". والمتتبع لكلام شيخ الاسلام في تحليله لبدعة الخوارج يلحظ: ان الخوارج لم يكن عندهم كتب مصنفة في اصول بدعتهم وتقريعاتها، بل تبقي فكرتهم قائمة في عقولهم، ينظرونها، ويؤصلونها على اساس بدعي حركي فكري ما يخدم بدعتهم في تكفير المسلمين والزامهم بهذا اللازم الفاسد، ولهذا يصعب تمييزهم في بداية ظهورهم حتى تكون لهم الارضية التي ينطلقون منها لتحقيق بدعتهم، بخلاف سائر الفرق الاخرى التي لها كتب مصنفة في تقرير اعتقادها، ومن ثم يتمكن اهل الاتباع من تمييزهم والتعريف بهم وببدعتهم. يقول شيخ الاسلام -رحمه الله تعالى- في "المجموع" (48/13- 49): "(والخوارج) لا يتمسكون من السنة إلا بما فسر مجملها دون ما خالف ظاهر القرآن عندهم، فلا يرجمون الزاني، ولا يرون للسرقة نصاباً، وحينئذ فقد يقولون: ليس في القرآن قتل المرتد، فقد يكون المرتد عندهم نوعين. و(أقوال الخوارج) انما عرفناها من نقل الناس عنهم لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة، والزيدية، والكرامية، والاشعرية، والسالمية، واهل المذاهب الاربعة، والظاهرية، ومذاهب اهل الحديث، والفلاسفة، والصوفية، ونحو هؤلاء. المحور الرابع: منشأ الغلط عند الخوارج (مسوغات بدعتهم): عالج شيج الاسلام -رحمه الله- عوامل نشوء بدعة الخوارج وبيان المداخل التي يدخل الشيطان منها، لتزيين البدعة لهم/ وتحسينها، بل وتسويغ القول بها، حتى تكون مقبولة يدافعون عنها بالجماعة والامام والسيف. ويمكن الاشارة الى الاسباب التي رصدها شيخ الاسلام، والتي هي منشأ الغلط عندهم، وهي -في الوقت نفسه- مسوغات امضاء بدعتهم الى الناس: 1- الورع الفاسد (الناقص) الناتج عن قلة علم: يتورع كثير من الناس عن امور معينة، وبالمقابل يتركون اموراً واجبة عليهم، ومنهم من يفعل اموراً مشتبهة فاسدة هي من جنس الظنون الكاذبة، ويعدون ذلك من قبيل الورع بسبب نقص علمهم وفقههم، حتى يجعلون ذلك طريقة متبوعة يضاهون الشريعة فيها. ولما تورع الخوارج تورعاً فاسداً من جهة تعظيم امر الظلم والمعاصي، وان الله -تعالى- صادق ليس بكاذب بما اخبر بأحكام الوعيد، وتركوا بالمقابل واجب الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيم سنته في مسائل الاسماء والاحكام. ووجوب بذل الرحمة لأهل الاعيان وقعوا في بدعتهم المغلظة التي كانت سبباً في تنصيص النبي صلى الله عليه وسلم على ذمهم والامر بقتالهم. وفي هذا المدخل الخطير قال شيخ الاسلام ابن تيمية. رحمه الله تعالى في "المجموع" ( 140/20): "وهذا الورع قد وقع صاحبه في البدع الكبار، فإن ورع الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس، تورعوا عن الظلم وعن ما اعتقدوه ظلماً من مخالطة الظلمة في زعمهم، حتى تركوا الواجبات الكبار، من الجمعة والجماعة، والحج والجهاد، ونصيحة المسلمين والرحمة لهم، واهل هذا الورع مما انكر عليهم الائمة، كالائمة الاربعة، وصار حالهم يذكر في اعتقاد اهل السنة والجماعة". ثم بين رحمه الله ان هذا الورع الفاسد لا يصلح إلا بعلم كثير، وفقه متين، وحلم رزين، فقال في "المجموع": (141/202/- 142). ولهذا يحتاج المتورع الى علم كثير بالكتاب والسنة، والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد اكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار واهل البدع من الخوارج الروافض وغيرهم. والورع المشروع -الذي غلط فيه الخوارج وانحرفوا عنه- لابد ان يكون في فعل الواجبات وترك المحرمات اولاً، ولابد ان يكون صاحبه موافقاً للسنة ثانياً، وان يكون في دائرة الخوف والرجاء ثالثاً، يقول شيخ الاسلام في "المجموع" (110/20- 111): "مثال ذلك: ان الوعيدية من الخوارج وغيرهم فيما يعظمونه من امر المعاصي والنهي عنها، واتباع القرآن وتعظيمه احسنوا، لكن انما اتوا من جهة عدم اتباعهم للسنة، وايمانهم بما دلت عليه من الرحمة للمؤمن وان كان ذا كبيرة". 2- التلازم بين الخطأ والاثم: من المعلوم ان الكلام في حكم الفاسق الملي هو اول اختلاف حدث في الملة، فقالت الخوارج: انه كافر، وقالوا ب "انقاذ الوعيد" ومعناه عندهم: ان فساق الملة مخلدون النار، لا يخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك، ليثبتوا ان الرب صادق لا يكذب، اذا كان عندهم قد اخبر بالوعيد العام، فمتى لم يقل بذلك لزم كذبه، وغلطوا في فهم الوعيد، وجعلوا الاثم موجبات الوعيد لازمه للخطأ لا تنفك عنه بأي حال. قال شيخ الاسلام في "المجموع" (69/35- 70): واهل الضلال يجعلون الخطأ والاثم متلازمين: فتارة يغلون فيهم، ويقولون: انهم معصومون، وتارة يجفون عنهم، ويقولون: انهم باغون بالخطأ، واهل العلم والايمان لا يعصمون، ولا يؤثمون. ومن هذا الباب تولد كثير من فرق اهل البدع والضلال. فطائفة سبت السلف ولعنتهم، لاعتقادهم انهم فعلوا ذنوباً، وان من فعلها يستحق اللعنة، بل قد يفسقونهم، او يكفرونهم، كما فعلت الخوارج الذين كفروا علي ابن طالب وعثمان بن عفان، ومن تولاهما، ولعنوهم وسبوهم، واستحلوا قتالهم.." أ. ه . 3- الغلط في فهم النصوص: ظهر هذا الغلط بوضوح في فهم نصوص الوعيد وما يتفرع عن ذلك من تكفير المسلمين، وكذلك في فهم نصوص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتفرع من مسائل الخروج على الائمة وقتالهم. يقول شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (141/1): "والخوارج الذين تأولوا آيات من القرآن وكفروا من خالفهم فيها، احسن حالاً من هؤلاء، فإن اولئك (أي: الخوارج) علقوا الكفر بالكتاب والسنة، لكن غلطوا في فهم النصوص، وهؤلاء (أي: الجهمية) علقوا الكفر بكلام ما انزل الله به من سلطان". 4- الغلط في الوسائل والمقاصد: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصد شرعي له ضوابطه وحدوده ووسائله، والخوارج بسبب اعراضه عن السنة جعلوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً، بل جهلوا وسائل الامر والنهي وما يصلح، فكان خطؤهم في الوسيلة والمقصد: يقول شيخ الاسلام في "المجموع" (128/28) - عند الكلام على اغلاط الناس في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: والفريق الثاني: من يريد ان يأمر وينهي اما لسانه واما بيده مطلقاً، من غير فقه وحلم صبر ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح، وما يقدر عليه وما لا يقدر عليه... فيأتي الامر والنهي معتقداً انه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده، كما انتصب كثير من اهل البدع والاهواء، كالخوارج المعتزلة والرافضة، وغيرهم ممن غلط فيما اتاه من الامر والنهي، والجهاد على ذلك، وكان فساده اعظم من صلاحه، ولهذا امر صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الائمة، ونهى من قتالهم ما اقاموا الصلاة، وقال: "أدوا اليهم حقوقهم، وسلوا الله حقوقكم" وقد بسطنا القول في ذلك في غير هذا الموضع. أ. ه . 5- الغلط في الدليل والمدلول: اعتقد الخوارج رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان، ولا من ائمة المسلمين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وسلكوا في سبيل ذلك طريقتين: اما بسبب ما دل عليه القرآن، واما بحمله على ما لم يدل عليه، فكان خطؤهم في ما اعتقدوه من المعاني الباطلة، وفي طريقة استدلالهم لتقرير تلك المعاني: قال شيخ الاسلام -رحمه الله- في "المجموع" (356/13): فالذين اخطأوا في الدليل والمدلول -مثل طوائف من اهل البدع- اعتقدوا مذهباً يخالف الحق الذي عليه الامة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلاله كسلف الامة وائمتها، وعمدوا الى القرآن، فتأولوه على آرائهم: تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه ومن هؤلاء فرق الخوارج، والرافضة، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم. المحور الخامس: لوازم البدعة -مرحلة الشروع-: لا ينحصر ضرر بدعة الخوارج في دائرة الاعتقاد النظري، بل يتعدى الى واقع عملي يعكس لوازم هذه البدعة وتطبيقاتها العملية على واقع الامة، ويمكن اجمال هذه اللوازم المتولدة عن بدعة الخوارج بما يلي: الاول: الخروج على ائمة الهدى وجماعة المسلمين وولاة امورهم بالسيف. وهذا اللازم من اخطر ما يتولد من هذه البدعة الردية، مما يحصل بسببها فساد الدين والدنيا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين |
| ||
حفظ
25
|
|||
تابع أيضا : مواضيع ذات صلة |
التعليقات : 0 تعليق |
إضافة تعليق |
روابط ذات صلة |
الكتاب السابق
| الكتب المتشابهة | الكتاب التالي
|
جديد الكتب |
Ruqyah Shariah |
اذاعات البث المباشر |
جديد الكتب |