وكان ذلك بسبب رؤيا رآها أحد الصحابة،
وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه،
وكان ذلك بعد أن همّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بضرب الناقوس، وهو له كاره بسبب مشابهته للنصارى، حيث رأى ذلك الصحابي وهو نائم رجلاً عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، فقال للرجل: (يا عبد الله أتبيع الناقوس؟)، قال: (وما تصنع به؟)،
فقال الصحابي: (ندعو به إلى الصلاة)، قال: (أفلا أدلّك على خيرٍ من ذلك)، فقال: (بلى)، قال: (تقول الله أكبر الله أكبر، إلى نهاية الأذان)، ثمّ أفاق عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- من نومه، وفي الصباح ذهب إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأخبره بما رأى،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّها لرؤيا حقٍّ إن شاء اللهُ، فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليه ما رأيتَ فليُؤذِّنْ به فإنَّه أندَى صوتاً منك)،
- فقام عبد الله بن زيد مع بلال يلقّنه الأذان، وبلال يؤذّن به، فسمعه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته، فخرج مسرعاً يجرّ ردائه ويقول:
(والذي بعثك بالحقّ لقد رأيت مثل الذي أُرِي)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فلله الحمد).
- وهكذا كان إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- تشريعاً للأذان وكلماته التي رآها عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- في منامه، ولا شكّ أنّ إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- للفعل تشريعٌ له، إذ إنّ العلماء عرّفوا السنة بكلّ ما ورد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، من قولٍ، أو عملٍ، أو تقريرٍ، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الرؤية جزءاً من سبعين جزءٍ من النبوّة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الرؤيا الصالحةُ جزءٌ من سبعينَ جزءاً مِنَ النبوةِ فمن رأى خيراً فليحمَدِ اللهَ عليه وليذكرْه ومَنْ رأى غيرَ ذلكَ فلْيستعذْ باللهِ من شرِّ رؤياه ولا يذكرْها فإنّها لا تضُرُّهُ)،
- وممّا يؤكّد أنّ الرؤية التي رآها الصحابي في منامه رؤية حقّ موافقتها لرؤية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد سبق له موافقة الوحي والتشريع الإلهي من قبل، بالإضافة إلى ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إنَّه كان قد كان فيما مضى قبلَكم من الأممِ مُحدَّثونَ، وإنَّه إن كان في أمَّتي هذه منهم فإنَّه عمرُ بنُ الخطَّابِ)،
- وقد فسّر ابن وهب قول النبي عليه الصلاة والسلام :(مُحدَّثونَ) بالملهمون.