كيف تخاطب الآخرين وتؤثِّر فيهم؟!
11 نصيحة للخطابة المفوهة
محمد بن شعبان أبو قرن
الحمد لله, والصلاة والسلام على خير خلق الله, معلم الناس الخير نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد
فقد أرسل الله نبيه شعيب عليه السلام داعيًا لقومه, مُخرجٌ إياهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان, مدعمًا إياه بحجة وبيان, فكان سلاحه هو الخطابة؛ لذلك سميّ شعيبٌ عليه السلام بخطيب الأنبياء, فالخطابة والحديث مع الآخرين من أهم الأساليب التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله تبارك وتعالى.. ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في ذلك, فهو خير معلم وخير مربي عرفته البشرية جمعاء.
وللمهارة في الحديث والخطابة أساليب وطرق لابد من معرفتها حتى يتم المقصود, فقد يتم دعوتك في أي وقت من الأوقات إلى إلقاء خطبة في أي من الاجتماعات التي تشارك فيها أو المؤتمرات التي تحضرها، سواء كانت هذه الاجتماعات خاصة بأعمالك أو حياتك الاجتماعية أو المهنية أو الدعوية، وقد تكون في أحد الاحتفالات ويطلب منك توجيه كلمة إلى الحاضرين، وفي كثير من اجتماعات الأعمال قد يطلب منك طرح عرض تقديمي عن تطور العمل في أحد المشروعات التي تشارك فيها أو تشرف عليها.
ومن خلال هذه الدقائق القليلة سنحاول – بحول الله وقوته – الحديث عن أهم هذه الأساليب والمهارات التي تجعلك خطيبًا مفوهًا وناجحًا.. من خلال التجارب المشاهدة من الواقع, ومن نصائح ذوي الخبرة في هذا المجال المهم.
يقول " ويدنر " في كتابه كيفية مخاطبة الآخرين: (إن مهارات الاتصال تعد إحدى المهارات الأساسية التي يجب أن تتحلى بها القيادات، فإذا فشل المستمعون في فهم كلمتك، أو إذا انصرف عدد كبير منهم عن الإنصات لك نتيجة الإحساس بالملل مما تقوله، تكون قد افتقدت القدرة على التواصل مع الجمهور).
والإحدى عشر نصيحة التالية –أخي الحبيب- إذا لم تجعل منك خطيبًا مفوهًا، فإنها ستعينك حتمًا على تجنب الكثير من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الكثيرون عند مخاطبة الآخرين, لاحظ أن هذه النصائح تعتمد بشكل رئيسي على محاولة التقليل من العادات التي تعوق قدرة الفرد على مخاطبة الآخرين بطريقة واضحة تؤثِّر فيهم..فإذن,,
عليك بالبساطة
يعتقد الكثيرون أن نمط حديثهم لا بد أن يكون تفصيليًا ومعقدًا، إلا أن الواقع أظهر أن أفضل الخطباء عادة ما يتسم خطابهم بالبساطة، فالهدف الرئيسي من خطابك هو التواصل مع الآخرين، وعليه حاول أن تتجنب ما يمكن أن يشتت أذهان المستمعين عنك، وعند إعداد كلمتك اجعل الأفكار التي تريد توصيلها إلى الآخرين هي محور تفكيرك وقم ببناء كلمتك حول هذه الأفكار.
تحدث بشكل طبيعي
أنت لست ممثلاً، بل متحدث، وعليه كن على طبيعتك ولا تحاول تقمص أي شخصية أخرى، وفي هذا الصدد يقول "ويدنر" إن هناك عدداً كبيراً من الخطباء الذين يحاولون محاكاة وتقليد نمط الكلام ولهجة خطباء آخرين يريدون أن يتشبهوا بهم، تحدث فقط بالطريقة التي تعودت أن تتحدث بها دومًا، فأنت لست مضطرًا لكي تكون خطيبًا مفوهًا أن تبني أنماط الآخرين في الحديث.
الاتصال بالعين
خلال تلقيك دروسًا في القيادة، فإن مدرب القيادة يوجهك إلى ضرورة النظر في المرايا بشكل مستمر، ولذا فأنت طوال عملية القيادة تنظر في المرآة اليمنى فاليسرى، ثم المرآة التي في المنتصف، كذلك الأمر عند إلقاء كلمتك، لا تركز بصرك على مركز القاعة فحسب، بل اعمل على تقليب بصرك في شتى أرجاء القاعة التي تلقي فيها كلمتك محققًا التواصل مع المخاطبين في مختلف أنحاء القاعة، تماما مثلما تقلب عينيك بين شتى المرايا أثناء القيادة.
تحكم في يديك
تعد اليدان إحدى الوسائل الرئيسية للتواصل مع الجمهور المخاطب بعد الوجه، ومن المفضل عند استهلال الخطبة إراحة اليدين على المنصة التي تلقي منها كلمتك، وإذا لم تكن هناك منصة يمكن طي اليدين أمامك أو خلفك، فمن بين الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكثير من المتحدثين الإكثار من تحريك اليدين بسبب وبدون سبب مما يشتت ذهن المستمعين ويحول دون الإنصات بتركيز لما يقوله المتحدث، ومن المؤسف أن الإكثار من تحريك اليدين هو الأمر الذي سيبقى في أذهان المستمعين، بدلًا من الأفكار التي كنت ترغب في توصيلها إليهم.. وقد يكون ذلك نافعًا في بعض الأحيان, لتوصيل الفكرة أو إيضاح الصورة, كما كان يحكى عن أخد الخطباء على المنبر أنه حين أراد الحديث عن فرعون فتلا قول الله تعالى: " إن فرعون علا في الأرض.." الآية, فقام برفع إصبعه عند قوله " علا " ثم قام بخفضها إلى الأرض عند قوله " في الأرض " وكأن علوه في الأرض كان علوًا متدنيًا لم يتجاوز الثرى إلى الثريا, وهو العلو المحمود –أي العلو للثريا-.
كن متحمساً لما تطرحه
لا يهم الموضوع الذي تطرحه في كلمتك بقدر ما تهم قدرتك على إقناع جمهور المستمعين بمدى إيمانك وتحمسك لهذا الموضوع، لا تحاول أن تتصنَّع، ولكن حاول أن تظهر بشكل تلقائي مدى حماسك وانتمائك للشركة أو المهنة، فالجمهور يعشق المتحدثين الذين يظهرون حماسًا شديدًا للموضوع الذي يتحدثون فيه، أظهر هذا الحماس في صوتك ونظراتك ولهجتك في التحدث إلى الجمهور بحيث تنقل هذا الحماس وهذه العاطفة إلى المستمعين أنفسهم.
كن متوازناً
لا تحاول أن تضمن العرض التقديمي الكثير من النقاط التي ستتناولها في كلمتك، فقط ضمنه النقاط الأساسية واترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يمكن للمستمعين قراءته في وقت لاحق، استخدم برنامج الباور بوينت – مثلاً- لعرض شريحة أو اثنتين تتضمنان النقاط الرئيسية، ولكن لا تسرف في ذلك، فيجب أن تظل عيون المستمعين وآذانهم معلقة بك أنت، لا بشاشة العرض، وبين الفينة والأخرى انقل تركيز المستمعين إلى الشاشة ثم إليك مرة أخرى، لا تجعل عرض أي شريحة يستغرق أكثر من خمس ثوان، وإلا تكون قد ضمنت هذه الشريحة أكثر مما ينبغي، وإذا ما كان هناك أمر يتسم بالتعقيد وترغب في توصيله إلى المستمعين يمكنك أن تقدم لهم فكرة عامة عن هذا الأمر وتترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يتم توزيعه على المستمعين.
تول إدارة العلاقات قبل وبعد إلقاء كلمتك
إن الناس عادة ما تنصت بشكل أفضل إلى المتحدثين الذين يعرفونهم من قبل، فهذه المعرفة توفر قدرًا من الثقة في شخص المتكلم وفيما سيطرحه من أفكار، ولذا قد يكون من المستحب أن تقوم بجولة في القاعة التي ستلقي فيها كلمتك قبل بدء الاجتماع محاولا تعريف المستمعين بك, أو إذا كانت محاضرة أو درس علم فيُنبه إليه قبل البدء بأيام حتى يستعد الحضور لقدوم هذا الضيف أو المربي.
استخدم القصص
لا تعتمد في كلمتك على مجرد سرد الحقائق، بل اعمل على أن تضمِّن كلمتك قصصًا وخبرات من الحياة تعلق بأذهان المستمعين عند العودة إلى منازلهم، خذ الوقت الكافي الذي يمكنك من رسم صورة في أذهان المستمعين لما تطرحه من أفكار, وهذه من أنجح وأنفع الطرق والأساليب لإيصال المعنى للمستمعين من خلال ربطهم بقصة أو حدث من الواقع, والمُجرب والمُربي يعرف ذلك تمامًا, ويعلم جيدًا مدى تأثيره على من يقوم بدعوتهم.
اعرف جيداً ما تريد أن تطرحه
لا يوجد أفضل من أن يكون الفرد مستعدًا بكافة المواد والمعلومات التي يحتاج إليها عند إلقاء كلمته، فإن مثل ذلك الأمر يجنبه ما قد يتعرض له من مواقف محرجة إذا ما اعتلى منصة الخطابة دون أن يكون مهيأ لشتى الاحتمالات، تفاعل مع المستمعين.. تعمد من وقت لآخر أثناء إلقاء كلمتك أن تطلب رأي المستمعين فيما تقول, وأن تمنحهم فرصة طرح أسئلة، فإن مثل ذلك الأمر يكسر الرتابة ويمنحك استراحة، كما يوفر في ذات الوقت أيضًا فرصة للمستمعين للتواصل معك, ومع بعضهم البعض.
تجنب الإحباط
أنت لا تعرف السبب الحقيقي الذي يجعل أحد الحاضرين لا ينصت لما تقول أو لماذا يغادر آخر القاعة، وهناك العديد من الأسباب التي تحول بين هذا وبين الإنصات بشكل جيد لما تقول؛ كما قد تكون هناك أسباب أخرى لا تتصل بك من قريب أو بعيد هي التي دعت البعض إلى مغادرة القاعة، افترض أنها أسباب أخرى هي التي دعت إلى ذلك واستمر في إلقاء كلمتك.
لا تتجاوز الوقت المحدد لك
وهذه أيضاً من الأمور المهمة جدًا, والتي ينبغي على المتحدث أو المحاضر أو الخطيب مراعاتها والانتباه إليها, فالتحدث لفترات طويلة وتجاوز الوقت المحدد لكلمتك هي أسرع طريقة تفقد بها المستمعين القدرة على التواصل معك, والتركيز فيما تقول، ونصيحتي من خلال التجربة هي محاولة أن تنهي كلمتك في الوقت المحدد لها، بل من الأفضل أن تتمكن من الانتهاء منها قبل الموعد المحدد، فذلك سوف ينال إعجاب المستمعين.
فمن خلال هذه النصائح – أخي الحبيب – إذا التزمت بها أو ببعضها فستجعلك حتمًا خطيبًا ناجحًا, ومربيًا حاذقًا, وداعية فعّال وناجح تستطيع أن تجذب أنظار الناس إليك بمنتهى السهولة واليسر, كما يؤهلك للسير في طريق دعوتك وعملك بنجاح وتقدم.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح لأمة الإسلام, وجعلنا الله وإياكم من العالمِين العاملين لهذا الدين العظيم, ومن المتبعين لهديّ سيد المرسلين - وخير معلم للبشر أجمعين- بفهم سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم وعلى من سار على دربهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,
---------------------------
* استفدنا في بحثنا هذا من توجيهات إخواننا الأفاضل في بداية طريق الدعوة إلى الله, من خلال الندوات والمحاضرات حول كيفية مخاطبة الآخرين والجماهير من خلال منابر الخطابة وحلقات ودروس العلم.. مع التصرف البسيط والإضافات من التجارب والخبرات المكتسبة من الآخرين.