تفجيرا دمشق: الفاعل يدل على نفسه!
فادي شامية
أكثر من تسعة أشهر من القتل والاعتقال والتعذيب حتى الموت، عجَزَ خلالها النظام السوري أن يقدم دليلاً واحداً ذا مصداقية حول مقاتلته جماعات إرهابية، ورغم كل فظاعاته التي ارتكبها النظام؛ لم تظهر "القاعدة" لتفجر وتقتل... ولكن فجأة في يوم وصول المراقبين الدوليين ظهرت "القاعدة" –ويا للصدفة- لتؤكد كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم من أن حصول أعمال إرهابية سيؤكد للجنة طروحات النظام!.
ليس هذا فحسب؛ ففي يوم الانفجار -أي الجمعة-، كان الثوار يخططون جدياً للتوجه إلى ساحة الأمويين، على اعتبار أن آلة القتل قد تكون أقل وطأة بوجود مراقبين هناك، فإذا بالحدث ينتقل إلى مكان آخر- متزامناً مع إعلام رسمي سوري وإعلام موال لبناني وتشويش متعمد على القنوات المناصرة للثورة- من أجل قلب المواقع، بحيث يصير النظام ضحية والثوار إرهابيين!.
قد يدعو هذا الشق الأول من المشهد إلى العجب، لأن مؤداه أن النظام السوري قتَلَ الأبرياء ليسجل نقطة لصالحه، لكن هذا العجب لا ينطبق على النظام السوري، لأنه ببساطة لم يفعل خلال الأشهر التسعة الماضية غير قتل شعبه، حتى بلغ عدد الشهداء الأبرياء أكثر من 6000 سوري شجاع، فما هي الشناعة الإضافية التي يكون نظام بشار الأسد قد ارتكبها لو قتل بعض الأبرياء الإضافيين؟!، سيما أن تقارير تحدثت عن الإتيان بجثث شهداء من مناطق أخرى، ووضعها في المكان (أحد شهداء تفجير كفرسوسة سبق أن نعاه أهله في بابا عمرو قبل أسبوع!).
وغير بعيد من هذا المشهد ثمة ملاحظات تدعو إلى الريبة:
1- سرعة حضور الإعلام السوري، وسرعة الإعلان عن تورط "القاعدة" (خلال نصف ساعة مع أن النظام السوري لم يكشف حتى الآن تفاصيل عمليات أكثر وضوحاً مثل عملية اغتيال القائد في "حزب الله" عماد مغنية في المنطقة نفسها تقريباً، وقد مضى عليها سنوات)!.
2- سلامة مبنى المخابرات في كفرسوسة من العملية، واقتصار الأضرار على المدخل، والأغرب احتراق الطابق العلوي من المبنى وسلامة الطوابق الأدنى، مع أن الانفجار وقع بسيارة مفخخة! (شاهد الصورة).
3- حصل الانفجار بعد يومين من تسليف وزير الدفاع اللبناني الذي ينتمي إلى تيار المردة (وثيق الصلة بالنظام السوري) دعاية مستندة إلى موقعه الحكومي تقول إن "القاعدة" تعمل وتتنتقل بين لبنان وسوريا، انطلاقاً من بلدة عرسال البقاعية، وهي دعاية عاد النظام السوري ليستند إليها، باعتبارها صادرة عن "طرف ثالث"! (لم يقدم الوزير أدلته، وفي وقت لاحق نفى وزير الداخلية اللبناني صحة كلام زميله)!.
4- مع أن النظام أسرع لإزالة آثار التفجير (كما أمر أيام وجوده في لبنان بالانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري)، إلا أن المعاينة الأولى لأحد مراقبي الجامعة – والتي سربها للإعلام- أكدت (24/12/2011) أن "تكدس أشلاء القتلى في مكان ذي مساحة محدودة، وفي محيط دائري لبؤرة الانفجار، يدل على أن الجثث كانت قد وضعت مسبقاً قبل التفجير، وبعضها قد تم وضعه على عجالة بعدها، وأن الدماء القانية اللون تفيد بما لا يدع مجالاً للشك أنها لم تتعرض لضغط أو حرارة أي تفجير؟"!.
على أي حال؛ فإن ما درجت عليه "القاعدة" أنها تتبنى عملياتها، لكن نظام الأسد منذ مدة طويلة جداً، صارت لديه "قاعدته" الخاصة؛ صدّرها إلى العراق وإلى لبنان، ومفتي النظام نفسه أحمد حسون هدد العالم بها منذ عدة أشهر. وفي محضر رسمي كتبه القائم بالأعمال الأمريكي بدمشق تشارلز هانتر في 24/2/2010 عن اجتماعه مع مدير إدارة المخابرات العامة السورية اللواء علي مملوك، ونشره موقع ويكيليكس مؤخراً؛ يقول المملوك حرفياً: "إن سورية كانت أكثر نجاحاً في محاربة الإرهاب في المنطقة من الولايات المتحدة، لأننا كنا عمليين وليس نظريين. النجاح السوري تمثل في الاندساس داخل المجموعات الإرهابية، وحصول سورية على ثروة من المعلومات أثناء توغلها في الجماعات الإرهابية". وتابع مملوك: "من حيث المبدأ؛ نحن لا نهاجمهم أو نقتلهم، بل نتمدد داخل هذه المنظمات عن طريق اندساس عناصرنا فيها، وفقط في اللحظة المناسبة نتحرك، وأنه نتيجة لهذا المبدأ تم اعتقال العشرات من الإرهابيين"!. وفي وثيقة أخرى صادرة عن السفارة الأمريكية في دمشق، تحمل الرقم 15810، نشرها موقع ويكيليكس، كشفت ناشطة سوريّة في مجال حقوق الإنسان أنّ "أعمال الشغب التي حصلت في سجن صيدنايا بين تموز وكانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009 كانت من تنظيم جماعات إسلامية متشددة، ممن تم إرسالهم إلى العراق في العام 2003 للقتال هناك"!.
لنعُد الآن إلى روايات النظام وأعوانه؛ الموقف الرسمي السوري يتهم "القاعدة"، والتنظيم نفسه لا يتبنى!. الحليف والمدافع الأول عن النظام السوري (حزب الله) يتهم في بيان رسمي: الولايات المتحدة الأمريكية، مكذباً بذلك تحقيقات حليفه! (أو أنه يقول إن عجيبة تحققت بتحالف أيمن الظواهري مع من قتل أسامة بن لادن لإسقاط نظام الأسد!). ثم فجأة تتبنى جماعة "الأخوان المسلمين" في سوريا العملية، فيسرع الإعلام الرسمي للنظام السوري – والقنوات اللبنانية الحليفة- إلى نشر الخبر، ناسية أنها اتهمت رسمياً "القاعدة"!. لا يمضي وقت طويل حتى يظهر – بالدليل الإلكتروني- أن "الجيش الإلكتروني السوري" –كما يسمى وهو تابع لمجموعات "المنحبكجية" التي يحركها النظام- أنه هو من "فبرك" موقعاً رديفاً لموقع "الأخوان" يتبنى العملية، ولما انكشفت الكذبة تم تدمير الموقع!... وفي علم الجريمة أن تغيير المجرم لأقواله باستمرار دليل على كذبه والارتياب به.