لبنان: يجب معالجة السلاح غير الشرعي قبل أن تطالب كل الطوائف بانتخاب نوابها

لبنان: يجب معالجة السلاح غير الشرعي قبل أن تطالب كل الطوائف بانتخاب نوابها وصولاً لتحقيق أمنها الذاتي


المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...

صحيح أن المجلس النيابي في لبنان يضم عدداً متساوياً من النواب المسيحيين والمسلمين بناءً على ما نص عليه اتفاق الطائف، ولكن واقع الأمر هو أن عدد من النواب ومن معظم الطوائف باستثناء تلك المسلحة لا تنتخب نوابها، والسبب أن متغيرات كثيرة قد وقعت على الساحة اللبنانية منذ اشتعال الحرب الأهلية عام 1975، وحتى تاريخه، أدت لوقوع خلل بالغ الأهمية في توزيع السكان وانتمائهم ومذاهبهم وطوائفهم. الواقع السياسي والأمني والاجتماعي هذا كان نتيجة الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي لأجزاء واسعة من لبنان عام 1982، وحتى شهر أيار/مايو من العام 2000، والتدخل السوري العسكري والوصاية السياسية التي استمرت طوال ثلاثة عقود.. هذه الوصاية التي قامت واستمرت وترعرعت على مبدأ (فرق تسد) من تهميش لبعض القيادات المسيحية وغير المسيحية وإلغاء دورها في الحياة السياسية، إلى صناعة رموز سياسية ضعيفة وتابعة أو شكلية الحضور السياسي والشعبي وحتى الفاعلية على الساحة اللبنانية.. في حين تمت تقوية وتعزيز فريق لبناني واحد وهو حركة أمل بقيادة نبيه بري منذ العام 1979، وحتى تاريخه، إلى جانب تنمية حزب الله بحضوره المسلح ودوره المباشر في تحفيز وتفعيل المشاعر الدينية لدى جمهوره على حساب الشعور الوطني، وهو الذي ربط حركته ونشاطاته وسياساته بالمحور الإيراني الذي يمر عبر دمشق.. فهيمن بري على رئاسة وحركة ودور المجلس النيابي ولا يزال منذ عقدين من الزمن إلى جانب دوره المفصلي في تظهير الإرادة السورية في اختيار رؤساء الوزراء وانتخاب رؤساء الجمهورية إضافةً إلى تسمية المرشحين للمجالس النيابية السابقة وحتى الحالي منها، مدعوماً بالرعاية السياسية السورية، وميليشياته الحاضرة دائماً لحماية مكتسباته.. في حين فرض حزب الله حضوره الأمني عبر لجان أمنية وتسهيلات لوجستيه تحت شعار وعنوان حماية ورعاية المقاومة ورفع شعار مثلث (الجيش والمقاومة والشعب).
هذه القراءة السريعة للواقع اللبناني تشكل المدخل الحقيقي لفهم أسباب تراجع الروح الوطنية لدى المواطن اللبناني وتطور نزعة الانكفاء لديه إلى داخل الطائفة ضمن الوطن لأنها كما بات يرى تشكل حصانته الحقيقية والفعلية من الاعتداء والاستهداف وصولاً إلى تحصيل الخدمات وحق التوظيف والرعاية الاجتماعية، لذا تقدم الانتماء للطائفة على الانتماء للوطن. واحترام الكيان ودوره لدى المواطن يكون بمقدار ما يكون حضور الطائفة ورموزها وقياداتها في دائرة الاحترام من قبل أجهزة الدولة ومكونات الوطن الأخرى وبعيدة عن الاستهداف، من هنا نرى أن المطالبة من قبل البعض بحق الطائفة في انتخاب ممثليها له ما يبرره للأسباب التالية:
- المجتمع اللبناني مكون من 18 طائفة متنوعة بين مسلمة ومسيحية، وبرز مؤخراً وبناءً على ما قدمناه مواقف تعلن انتماء قوى سياسية ومواطنين لبنانيين من طائفة معينة بولاية المرجع الفقيه في إيران وهذا يتم ذكره في كافة الخطابات والمقابلات والمناسبات وعلى أعلى المنابر..مما دفع بكل طائفة للبحث عن جذورها وهويتها في لبنان وخارجه وعن مرجعية محلية أو إقليمية أو دولية تشكو لها الظلم أو تطلب منها المساعدة..
- لم يعرف عن المرجعية الإيرانية أنها قدمت دعماً للدولة اللبنانية بل ساهمت في دعم حزب الله مالياً وسياسياً واجتماعياً ليشكل مجتمعاً يشعر بالاكتفاء الذاتي في مؤسساته وأمنه الذي يكفله حزب الله بمسلحيه وحضوره السياسي الذي يلعبه نبيه بري وعلى أعلى المستويات من تعطيل أو فتح أو تأجيل لعمل المجلس النيابي ..
- تم ربط الوضع السياسي في الداخل اللبناني وعلى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بالمحور الإيراني – السوري بما يتجاوز منطق الشراكة في الحكم بين مكونات المجتمع اللبناني وفي تقرير السياسات الداخلية والخارجية.. وهذا ما يقوم بالتلميح إليه بعض إعلاميي وسياسيي حزب الله وحركة أمل على المنابر الإعلامية في معرض الدفاع عن نظام سوريا وإيران..ومؤخراً هدد (وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي بمهاجمة إسرائيل بـ 150 ألف صاروخ إذا أقدمت على مهاجمة بلاده دون الإشارة إلى أماكن إطلاق الصواريخ). (كما قال المسؤول التنظيمي لحركة "أمل" في الجنوب النائب هاني قبيسي إن "المقاومة أصبحت قوية أكثر من اللازم وبات سلاحها اكبر من حاجة لبنان ليدافع عن نفسه.. وأكد "الوقوف مع كل دول الجوار التي دعمت لبنان وخصوصا سوريا)..
- تجاهل القوى الأمنية بناءً على رغبة القيادة السياسية أو بضغطٍ منها وجود بؤر أمنية ومربعات مسلحة تتمتع بالسلطة الأمنية الذاتية..وما جرى في منطقة الشويفات من تداعيات ومعالجات على أثر مقتل شاب من بلدة كفركلا الجنوبية يؤكد وقوف الفريق الحاكم مع جمهوره ظالما كان أم مظلوماً..
- عدم معالجة السلطة السياسية الحاكمة والقوى الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني موضوع الخروقات السورية للحدود واستشهاد احد المواطنين في بلدة عرسال نتيجة إصابته بعيارات نارية من مسلحي كتائب الأسد يؤكد عدم ممارسة هذه السلطة دورها في حماية المواطنين اللبنانيين من أي اعتداء سواء كان صديق أو عدو..
- غياب المعالجة الجدية والمحاسبة الفعلية لوجود مسلحين في المناطق السكنية الآمنة رغم معرفة القوى الأمنية بوجودها وحجمها ودورها..وتعرض أبناء هذه المدن والقرى لرصاصات غادرة وقذائف طائشة وممارسات شاذة بين الحين والآخر، ناهيك عن تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة في مشهدٍ غير مألوف وخطير.
- انفلات الحملات الإعلامية بطريقة تستهدف رموز وقادة وشخصيات وأفكار قوى وشخصيات ذات احترام وحضور في بيئتها وبين جمهورها ومواطنيها..وهبوط مستوى التعاطي السياسي إلى حد استعمال عبارات نابية.
- سياسة الترهيب المستمرة التي اتبعها إعلام فريق الممانعة من الوجود الفلسطيني والتحريض على أن هناك مشروع توطين برعاية طائفة بعينها، وان الأكثرية الشعبية التي يمتد حضورها على امتداد العالم العربي والإسلامي تشكل في حال وصولها للسلطة خطر يتهدد وجود الأقليات وحرياتها وهذا ما دفع البطريرك الراعي للانزلاق إلى هذا السجال وإصدار مواقف شكلت صدمة لأبناء الكنيسة قبل جمهور الشعب السوري واللبناني.
- إن سياسة التسريب الإعلامي عبر مصادر وثيقة الاطلاع ومراجع أمنية واسعة الإطلاع في صحف ووسائل إعلامية ذات انتماء معين بهدف إعطاء ما ينشر مصداقية ومرجعية رسمية عن انتشار مجموعات أصولية وعن خطر يتهدد لبنان واللبنانيين وعن أن سيناريوهات تعد للمنطقة تستهدف الأقليات والمسيحية بالتحديد ساهم في تأجيج القلق لدى هذه الأقليات..وجعلها تفكر في جملة خيارات بديلة لحماية وجودها وتفعيل دورها، بينما كان من يطلق الشائعات يهدف لجعلها أسيرة سياساتهوراغبة في طلب حمايته..؟؟؟
- إن التقسيمات الانتخابية التي ساهم عهد الوصاية السورية في لبنان في فرضها على اللبنانيين جعلت من فريق بري- حزب الله، وأتباع سوريا في لبنان اللاعب الأساس في تأمين وصول من يشاء ويرغب إلى المجلس النيابي بغض النظر عن حجمه الفعلي والحقيقي لدى جمهوره. وحتى في الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2009، تم تفصيل منطقتين انتخابيتين على قياس بري- حزب الله، في محافظتي الجنوب وبعلبك الهرمل، بحيث تحكم هذا الفريق في انتخاب وبأصوات شيعية ثلاثة نواب من الطائفة السنية وثلاثة مسيحيين وأخر درزي.. إضافةً إلى ما جرى في قضاء جبيل وكذلك كسروان..وهذا الوضع لا بد من تغييره..
لذلك لم تأت مطالبة القوى المسيحية سواء كانت أرثوذكسية أو مارونية بضرورة انتخاب كل طائفة نوابها على امتداد الكيان اللبناني من العدم أو المجهول بل كان لها أسبابها، وأظن انه لو تم سؤال معظم اللبنانيين غير المرتبطين بمحور سوريا – إيران لطالبوا بالشيء نفسه، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، إذ لا يعقل أن تجري انتخابات حرة ونزيهة في لبنان، طالما أن هناك فريق مسلح ينتشر على امتداد الوطن ويستخدم الدين والفتاوى الشرعية في انتخاباته ويعتبر أن مشروعه في لبنان هو امتداد بل في خدمة مشروع السلطة الحاكمة في إيران..لذلك وحتى لا تكون المطالبة بان تنتخب كل طائفة نوابها في المجلس النيابي كمقدمة لتطبيق فيدرالية الطوائف وصولاً لطلب الحكم الذاتي والأمن الذاتي في لبنان، يجب سحب السلاح من القوى غير الشرعية في لبنان، قبل رفض واستنكار مواقف القوى المارونية والأرثوذكسية، لأن باقي الطوائف ستلتحق عاجلاً أم أجلا بهذا الموقف إن لم تعالج الأمور بجدية وسرعة..
 

: 2011-12-20
طباعة