« وليد جنبلاط وحلفاء الأمس »






لم يسلموا من هجماته رغم تفهمهم "خصوصياته":



وليد جنبلاط وحلفاء الأمس



فادي شامية- اللواء- 2-3-2011



ليس من السهل على أحد؛ التنكر للدور المحوري الذي لعبه وليد جنبلاط في حركة 14 آذار. الرجل كان في طليعة هذه الحركة حتى قبل أن تولد. يقول جنبلاط: "في صيف 2004 ذهبت إلى الديمان وصافحت البطريرك صفير، بعدما شاع عني التقلب والتغيير من بعض السذج والبسطاء، فقلت له لن أجدد للحود... وفي اليوم الثاني سرعان ما استيقظوا على الصدمة بعدما استدعى بشار الأسد، الرئيس رفيق الحريري، وقال له في تلك الجلسة الشهيرة: جدد للحود إنه أنا.. وإلا. وبدأت المسيرة معكم أيها الرفاق، وبدأ التحدي، ومشينا معاً في مسيرة الأفراح ومسيرة الآلام".



أولى الخيبات التي واجهت جنبلاط في بدايات "ثورة الأرز"؛ تحفظ حلفائه المسيحيين على إسقاط الرئيس إميل لحود في الشارع. نبّههم جنبلاط إلى أن نصف الانتصار يعني نصف الهزيمة، وبأن الثورة إما أن تكتمل وإما أن تموت، لكنه لم يستطع تجاوز التوازنات الطائفية. (أفرغ جنبلاط ممشطين ابتهاجاً بنجاح الثورة المصرية بالإطاحة بالرئيس مبارك، وكأنه كان يعوّض نفسياً عن شيء تمنى أن يفعله هو فلم ينجح). 



ولأن تاريخ جنبلاط يؤكد أنه عندما يسير في طريق لا بد أن يصل فيه إلى نهاياته، فقد تحمس لاستكشاف رأي الأمريكيين في نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فكانت خيبته الكبيرة الثانية، أنهم ليسوا مع تغيير النظام وإنما مع تغيير سلوكه فقط!. 



ثم جاءت ثالث الخيبات الكبرى، عندما وجد جنبلاط نفسه في السابع من أيار 2008 يواجه -شبه وحيد- الآلة العسكرية الضخمة لـ "حزب الله"، حيث حمّله أمينه العام السيد حسن نصر الله مسؤولية "التصعيد"، واصفاً حكومة الرئيس السنيورة في حينه بأنها "حكومة جنبلاط"، بعد أن سبق للحزب المذكور أن وصف جنبلاط بالقول: "لو تجسد الغدر لكان بشخص جنبلاط".



منذ ذلك التاريخ بدأ جنبلاط بالتراجع، مبرراً ما فعله وما سيفعله بـ"الخصوصية الدرزية"، و"حماية العشيرة"، و"وحدة الجبل"... وفي 2/8/2009 أعلن جنبلاط: "إننا إذ تحالفنا في مرحلة معينة تحت شعار 14 آذار مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات، وبحكم الضرورة الموضوعية، التي حكمت البلاد آنذاك، لكن هذا لا يمكن أن يستمر".



أثارت هذه المواقف استياء تيار "المستقبل"، فاضطر جنبلاط للتوضيح قائلاً: "لن أتخلى عن وفائي لرفيق الحريري ولصداقتي مع سعد الحريري... ولم أعطل (الحكومة) وسأبقى أحترم إرادة الناخبين... وإن كل ما أفعله وسأفعله كان وسيبقى لمعالجة رواسب السابع من أيار".  



تفهم الرئيس سعد الحريري وضع جنبلاط، وتفهمت باقي مكونات 14 آذار ذلك، وأعلنوا احترامهم لـ "الخصوصية الدرزية"، و"قمعوا" في أوساطهم التعبير عن الاستياء، بالرغم من أن جنبلاط هاجم غير مرة حلفائه السابقين، لا سيما المسيحيون منهم، دون أن يرد أي منهما عليه بكلام يسيء إليه.



لكن جنبلاط الذي غادر 14 آذار نحو موقع وسطي، لم يستطع الصمود طويلاً، فاعتذر من سوريا، واصفاً مواقفه السابقة تجاهها بأنها "لحظة تخلٍ" (قناة الجزيرة- 13/3/2010)، وأتبع ذلك بموقف تاريخي في 16/3/2010: "نسامح وننسى" (حول اغتيال والده كمال جنبلاط بعدما كان شعاره السابق: "نسامح ولا ننسى")، غير أن الأهم أن جنبلاط نكث بوعده باحترام إرادة الناخبين، عندما أعلن في 21/1/2011، وقوفه "إلى جانب سوريا والمقاومة" في الاستشارات النيابية، مسدداً ضربة كبيرة لـ 14 آذار، بعد أن قلب الأغلبية النيابية إلى أقلية والأقلية إلى أغلبية.



لم يكن هذا الموقف بسيطاً أيضاً، ولو فعله جنبلاط مع حلفائه الجدد لكان اليوم في أدبياتهم صنوَ نتنياهو وأضرابه (بسبب انتقاداته السابقة لفريق 8 آذار رفعوا له صورة بوصفه حاخاماً صهيونياً!)، ومع ذلك لم يتعرّض أحد إلى وليد جنبلاط، ولما رفع أحد المواطنين في ساحة الشهداء قائمة بأسماء النواب الذين "خانوا إرادة الناخبين" استنكر منسق الأمانة العامة لـ 14 آذار فارس سعيد أن يكون جنبلاط من بينهم، بالنظر إلى إسهاماته الكبيرة لهذه الحركة بالذات.



ثم جاء خطاب الرئيس الحريري في البيال عن "الغدر والخيانة والنكث بالعهود"، فاعتبر جنبلاط أنه مقصود بكلام زعيم تيار "المستقبل"، فأتاه توضيح بعد آخر بأنه غير مقصود وبأن "جنبلاط لم ولن يُتهم يوماً بالغدر من منزل رفيق الحريري" (صحيفة الشرق الأوسط 26/2/2011).



هذا بالرغم من أن جنبلاط، سبق له أن أساء مرتين على التوالي إلى رئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة؛ المرة الأولى في 6/12/2010 عندما اتهم جنبلاط الرئيس السنيورة برمي قنبلة أمام حديقة منزله "ليتظاهر بالبطولة"، والمرة الثانية في 31/1/2011 عندما حاول دق إسفين بين السنيورة والحريري بالقول: إن "السنيورة يتمنى فشل الحريري ليعود إلى رئاسة الحكومة"!. (كان جنبلاط من أشد المعجبين بالسنيورة وصموده، وقد وصفه 14/5/2007 "بأنه يمثل خط الاعتدال، والتمسك بالثوابت الوطنية، والسيادة والحرية والاستقلال، وهو يستحق كل الدعم السياسي والمعنوي في مواجهة الحملات المغرضة")!. وذلك فضلاً عن غمزه من قناة الرئيس سعد الحريري غداة إسقاط الحكومة، بكلامه عن ضرورة تعلمه "الجغرافيا السياسية".



ليس على جنبلاط أن يقلق من حلفائه السابقين، فهم لم يخطئوا معه، رغم كان ما يقاسونه اليوم من تقلباته... ولكن على جنبلاط أن يقلق من حلفائه الجدد، الذين يجبرونه مرة بعد مرة على الالتصاق بهم، والسير معهم في مغامراتهم الخطيرة، ليس تحت طائلة مهاجمته بالسياسة والخطابات، وإنما تحت طائلة مهاجمته بالتخوين والنيران!. 



» تاريخ النشر: 2011-03-02
» تاريخ الحفظ: 2024-03-28
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.