إحباط جنبلاط

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
إحباط جنبلاط

   الكاتب :

 

 الزوار : 2857   الإضافة : 2011-03-01

 

يعاني النائب وليد جنبلاط صراعاً ذاتياً؛ فلتات لسانه تأخذه إلى حيث كان قبل 2 آب 2009، لكن عقله يقول له إن هذا الموقع خطر عليه وعلى الدروز. تموضعه الجديد ليس مريحاً أيضاً، رغم أنه دفع ثمن الانتقال الباهظ، لكن "حكمته" تقول: "من يسير في طريق عليه أن يسير فيه إلى النهاية". بين "جنبلاط- 14 آذار" و"جنبلاط- 8 آذار" يسيطر الإحباط على كل مواقف الرجل.

إحباط جنبلاط

فادي شامية

يعاني النائب وليد جنبلاط صراعاً ذاتياً؛ فلتات لسانه تأخذه إلى حيث كان قبل 2 آب 2009، لكن عقله يقول له إن هذا الموقع خطر عليه وعلى الدروز. تموضعه الجديد ليس مريحاً أيضاً، رغم أنه دفع ثمن الانتقال الباهظ، لكن "حكمته" تقول: "من يسير في طريق عليه أن يسير فيه إلى النهاية". بين "جنبلاط- 14 آذار" و"جنبلاط- 8 آذار" يسيطر الإحباط على كل مواقف الرجل. هذه هي الخلاصة التي يخرج بها من يتابع حركته، ولا سيما المقابلة الأخيرة له على شاشة LBC.

هزيمة نفسية!

في مقابلته تلك، بدا جنبلاط كمن يواسي نفسه بعد عودته من الحرب منهزماً، وكعادته في الصراحة؛ اختصر الرجل وضعه بكلمات قليلة: "ليس لدي الخلفية الكافية لأطلب من الشباب اللبناني أن يثور، لأنه في محطاتي السياسية كان لدي تقلبات كثيرة، ولذلك لن أكتب مذكراتي، في أي مرحلة من المراحل، وليكْتبها أحدٌ عني، فهناك صفحات في حياتي السياسية أتمنى محوها، ولكني لا أستطيع أن أمحُها.... يا ريتني أستطيع أن أُنسي الناس بعض صفحات تاريخي المؤلمة والمعيبة". (دون أن يوضح أي المحطات يعتبرها معيبة: قبل 14 شباط 2005، أم بعد 2 آب 2009، أم ما بينهما).

يسأله محاوره (مارسيل غانم): هل تشعر بأزمة ضمير؟ فيجيب -في السياسة-: "أنا مقتنع بأن الذي ابتدأت به في 2 آب 2009... كان لتخفيف الاحتقان في الشارع، ومنع الفتنة، ولكي تكون العلاقات في لبنان والجبل طبيعية"، ثم يضيف رداً على سؤال آخر: "في 11 أيار(2008) اتصلت بالمير طلال أرسلان وقلت له بأنني أريد أن أفاوضك. آنذاك كان أحدهم في بيتي وقال لن أعيش لأرى ابن كمال جنبلاط جباناً. نعم تجابنت من أجل الوحدة الوطنية والعيش المشترك في الجبل، وافتخر أن أكون جباناً آنذاك، لا مانع لدي إن كان الجبن سيوصل إلى الاستقرار"!.

وعندما يسأله محاوره عن صديقه مروان حمادة يجيب متهكماً: "لست بمستوى أن أصل لمروان حمادة... لا أستطيع أن أتكلم عن الشهيد الحي"، كأنه يتحسر على نفسه، إذ أجبره السلاح –الذي كان مخيماً على مواقفه وعباراته كلها- على التراجع، بعدما كان ملهماً للشهداء، الأحياء منهم والأموات. ثم يوضح أكثر فيقول: "لم أقم بتلك الخطوة السياسية (التخلي عن 14 آذار) من أجل مقاعد انتخابية... ولو أردت ذلك لبقيت مكاني. السلم الأهلي كان وسيبقى الأولوية" (كان جنبلاط يقود 71 نائباً، فيما هو اليوم لا يرأس إلا نصف كتلة لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع اليد، مع احتمال أن يتدهور الوضع أكثر في أي انتخابات قادمة).

إحباط جنبلاط يدفع للأسى، بالقدر الذي يدفع للبحث عن أسباب تخفيفية، لأي موقف اتخذه أو سيتخذه جنبلاط في تموضعه الجديد. يكفي زعيم المختارة أنه يعترف!، وأنه يفعل ما يعتقد أنه الصواب "حفاظاً على الوطن، وحفاظاً على عروبة الجبل، وحفاظاً على العشيرة" ( تصريحات له خلال جولة في الجبل في 14/10/2010)، ولكن على جنبلاط بالمقابل أن يتفهم أسباب الآخرين، إذا غضبوا منه أو عتبوا عليه، على خلفية الأضرار التي يسببّها لهم، نتيجة خياراته وتقلباته.

المعاناة مع حلفائه الجدد

التدقيق في كلام جنبلاط لا يكشف إحباطه وحسب، وإنما معاناته مع حلفائه الجدد أيضاً، ورغم حرصه على تجنب استفزازهم بمواقف كبيرة، وامتناعه الصريح عن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بسوريا وإيران؛ لم يخل الحوار معه من تنبيهات ضمنية من مخاطر جموح حلفائه الجدد. هو نبه ميشال عون من خطورة استفزاز رئيس الجمهورية واستهداف موقعه بالقول: "قلت له (أي لعون) من حقك وزارة سيادية، ولكن بنفس الوقت هناك رئيس جمهورية له دور وموقع، ونحن بحاجة لإمضائه... ولم أر أين أخل سليمان بالتوازن الدقيق والعلاقات الموضوعية بين لبنان سوريا". أضاف: "الرئيس سليمان لم يأت من خلال عمر سليمان" (في رد ضمني على النائب نبيل نقولا والوزير السابق وئام وهاب اللذين قالا إن من أتى مع عمر سليمان يرحل برحيله)، وفيما يتعلق بالحريري نبه جنبلاط إلى أنه "لا يمكن القول لسعد الحريري: One Way Ticket لأنه هناك توازنات في البلد" (في رد على قول عون للحريري إن ذهابه من الحكومة بلا رجعة).

وفي محاولة للحد من عدائيته لـ "شعبة" المعلومات؛ اضطر جنبلاط لتذكير عون باقتراح قديم له حول تشكيل لجنة من مجلس النواب للإشراف على الأجهزة الأمنية. جنبلاط ذكّر أيضاً حليفه الآخر؛ "حزب الله"، بأن سلاحه هو للدفاع عن لبنان (رداً على سؤال يتعلق بكلام السيد حسن نصر الله عن تحرير الجليل).

أما إقليمياً؛ فقد حاول جنبلاط التخفيف من حجم التهليل والتحليل الذي أوغل فيه حلفاءه الجدد؛ سواء في شقهم الشيعي أو المسيحي، منبهاً إلى أن "المشروع الأميركي لم ينهَر، وكل المظاهرات التي خرجت في مصر لم يتوجه أي منها نحو السفارة الأميركية والإسرائيلية، لأن الهم الأساس كان العيش الكريم والحرية وإسقاط مبارك. والأمر نفسه في تونس، وحتى الآن لم يظهر أي بعد قومي أو عروبي، والأميركي سيركب لاحقاً"!.

اكتفى جنبلاط بهذا القدر من "التنبيهات" قبل أن يغرق في محاولة شرحه مضمون الورقة التي أبرزها في مؤتمره الصحفي الشهير (21/1/2011)، عندما أعلن وقوفه "إلى جانب سوريا والمقاومة" في الاستشارات النيابية، مدعياً وقتها بأن الورقة "مصدَّقة من قبل الرئيس بشار والسيد حسن (نصر الله) والشيخ سعد الحريري"، ليعود ويقول لمحاوره: "ليس عليها أي توقيع بل كان هناك 3 أو 4 تواريخ"!. ثم ليشير في جواب آخر إلى "أننا مختلفون مع تيار المستقبل حول مضمون السين سين"!!.

جملة واحدة تنسف بروباغندا كاملة!

كل ما سبق في كفة، وما قاله جنبلاط عن علاقته بالمملكة العربية السعودية في كفة أخرى. قال جنبلاط: "الملك السعودي أبلغني عبر مقرن بن عبد العزيز أن العلاقة معي انقطعت" (رداً من المملكة على تخلي جنبلاط عن تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة).

كانت هذه العبارة كفيلة بنسف "بروباغندا" كاملة، نظّمها فريق الثامن من آذار على مدى شهر كامل لإيجاد قناعة لدى جمهورهم وجمهور خصومهم بأن المملكة العربية السعودية "تخلت عن سعد الحريري"، وأن "إسقاط حكومة الحريري جاء بقرار سوري ولكن بموافقة سعودية"، وأن "الملك غاضب من سعد الحريري، الذي لم يحترم كلمته خلافاً لما كان يفعل والده"... هذه الأقوال قيلت حرفياً، وقيل ما يشبهها الكثير، كما وضعت أخبار ومقالات لكتاب سعوديين في غير محلها لخدمة هذه الحملة، بل وصل الأمر إلى حد القول: "إن النائب بهيّة الحريري زارت السعوديّة، تتوسّط لمصلحة ابن شقيقها، رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري... لكن الوساطة فشلت، وتبلّغ الحريري أنه لن تدوس قدماه المملكة بعد الآن... (وأن) مشكلة الملك مع الحريري تتعلّق بالعلاقة مع سوريا، (و)على الحريري أن يُعيد تعبيد الطريق مع دمشق".!! (جريدة الأخبار نقلاً عن مصادر مطلعة في 23/2/2011).

ما كشفه جنبلاط لم ينسف هذا "البروباغندا" فحسب، وإنما أظهر موقع الحريري المتميز في خارطة السياسة السعودية، لدرجة أن الملك أمر بقطع علاقة تاريخية له مع وليد جنبلاط بسبب تخلي الأخير عن دعمه للحريري. جنبلاط قال بوضوح: "أتفهم ظروفه (الملك)، وربما حصل تشويش عليّ هناك، وكنت بلّغت الأمير مقرن بن عبد العزيز عندما كانوا في نيويورك بالخطوة التي سأقوم بها فيما يتعلق بالتصويت لنجيب ميقاتي، وقلت له أن يبلغ الملك، وقال لي إنه سيبلغ خادم الحرمين، وجاءني الجواب لاحقاً بأن العلاقة انقطعت... أنا عندما احتجت لدعم المملكة دعمتني، وكانت داعمة لبعض المشاريع الكبرى تاريخياً، وأتمنى أن لا ينظر الملك عبد الله إلى أن العلاقة مقطوعة مع وليد جنبلاط فقط، وأن تبقى المساعدات لهذا الجبل"!.

ولعل الغريب في هذا الأمر؛ أمران:

1- إمعان الرئيس سعد الحريري في الصمت طوال هذه المدة، رغم أنه كان يعلم بالتأكيد كيف تعاملت المملكة مع من تخلى عنه، ومع ذلك لم يصدر منه أو من مصادره أي موقف، أو حتى تسريب إعلامي، رغم ضراوة الحملة عليه، لدرجة الادعاء أنه شُطب المعادلة.

2- إمعان خصوم الحريري في الكذب، على طريقة غوبلز، رغم معرفتهم المفترضة بالموقف الحقيقي للمملكة، ومع ذلك لم يتورعوا على أن يلوكوا الكذب مرات ومرات، رجاء أن يصدّق الناس فيستسلموا لمشروعهم.

غير أن الغرابة تزداد أكثر، إذا علمنا أن علاقة المملكة مع سوريا آخذة في التراجع، بسبب ملفات كثيرة، أولها وأهمها، الملف اللبناني، لدرجة صدور أصوات قريبة من مصادر القرار في المملكة تتحفظ على زيارة قيل إن الرئيس بشار الأسد سيقوم بها إلى المملكة لتهنئة الملك عبد الله بعد عودته من رحلة العلاج الطويلة. (موقع إيلاف 26/2/2011- مع الإشارة إلى أن مصادر في المملكة اتهمت قبل أيام سوريا بـ "فبركة" شائعات تتحدث عن تورط المملكة في قمع المتظاهرين في البحرين).

بالعودة إلى جنبلاط، فقد أبدى في المقابلة إياها؛ انزعاجه من إطلاق صفة الخيانة عليه، رغم أنه كشف بنفسه عن اتصال مستشار الرئيس الحريري غطاس خوري به، ليخبره بأنه لم يكن مقصوداً بكلام الحريري في البيال، ومع ذلك فلم يقتنع جنبلاط، معتبراً أنه هو المقصود بـ "الخيانة والنكران بالعهد والغدر والخديعة"، ما دفع الحريري للتأكيد -عبر مصادره- أنه "لن ينسى لجنبلاط ولجمهوره، الوقفة التي وقفوها بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري... وأن جنبلاط لم ولن يُتهم يوماً بالغدر من منزل رفيق الحريري" (صحيفة الشرق الأوسط 26/2/2011).

ورغم أن هذا التوضيح الإضافي كافٍ لجنبلاط حتى يطمئن إلى وفاء حليفه السابق للماضي المشترك بينهما، إلا أن الراجح أن جنبلاط لن يشعر بطمأنينة البال، ليس لأنه يشك في أنه كان مقصوداً بكلام الحريري أم لا، وإنما لأن جنبلاط سبق له أن حكم على نفسه بلسانه، عندما قال في خطابه أمام منظمة الشباب التقدمي (12/8/2007): "إنه في اللحظة التي قد ينتابكم أو ينتابنا التردد أو الخوف أو اليأس، نخسر المعركة، وسيلعننا التاريخ، وخائن في صفوفنا، من فريق 14 آذار، الذي قد يفكر على طريقته بالمساومة أو التسوية، وسيُحكم عليه بالإعدام المعنوي والسياسي"!!.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


4 + 6 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع