« شهادة سعد الحريري »






تسجيلات "الجديد": فضيحة لمن؟ 2/3



شهادة سعد الحريري 



فادي شامية - الأربعاء - 23-2-2011



لا يخفى أن الهدف الأهم من وراء عرض شهادة الرئيس سعد الحريري أمام لجنة التحقيق الدولي كان إفساد علاقاته مع عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية والأمنية (اضطر للاعتذار لبعضهم سراً وعلناً)، فضلاً عن القضاء نهائياً على محاولاته تحسين العلاقة مع سوريا، وذلك من خلال إظهار شهادته – التي يتهم فيها النظام السوري- في جريمة اغتيال والده وعدد من الجرائم الأخرى، لكن مرة جديدة يظهر أن الأهم –والذي يوجب أكثر من اعتذار من قبل المتورطين فيه- بقي تحت الظل، لأن الحريري وفريقه السياسي لم يستثمروا إعلامياً –بقرار من الحريري- أي معلومة وردت في هذه الشهادة.



على هذا الأساس بدا لافتاً أن لا يذكر أحدٌ الكمَ الكبير من الوقائع التي ذكرها الرئيس الحريري، -والتي ذكر بعضها المحقق الدولي أيضاً، وهو يطلب من الحريري تأكيدها أو نفيها-، وهي الوقائع التي أسست للاتهام السياسي في الفترة التي أُدليت فيها الشهادة؛ إذ ظهر من شهادة الحريري أن الوقائع التي سبق أن ذُكرت في الإعلام بُعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري صحيحة، وأن الاتهام لم يكن مبنياً على هوى سياسي أو شخصي، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد ذكّر المحقق (لجمي) الحريري بمضمون مكالمة تهديدية علمت بها لجنة التحقيق، سائلاً إن كانت موجودة لدى الحريري، فوعد الحريري بالبحث عنها، ثم عاد لتوضيح الأجواء التي سبقت الاغتيال قائلاً: لقد كانوا "يتفاوضون (السوريون) حول الانتخابات في بيروت، وحول لائحة والدي. قلت له تنازل، أنت دائماً تتنازل، لماذا لا تتنازل هذه المرة؟ قال: لا لن أتنازل (صار) عمري ستين عاماً. قلت: سيقومون بإيذائك. قال: فليفعلوا ذلك. يحفرون قبرهم بيدهم، أنا لا أريد أن أكسر سوريا بلبنان، ولكني أريد أن أقنع السوريين أنه يوجد طريقة أفضل لقيام علاقات بين سوريا ولبنان"!. هذه الوقائع التي ذكرها الحريري في شهادته لم يتحدث عنها أحد!!.



وما يؤكد الاستثمار السياسي لشهادة الحريري؛ ليس الانتقائية في الوقائع والتركيز على ما من شأنه إفساد علاقة الحريري بمن ذكر اسمهم في شهادته، وإنما أكثر من ذلك؛ وهو تحريف الوقائع من قبل الفريق المناهض للمحكمة. على سبيل المثال: قال عاصم قانصوه معلقاً على شهادة الحريري في 10/2/2011: "التسريبات في "الحقيقة ليكس (أي تسريبات الجديد) ساهمت بكشف حقيقة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. لم أكن أنه -أي الحريري- بهذه الحقارة!" وهكذا اعتبر هذا النائب البعثي أن كشف أسماء من كان يحرّض على والده عند السوريين قبل اغتياله (من ضمنهم قانصوه طبعاً) "حقارة"، لكنه لم ير في الوقائع التي رواها الحريري، والتي تظهر الاستخفاف بلبنان ورجالاته أية حقارة!!.



لم يعتبر - هو أو حلفائه مناهضي المحكمة- أن مساومة رئيس حكومة لبنان حول أسماء الوزراء والنواب على لائحته من قبل سلطة غير لبنانية يمس بالسيادة الوطنية!. لم يستفزهم أن رستم غزالي "كان بذيئاً جداً مع الشهيد رفيق الحريري في المكالمات الهاتفية". وأنه وفق -إفادة الحريري نفسها- "كان يجلس، في عدة مناسبات، مع وزراء أو مع أشخاص آخرين، وكان يقول: شو هادا، أخو الـ... رفيق الحريري". يسأل المحقق: قالها مباشرة؟ فيجيب سعد الحريري: "أخبرني والدي أنه قالها مرتين له على الهاتف (أي هذه الكلمة البذيئة).



ومن الوقائع التي أقر مناهضو المحكمة بصحتها، ولكن قلبوا حقيقتها، أن الحريري كان يدفع المال للضباط السوريين في لبنان. أسس مناهضو المحكمة، على ذلك أن "مدرسة رفيق الحريري قامت على أساس شراء الذمم"!. وبالعودة إلى الشهادة يظهر الزيف بوضوح. يقول الحريري: "والدي كان يعطي المال لأبي طارق، وأبو طارق كان يدفع المبلغ لرستم غزالة... كانت مسألة ابتزاز...كان يطالب بستين إلى تسعين ألفاً، وأحياناً كان الحقير يطلب أكثر من ذلك، كان يقول أنا بحاجة إلى مساعدة فلان، أريد أن أصلح حمامي... سيارتي... عصام فارس كان يدفع المال، محمد الصفدي دفع المال، ميشال المر... يمكنهم أن يجعلوا حياتك بائسة (إن لم تدفع)... جمال جراح (قبل أن يصبح نائباً)، أو ابن عمه، لفقوا له قصة، كان يتحتم علينا أن ندفع المال كي نخرجه..."!. كان هذا مشهداً مخزياً لكل لبناني، لكن لم يتحدث عنه أحد بكل أسف!. ولا يقف "الخزي الوطني" عند هذا الحد. يقول الحريري: "عندما اغتيل والدي، أتى عبد (مساعده) إليّ بعد ثلاثة أيام وقال: هل تصدّق أن ابن السافلة هذا، أرسل سيارته إلى التصليح، ويريد أن ندفع عنه المال"! فيرد الحريري: "قل له: فليذهب إلى الجحيم!".



ومن التعليقات التي قيلت عقب بث شهادة الحريري أن الأخير يضيع إرث والده الذي كان على علاقة وطيدة مع "حزب الله" قبل استشهاده. والواقع أن الرئيس رفيق الحريري كان حريصاً في الأشهر الأخيرة قبل استشهاده على ما وصفه لبعض مقربيه بـ "التقاء الجبلين" (السنة والشيعة) حمايةً للبنان في فترة ما بعد الانسحاب السوري، وكأنه كان يلمح مظاهر الفتنة السنية-الشيعية الزاحفة. شهادة الرئيس سعد الحريري في هذا الموضوع كانت دقيقة جداً. يقول الحريري: "فتح والدي علاقة مع وليد جنبلاط، وقرنة شهوان، وفتح حواراً مع حزب الله". أما عن سبب تفضيله "حزب الله" كطرف شيعي عن حركة "أمل" فيوضح الحريري في شهادته: "أعتقد في حينه أن الرئيس نبيه بري خانه خيانة كبيرة، ولم يعد يثق به ولم يريد العمل معه، ولذلك فتح قنوات جديدة مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله"، ناقلاً بأمانة عن والده أنه كان يعتقد بأن السيد نصر الله يلتزم كلمته، لكنه بالوقت عينه ذكر (الحريري الابن نقلاً عن والده) جملة من الأسماء التي كانت ترسل تقارير للقيادة السورية في التحريض على الرئيس الشهيد "ممن لم يكونوا يريدون للعلاقة أن تتحسن، وكان من مصلحتهم السياسية أن لا يتقارب رفيق الحريري وبشار الأسد" من أمثال فلان وفلان.... وكل الذين يكرهون والدي، بالإضافة إلى حزب الله".



ومن أطرف ما قيل عن شهادة الحريري أمام لجنة التحقيق الدولية، أن الحريري هو رجل مخابرات!، فقد أورد الحريري في شهادته أنه اجتمع بمسؤول في المخابرات الباكستانية. اعتبر مناهضو المحكمة أن الحريري ارتكب كبيرة!!، أما الوقائع اللافتة والكثيرة التي ذكرها الحريري عن المدير العام للأمن العام جميل السيد وأدواره، وصولاً إلى قوله إنه كان في "جيبة المخابرات" السورية، فلم ير مناهضو المحكمة في ذلك خطيئة!!. ولأن الأداء على هذا المستوى فقد غاب تماماً أي تعليق على ما ذكره الحريري بشأن شخص حددت الأجهزة الأمنية اسمه كمشتبه به في الجريمة، "لكنهم لم يستطيعوا المضي قدماً, لأنه اختفى داخل سوريا, وكان هذا آخر ما توصلوا إليه".



بناءً على ما سبق؛ تُرى شهادة سعد الحريري فضيحة لمن؟! المشكلة أن فريقاً في لبنان يقلب الحقائق لأهدافه السياسية، وفريقاً آخر يغيّب الحقائق من أجل الوحدة الوطنية، حتى صح القول: "لقد أكل الفاجر مال التاجر".



» تاريخ النشر: 2011-02-23
» تاريخ الحفظ: 2024-03-29
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.