عاصفة التأليف بعد التكليف: كيف سيواجه ميقاتي زلزال القرار الاتهامي؟

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
عاصفة التأليف بعد التكليف: كيف سيواجه ميقاتي زلزال القرار الاتهامي؟

   الكاتب :

 

 الزوار : 2073   الإضافة : 2011-01-27

 

ليس قليلاً ما يشهده البلد هذه الأيام، فالمؤشرات على خطورة ما يجري كثيرة وكبيرة؛ وما بين إسقاط حكومة الرئيس سعد الدين الحريري، وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، ثمة عاصفة مرعبة مرت على البلد، وطوائفه، والقوى السياسية فيه؛ يمكن رصد آثارها على النحو الآتي:

النتائج المباشرة لإسقاط حكومة الحريري: غضب سنّي وتململ درزي وترقّب شيعي وانقسام مسيحي
عاصفة التأليف بعد التكليف: كيف سيواجه ميقاتي زلزال القرار الاتهامي؟

فادي شامية

ليس قليلاً ما يشهده البلد هذه الأيام، فالمؤشرات على خطورة ما يجري كثيرة وكبيرة؛ وما بين إسقاط حكومة الرئيس سعد الدين الحريري، وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، ثمة عاصفة مرعبة مرت على البلد، وطوائفه، والقوى السياسية فيه؛ يمكن رصد آثارها على النحو الآتي:

أولاً: لم يكن ينقص التوتر السني-الشيعي في لبنان سوى إطلالة السيد حسن نصر الله، عشية استشارات التكليف الملزمة، حيث أعطت كلمته القصيرة انطباعاً -لدى شارع محتقن في الأساس- بأنه هو من يُسقط ومن يعيّن حكومة ورئيس حكومة لبنان، سيما أنه جافى الحقيقة عندما اعتبر موقع رئاسة الحكومة موقعاً وطنياً غير تمثيلي، فيما الحقيقة أنه موقع وطني وتمثيلي في آن معاً، ما أجّج المشاعر، وأعاد علاقة الشارع السني بـ "حزب الله" إلى أيام السابع من أيار 2008 وما تلاه، مع ما يعني ذلك من خسائر على مستوى النظرة إلى "المقاومة" من جهة (وهذا كان واضحاً في الخطابات في الشارع)، وعلى مستوى تعرية ومحاصرة الأطر و"الوجوه" التابعة للحزب في الشارع السني، وعلى إمكانية قيام أي تفاهم لاحق بشأن الملفات الكبرى، لا سيما السلاح والمحكمة. وقد انعكس هذا الواقع ترقباً للتطورات في الشارع الشيعي، ولدى "حزب الله" تحديداً، حيث يرغب الحزب بتمرير هذه المرحلة من الحرب على المحكمة الدولية بأقل خسائر ممكنة.

ثانياً: رغم أن علاقة العماد عون بالشارع السني في الحضيض منذ مدة طويلة، إلا أن حرص "حزب الله" على وضع عون في الواجهة، ونوعية الخطاب الذي يعتمده "التيار الوطني الحر" عموماً تجاه تيار "المستقبل"، وكثير من الوجوه والرموز السنية في الدولة، نقل العلاقة إلى درْك البغض الشعبي المدمر لأي تفاهم محتمل في قادمات الأيام. والأخطر أن مواقف عون أسهمت في تأجيج التوتر بين السنة والشيعة من جهة، وزادت من الانقسام المسيحي من جهة أخرى، وذلك بالنظر إلى تحالفات عون ومسيحيي 14 آذار، كل منهما بطرفي الأزمة؛ "حزب الله" و"المستقبل"، وقد انعكس هذا الانقسام المسيحي تحديداً في الاتهامات والردود بين عون و"القوات اللبنانية"، على خلفية اتهام عون لـ "القوات" بمناصرة "المستقبل" شعبياً. (مع ملاحظة أنه رغم إبداء السيد حسن نصر الله "تفهمه" للغضب السني، فقد حافظ العماد ميشال عون على نهجه بكيل الشتائم للرئيس سعد الحريري، في لحظة بالغة الحساسية)!.

ثالثاً: رغم حالة الامتعاض المتنامية من مواقف النائب وليد جنبلاط منذ الثاني من آب 2009، إلا أن العلاقة التاريخية لجنبلاط بالسنّة لم تشهد، وعلى مدى سنوات طويلة، التدهور الذي بلغته في هذه اللحظة السياسة؛ فإضافة إلى تحميله مسؤولية سحب الأغلبية النيابية من مكان إلى آخر، وتوعّد الشارع السني بمحاسبته بأية استحقاقات قادمة، فإن المعلومات الواردة من إقليم الخروب تفيد بأن دعوات شعبية وجهت في الساعات القليلة الماضية، إلى ضرورة "إخراج الحزب التقدمي الاشتراكي" من الإقليم نهائياً، فضلاً عن حالة حصار شعبي غير مسبوق تعرّض لها المنتمون لهذا الحزب من السنّة، وعلى رأسهم النائب علاء الدين ترو. والحقيقة أن جنبلاط تعرّض منذ أن قرر استدارته نحو سوريا و"حزب الله" إلى تراجعات شعبية هائلة، فجنبلاط كان عملياً يقود كتلة من 71 نائباً، باعتبار أنه كان "المايسترو" –إن جاز التعبير- للأغلبية النيابية، ثم ما لبث أن تحول إلى رئيس لكتلة نيابية من 11 عضواً، ثم صدّعت ضغوط التكليف كتلته، وشطرتها إلى قسمين؛ ليحتفظ جنبلاط بما أطلق عليه كتلة: "النضال الوطني" التي تضم سبعة نواب فقط، دون أن يكون واضحاً إذا كان بمقدور النائب علاء الدين ترو الاستمرار في الكتلة وتحمل الضغط الشعبي عليه. وأكثر من ذلك؛ فللمرة الأولى يبرز النائب مروان حمادة كزعيم درزي (محتمل) مستقلاً عن جنبلاط، ومؤهلاً لاستقطاب الجزء الساخط على أداء زعيم المختارة في الشارع الدرزي.

رابعاً: أصيب جمهور الرئيس عمر كرامي بخيبة أمل قاتلة من طريقة تعامل "حزب الله" معه، إلى حد دعوة بعض المقربين من كرامي إلى تأييد الحريري في مواجهة ميقاتي!، ذلك أنه، ورغم الإطراء وتطييب الخاطر من قبل السيد نصر الله، فإن الرجل استُعمل كمنصة تلقت سهام تيار "المستقبل" و14 آذار، على مدى أسبوعين تقريباً، باعتباره مرشح "حزب الله" في وجه الحريري، وفي اللحظة التي أعلنت فيها مصادر كرامي (الذي سبق الجميع بالقول إن ترؤس الحكومة بمثابة تلقف لكرة النار) قبوله التكليف، في حديث إلى صحيفة الشرق الأوسط يوم الأحد الماضي، أعلن السيد نصر الله في اليوم نفسه نعي ترشيحه لصالح مرشح آخر، هو في الحقيقة ابن مدينته والمنافس له في السياسة، معللاً هذا النعي بأسباب صحية!. ومن المؤكد أن استعمال ورقة كرامي ثم إهمالها -بالشكل الذي حصل- سيترك بالغ الأثر على علاقة الرئيس كرامي بـ "حزب الله"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كرامي سبق أن أعلن خروجه من فريق 8 آذار لأسباب أقل أهمية مما جرى معه مؤخراً.

خامساً: بعد نقل فريق 8 آذار دعمه من الرئيس عمر كرامي إلى الرئيس نجيب ميقاتي، بناءً لتفاهم مسبق معه، حاول ميقاتي تسويق نفسه باعتباره مرشحاً توافقياً. والواقع أن الرئيس ميقاتي ارتكب خطأً استراتيجياً بترشحه بالشكل الذي حصل، فالرجل لديه ما يخسره في الشمال على مستوى الجمهور، الذي لم يرتض جزء كبير منه هذا الموقف (جزء من جمهوره متداخل مع جمهور الحريري أصلاً)، كما أنه أظهر نفسه كما لو كان طامحاً للسلطة بأي ثمن، خلافاً للصورة الذهنية الناصعة له في طرابلس ولبنان، مع العلم أنه كان بالإمكان فعلاً أن يكون مرشحاً توافقياً بالتفاهم مع الحريري، لو فاز الأخير بالتكليف وعجز عن تشكيل الحكومة، لكن الطريقة التي ترشح فيها ميقاتي خسّرته شعبياً، وحرقة صورته التوافقية، بلا أدنى شك، سيما أن فريق 8 آذار لم يساعده، وسرّب للإعلام أنه وافق على فك ارتباط لبنان بالمحكمة، وإجراء حملة إقالات لموظفين كبار في الدولة، وإحالة سياسيين على المحاكمة، وهو أمر أوحى به أيضاً العماد عون في إطلالته مساء الثلاثاء الماضي.

سادساً: لم يقف انهيار الكتل عند عتبة كتلة "اللقاء الديمقراطي"، فكتلة "الوفاق الوطني" التي تضم النائب محمد الصفدي والنائب قاسم عبد العزيز انشطرت أيضاً، عندما أيّد عبد العزيز الرئيس الحريري بفعل الضغط الشعبي، فيما بقي النائب محمد الصفدي على تحالفه مع زميله في الكتلة الرئيس نجيب ميقاتي، مفرّطاً بعلاقته بالرئيس سعد الحريري، وبجزء من شعبيته في طرابلس، التي لم تهضم ما جرى على مستوى انتقال الصفدي -الوزير في حكومة الحريري السابقة- من ضفة إلى أخرى.

على أي حال؛ فقد أصبح الرئيس نجيب ميقاتي اليوم رئيساً مكلفاً بـ 68 صوتاً، لكن لم يسبق لرئيس مكلف أن ووجه بهذا الحجم من التحديات قبل أن يدخل مرحلة التأليف، بما في ذلك تجربة الرئيس أمين الحافظ عام 1973، ذلك أن الرئيس ميقاتي يواجه اليوم واقعاً صعباً، يمكن الإضاءة على أبرز ملامحه، على الشكل الآتي:

أولاً: يواجه الرئيس ميقاتي حالة رفض شعبي، معظمها ناتج عن طريقة ترشحه وليس ناتجاً عن موقف مسبق منه. حالة الرفض هذه عبّرت عن نفسها في الشارع، بأشكال مقبولة وغير مقبولة، لكن الغضب كان كبيراً، لدرجة لم تفلح نداءات واتصالات الرئيس الحريري نفسه في تهدئة النفوس لفترة طويلة أمس، مع الإشارة إلى أن الغضب لا يقتصر على مناصري تيار "المستقبل"، فثمة قوى أخرى في الشارع السني (أحزاب أو شخصيات) لم تكن تتمنى للرئيس ميقاتي أن يضع نفسه في هذا الموقف، كما يمكن الإشارة في هذا المجال إلى القوى الإسلامية، ورأسها "الجماعة الإسلامية" التي طالبت ميقاتي "أن لا يقبل الترشيح إلا إذا كان بموافقة واضحة من ساحته، وإلا فإن ذلك سيكون عاملاً إضافياً في تسعير الفتنة".

ثانياً: يدخل الرئيس ميقاتي مرحلة التأليف بعد التكليف، وهو في مواجهة المؤسسة الدينية الرسمية (مفتي الجمهورية، ومجلس المفتين، والمجلس الشرعي) لدرجة مطالبته بالتنحي، تحت شعار: حق السنة في اختيار مرشحهم للرئاسة، باعتبار أن ذلك من موجبات العيش المشترك.

ثالثاً: من المتوقع أن يواجه الرئيس ميقاتي معارضة متزايدة من فريق 14 آذار، الذي دبت فيه "حيوية الشباب"، تحت عنوان: رفض "سلطة ولاية الفقيه"، وإسقاط المحكمة، هذا فضلاً عن اضطراره لمواجهة تيار "المستقبل" الذي استعاد كلاً أو بعضاً من خسائر مرحلة "حكومة الوحدة الوطنية"، و"كشّر عن أنيابه" في مرحلة ما بعد الاستشارات، الذي يبدو فيها الرئيس الحريري كمن تخفف من أثقال كانت تعوق حركته السياسية، بفعل إخراجه من رئاسة الحكومة، سيما أنه بدأ يأخذ صورة "الضحية السياسية"، ما يعيد للأذهان تجربة والده عام 1998.

رابعاً: لا يبدو الرئيس ميقاتي في وضع مريح على مستوى الموقف الدولي المتحفظ أو الرافض لتغيير موازين القوى في لبنان، تحت ضغط السلاح، سيما أنه يعتبر حكومة ميقاتي العتيدة حكومةً لـ "حزب الله"، مع العلم أن الحزب لجأ إلى خيار ميقاتي، للتخفيف من حدة خيار كرامي أصلاً- فضلاً عن أن دخول كرامي السرايا لم يكن مضموناً-، لذا فإن رسالة ميقاتي التي وجهها للأمريكيين قبيل تكليفه، مبرراً فيها أسباب ترشحه، وأنه ليس مرشح "حزب الله"، لم تقنعهم، بدلالة كلام وزيرة الخارجية الأمريكية عن سيطرة "حزب الله" على لبنان، كما أن الدعاية التي رافقت طرح ورقة ميقاتي فجأة، باعتباره مرشح التفاهم الفرنسي-القطري، عاد ونفاها ميقاتي نفسه في حديثه مساء الثلاثاء لمحطة MTV، هذا فضلاً عن "الغضب" السعودي الكامن.

أخيراً؛ ثمة مرحلة صعبة سيواجهها الرئيس ميقاتي بعد عبوره مرحلة التكليف بشق الأنفس وبخسائر هائلة؛ فهل يمكنه أن يقدّم–في حال لم يتنح- تشكيلة يُقنع بها شارعه المتوجس من الكيدية؟ وماذا عن البيان الوزاري؟ هل يسمح "حزب الله" لميقاتي أن يعتمد البند السابق المتعلق بالمحكمة؟ وهل يقبل منه الحزب أن يترجم الموقف الذي أطلقه عشية تكليفه من أنه غير ملزم تجاه "حزب الله" إلا فيما يتعلق بحماية "المقاومة" (الحزب يعتبر المحكمة مؤامرة على "المقاومة")؟ وهل يقبل فريق 14 آذار أن يقفز البيان الوزاري عن علاقة لبنان بالمحكمة؟! وكيف سيواجه الرئيس ميقاتي زلزال إعلان القرار الاتهامي في هذا الجو من الانقسام؟ يبدو أننا -ورغم قسوة ما جرى- ما زلنا في أوائل النفق!.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


7 + 8 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع