النحل في لبنان يواجه خطر الانقراض

 النحل في لبنان يواجه خطر الانقراض


بقلم: مخيبر محمد شوك – الضنّية


 


النحل من المخلوقات الاجتماعية تعيش في مجتمعات داخل خلايا من صنع الانسان في مساكن صخرية في الجبال أو في جذوع الأشجار.



تسكن عل شكل (عشيرة) مجتمعها على قدر عالٍ من التنظيم. يتألف من: (ملكة, ذكور, عاملات) والكل يقوم بواجبه، ويكفي النحلة فخراً أنها التي أوحى الله اليها. قال تعإلى: {وَأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً ومِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشونَ} النحل 68. ويكفي عسلها رفعة من بين الأغذية أن الله سبحانه وتعإلى وصفه بقوله: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 69.



 


العسل الذي تنتجه هذه الحشرة هو من أهم الأغذية للانسان على الاطلاق، وهذا مسلَّم به عند الجميع. فهو يحوي عناصر غذائية وطبيّة ثمينة جداً، منها ما اكتشف والغائب أكبر.


 


 وعلى سبيل المثال لا الحصر أن في العسل:


 (بروتين, حديد, نحاس, كبريت, بوتاسيوم, منجنيز, فوسفور, كلور, صوديوم, كالسيوم, السيلكا, السيليكون, الماكنسيوم, ومن الفيتامينات (ب1), (ب2), (ب5), (ب6), فيتامين (ج) وانزيمات, خمائر, النيتروجين, الحوامض, والزيوت الأشيرية, والمواد القطرانية).



 


ومن فوائد النحل أيضا:


 شمع النحل, غراء الشمع, حبوب التفاح, العكبر, الفالوذج الملكي, سمّ النحل, غذاء الملكة وغيره.



 


أما عن المداواة بنتاج النحل من عسل وغيره


 فلقد كتب في ذلك الكثير من الأطباء والعلماء والمختصين، وصدر في ذلك كثير من الكتب، ومنهم من سماها العلاج بالعسل (صيدلية النحل) منافع النحل الخ...


وهذه الحشرة المسكينة تجتهد لمنفعة الانسان والانسان لا يعيرها اهتماماً.



 


فمنذ أكثر من عشرين سنة ابتلي النحل بمرض اكتشف بعد أن فتك بالنحل خطر كبير اسمه (الفروا) كاد يقضي على النحل نهائياً في بلادنا لولا بعض الناشطين في تربية النحل، حيث راحوا يفتشون عن دواء لهذا الداء في لبنان وخارجه بجهود فردية دون أي مساعدة من المعنيين، وكانت بعض الدول المهتمة قد توصلت لإنتاج أدوية لهذا المرض, لكنها وصلت الينا بعد فوات الأوان، ومن يومها اقتصرت تربية النحل على الهواة فقط وأقلع عنه (المزارعون) لعدم علمهم بطريقة المداواة ولكلفة تربيته وقلة انتاجه.


 والمزارع لا يملك الوقت ولا المال، لإجراء التجارب اللازمة، فيئس من هذه التجارة الخاسرة، ولولا الناشطون والهواة لأصبحت تربية النحل في هذه البلاد من أساطير الماضي. وقد أصبح النحل نذير شؤم للمزارع حيث يعتبر مربّي النحل في مجتمعنا مبذراً يضرب فيه المثل، فهو لا يهتم للوقت والمال.



 


وهكذا فتكت الفروا بالنحل. والطبيعة، تلك الأم الحنون، وقفت عاجزة حزينة، والانسان ساعد الفروا وهو لا يدري، الى أن تنبهت أخيراً شعوب العالم وحكوماته فهبت لإنقاذ هذه الحشرة الخيّرة. أما في بلدنا فلا شعبنا تنبّه ولا دولتنا وضعت هذا الأمر على جدول اهتماماتها، والنحل يموت ويضمحل، والمربون بين سندان الأمراض ومطرقة غياب الحماية وجهل المزارع وجشع تجّار الأدوية الزراعية، فكان الموت للنحل والحزن والأسى لمربيه, فالأسباب كثيرة ونحن نبغي الاختصار:



 


1- التصحر، حيث انتشرت أبراج الباطون قاضمة كل أخضر دون مراعاة أدنى المعايير البيئية، فبدت قرانا ولا أقول مدننا أكواماً من الاسمنت والحجارة مات فيها الشجر ليحيا الحجر، فخسرت بيئتنا عنصراً مهماً من مكونات الحياة السليمة, والنحل الخاسر الأكبر.



 


2- تلوث مياه البرك والينابيع وخاصة في فصل الصيف، حيث تشحُّ المياه ويزداد استعمالها، وهذا ما يجعلها أكثر عرضة للتلوث. والنحل لا يقرب المياه الملوثة ابداً، فالنحل هو خير مختبر لاصدار شهادة في مياه ما، ان هي صالحة للشرب أو لا.



 


3- اذا درسنا قاموس النباتات والأزهار نجد في الطبيعة كثيراً من الأزهار السامّة ان ارتشف منها النحل لآذى نفسه منه، لكن الله سبحانه تكفّل بهذه القضية فجعل للنحل أعيناً ترى الأزهار السامّة فتخرج بذلك عن اطار مصلحة النحل، وهذه حقيقة علمية أكدها الباحثون. فالعناية الالهية حمت النحل من سموم الطبيعة، فمن تراه يحميه من عبث الانسان وجهله القاتل؟ فلو تفحصنا المبيدات الكيميائية التي نستعملها لحماية مزروعاتنا ووضعناها على ميزان علمي، ولو تركنا الأمر للطبيعة (تنظم نفسها بنفسها بيولوجياً) أظنُّ أنها قادرة على ذلك (...).



ومن خلال ما عرضنا من الأخطار التي يتعرض لها النحل نخلص إلى القول بأن النحل في بلادنا مهدد بالابادة، لذلك نستصرخ الضمائر لانقاذ هذه الحشرة المعطاء وجعل قضيتها محل اهتمام، والعمل على حمايتها بالتعاون الجاد بين الدولة والمواطن، بحيث تصبح تربية النحل من الأولويات عند كل مزارع ومواطن. ولإغناء هذا البرنامج يجب أخذ توصيات الجمعيات البيئية والهيئات العلمية المختصة الوطنية كالمجلس الوطني للبحوث العلمية ودولية كبرنامج الأمم المتحدة وغيرها.



 


1- المبيدات الزراعية وهذه قضية شائكة جداً، فاذا أردنا أن نطّلع على وصفات لوائح المبيدات المرخص باستعمالها في لبنان نرى كثيراً من التضارب ففيما تحرّم وزارة البيئة استعمال نوع ما من المبيدات تجده غير موجود على لائحة وزارة الزراعة أو الصحة.



من هنا نتمنى على الوزارات السالف ذكرها أن تتكرم بإنشاء لجنة مشتركة تدرس هذه القضية وتصدر لائحتين: الأولى تسمي الأدوية والمبيدات المُجاز استعمالها في لبنان، والثانية تسمي الأدوية والمبيدات المحظور استعمالها تحت طائلة المسؤولية، وتغليظ عقوبة المخالف كائناً من كان.


 


2- ارشاد المزارعين وتوعيتهم على استعمال الأدوية والمبيدات المجاز استعمالها لعدم استعمال الأدوية الأخرى واصدار نشرات بهذا الخصوص وتوزيعها على القرى والأندية والبلديات.



 


3- العمل على وضع قانون يحدد كيفية الافادة من الثروات الحرجية: فحم, حطب, خشب وغيرها. ومن النباتات: قصعين, زوبع, زعتر... ومن الأزهار: أزهار طبية, زهورات, أزهار الزينة, أزهار التقطير.


 


4- الجدية في تنفيذ قوانين البناء عبر الالتزام بالتنظيم المدني والقروي والتصنيف مع أشد المراعاة للوجه البيئي والتراثي.


 



5- رفع التلوث عن المياه قدر المستطاع مع اعترافنا بأنها معضلة المعضلات ولا مجال للخوض في تفاصيلها هنا. فالحل معروف: شبكات صرف صحي حديثة تواكب تقدم العصر.



 


6- انشاء هيئة مختصة تدرس حياة النحل في لبنان: تربيته, مشاكله, أمراضه, منافعه, تصنيع انتاجه, تصريفه داخلياً وخارجياً. دعم مربي النحل كما يدعم مزارع الشمندر ومزارع التبغ, فهل يُعقل أن يدعم منتج الدخان ولا يدعم منتج العسل..



 


7- تزويد مربي النحل بالارشادات والأدوية وتأمين التسويق وايقاف استيراد منتجات النحل ان كان الانتاج الوطني كافياً، مع التذكير بأن العسل اللبناني يحتل الصدارة في صيدليات العسل العالمية لجودته وتكامل عناصره الغذائية والطبية.



 


وبذلك نكون قد أنصفنا النحل، ذلك المخلوق الضعيف الذي لا يحمل للبشر الا الطيّب من الغذاء والدوام من الصحة والشفاء من الأمراض.

: 2010-10-27
طباعة