تبعها تحرك عدد من القطع البحرية في اتجاه الخليج، لترد إيران بإعلانها التراجع عن تنفيذ بعض التزاماتها في الاتفاق النووي. فما هي المخاطر التي تتهدد دول المنطقة نتيجة هذا التصعيد؟
يبدو أن الصبر الإيراني قد شارف على النفاد على إثر الضغوط الأمريكية المتصاعدة. فقد أعلنت طهران أنها ستتراجع عن تنفيذ بعض التزاماتها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وهددت بفعل المزيد إذا لم تحمها القوى العالمية من العقوبات الأمريكية، وذلك بعد مرور عام على انسحاب واشنطن من الاتفاق.
"فرصة آخذة في التضاؤل"
الرئيس الإيراني حسن روحاني قال إن بلاده ستستأنف تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية كما أعلن تعليق بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل الفائضين لدى بلاده، إذا لم تفِ بقية الدول الموقعة على الاتفاق بتعهداتها بحماية القطاع النفطي والمصرفي بإيران من العقوبات الأمريكية في غضون 60 يوما، في إشارة خفية إلى المأزق الاقتصادي المتصاعد الذي تعيشه بلاده بسبب الضغط الأمريكي الذي لم يتوقف منذ تولى الرئيس الأمريكي ترامب السلطة.
روحاني حذر أيضاً من رد حازم إذا أحيلت القضية النووية الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي مجدداً ولكنه قال إن بلاده مستعدة للتفاوض.
وعلى موقع تويتر، كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "بعد عام من الصبر، توقف إيران إجراءات جعلت الولايات المتحدة مواصلتها مستحيلة". وأضاف أن أمام بقية الدول "فرصة آخذة في التضاؤل" لإنقاذ الاتفاق:
وتصاعدت التوترات عشية الذكرى السنوية لانسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق الذي وافقت إيران بموجبه على كبح برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. وأعادت إدارة ترامب فرض العقوبات الأمريكية ووسعت نطاقها وأمرت دولا من مختلف أرجاء العالم بالتوقف عن شراء النفط الإيراني وإلا ستواجه عقوبات هي أيضاً.
ويحاول حلفاء واشنطن الأوروبيون المعارضون لانسحابها التوصل إلى سبل للحد من الأثر الاقتصادي للخطوة الأمريكية، دون نجاح حتى الآن، بينما يحثون طهران على مواصلة الامتثال للاتفاق.
تداعيات اقتصادية على المنطقة
ترتبط الكثير من دول الخليج – والتي هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة – بعلاقات اقتصادية عميقة ومتشعبة مع إيران خاصة الإمارات، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 11 مليار دولار في عام 2017، إلى جانب العراق الذي وصل حجم التبادل التجاري بينه وبين إيران سبعة مليارات دولار خلال عام 2018، كما ترتبط كل من قطر والكويت بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع إيران. لكن كيف يمكن أن تتضرر تلك الدول من الأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن؟
يرى هادي افقهي الديبلوماسي الإيراني السابق والخبير في الشؤون الإيرانية أن العراق ربما يكون أكثر الدول المتضررة من الأمر "لأنه بحاجة إلى إيران على مستوى الطاقة والغاز والسلع والتبادلات المصرفية ولذلك حصل على استثناء من العقوبات الأمريكية على الدول المتعاونة مع إيران" بحسب ما قال في مقابلة مع DW عربية.
أما الدكتور غسان العطية رئيسُ المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية في لندن فيرى أن الإمارات ستكون أكبر المتضررين من تصاعد الأزمة واحتمالات نشوب حرب أمريكية- إيرانية خاصة أن الإمارات تعاني من ركود اقتصادي وهي دولة تستضيف عدداً هائلاً من الإيرانيين يقدر بنحو 800 ألف شخص يستثمر الكثير منهم مليارات الدولارات"، مضيفاً أن "كل ذلك يتطلب حلاً سريعاً بدلاً من عملية المراوحة في المكان والحصار الذي أضر بكل الأطراف".
مضيق هرمز.. وأزمة بترول متوقعة
مع اعتزام الولايات المتحدة الوصول بصادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، مؤكدة أنها إن لم تتمكن من تصدير نفطها للخارج فلن يصدر أحد من دول المنطقة نفطه عن طريق هرمز.
وبحسب هادي افقهي الخبير في الشؤون الإيرانية فإن الولايات المتحدة فشلت في خنق إيران بالعقوبات الاقتصادية المتتالية ما دفعها لسلوك طريق آخر وهو التلويح بالتصعيد العسكري من خلال تحريك عدد من القطع البحرية إلى الخليج، لكنه أكد على أن الأمر لن يتجاوز التهديدات فالحل العسكري غير وارد "لأن المنطقة برمتها ستتضرر بشدة، وفي المقابل فإن إيران صبرت كثيراً على التحرشات الأمريكية بها وبشركائها وزبائنها فكان لابد من أن تتحرك"، مشدداً على أنه "على الجميع أن يعلم إيران لن تستسلم لهذه الضغوط وأنها لن تكون الوحيدة التي ستتضرر من تبعات تعقد المشهد في المنطقة".
ورغم تعهد السعودية والإمارات للولايات المتحدة بتعويض النقص الذي قد يحدث من منع إيران تصدير البترول إلا أن أفقهي يرى أنه أمر غير منطقي ولن يحدث "فإيران تنتج يومياً مليون و 300 ألف برميل بترول وفق تعهداتها لأوبك، فكيف يمكن لهاتين الدولتين مضاعفة إنتاجها لتصل إلى هذا الرقم" متوقعاً أن تحدث أزمة كبرى في سوق البترول العالمي جراء ذلك.
حلفاء أمريكا في مرمى إيران؟
وعلى الرغم من تأكيد الولايات المتحدة لحلفائها الخليجيين أنها تضمن أمنهم وسلامتهم من إيران، إلا أن القلق يعتري هذه الدول اذا ما نشب نزاع عسكري في المنطقة من أن تطالهم ردة فعل انتقامية من جانب إيران قد لا تكفي القوة الأمريكية لمنعها.
ويستبعد الدكتور غسان العطية رئيسُ المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية أن تغلق ايران مضيق هرمز أو أن تنجح أمريكا في "تصفير" تصدير البترول الإيراني. لكنه يرى
سيناريو أكثر كابوسية، فنتيجة للتحركات العسكرية الأمريكية والتي قد تصل إلى مرحلة التحرش "قد تنشب حرب بين البلدين نتيجة ضرب باخرة أو إسقاط طائرة وقد يكون رد الفعل الإيراني هو ضرب مواقع في دول خليجية حليفة لأمريكا مثل مواقع تحلية المياه أو محطات إنتاج النفط في منقطة شرق الخليج" ما يعني تعرض دولة الإمارات والسعودية لضربات انتقامية إيرانية.
ويتزايد الخوف من هذا السيناريو مع وجود الكثير من الصقور في الإدارة الأمريكية الحالية "ما يخشى معه حدوث تصعيد وبالتالي الانزلاق إلى صراع مسلح".
أما هادي افقهي الدبلوماسي الإيراني السابق فيستبعد هذا السيناريو مدللاً على ذلك بأن دول الخليج كانت تدعم صدام حسين في حربه ضد إيران طيلة ثماني سنوات ولم تتعرض لأذى من بلاده، لكنه أكد على أنه إذا ما شنت أمريكا هجوماً من أي أرض أو قاعدة عسكرية "فلا فرق عندنا من أي مكان أطلقت النيران فلنا كامل الحق في الرد عليها بدون الالتزام أو الالتفات إلى أن هذا البلد صديق لنا أو عدو، فالأصل في الحرب هو الرد بالمثل"، مؤكداً على أن" اللعب بالنار في الخليج الفارسي ليس مجرد نزهة، فالكل سيتضرر ودخان البنادق سيعمي عيون كل المشاركين في الأزمة".
عماد حسن