طرابلس تُحضّر لانفجار كبير ... ولا مَن يسألون!
فادي شامية
الواقع في طرابلس (لبنان) أوضح من محاولات الإخفاء، وأظهر من نفي السيد حسن نصر الله و"تأكيده وجزمه" أن حزبه لم يسلح أحداً في عاصمة الشمال (مقابلته الأخيرة على قناة المنار بتاريخ 24/10/2011). المسلحون في طرابلس، سواء القدامى منهم أو المستجدون يتكلمون بألسنتهم ويهددون بالسلاح من يعنيه الأمر، بأنهم باتوا على أهبة الاستعداد. والمربع الأمني الممتد من الزاهرية-التل-التبانة بات مدججاً بالسلاح والشبيحة في ظل حكومة ابن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي!.
التأمل في المشهد العام وتصريحات الشخصيتين الأكثر تورطاً في العبث بأمن طرابلس؛ يوضح ما يجري. الرئيس بشار الأسد قال بوضوح تام لصحيفة صنداي تلغراف البريطانية "إن أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها" (30/10/2011) وطبيعي أن الحريق الذي يهدد به الأسد سيمتد إلى لبنان، أول وأقرب المرشحين لا سيما عاصمة الشمال. أما السيد حسن نصر الله ففصّل أكثر عبر "المنار" بقوله: "نتيجة للتحولات الحاصلة بالمنطقة العربية وانهزام المشروع الأميركي... هناك تحول بالرأي العام اللبناني ومن جملته في الشمال"، هذا التحول في الرأي العام في الشمال –وفق توصيف نصر الله- يعني اقتراب مجموعات جديدة من "حزب الله"، أي من الحزب الذي جعل منذ العام 2005–على الأقل- السلاح جزءاً من الحياة السياسية وتوجهات الرأي العام.
الوقائع في الشمال، وخلافاً للصورة التي رسمها نصر الله، تظهر تصاعداً شعبياً في الغضب على "حزب الله" وحلفائه وليس تحولاً نحوهم، وهو أمر اعترف به نصر الله نفسه وبالمقابلة نفسها -ويا للمفارقة- عندما قدّر الظروف الصعبة التي يمر بها ميقاتي، و"إحراجه (من قبل خصومه) بالاعتبار الطائفي والمذهبي وبالوضع الدولي (في موضوع المحكمة)".
غير أن موضع الشكوى ليس سعي "حزب الله" الحثيث لاختراق الشارع السني، كحق طبيعي له في السياسة، وإنما اختراقه عسكرياً والعبث بأمنه، وهو ما تؤكده الوقائع، والتوتر المتصاعد كل يوم؛ ذلك أن مسلحي حركة "التوحيد الإسلامي" بجناحيه، شعبان ومنقارة، ليسوا مجرد مؤيدين لـ "حزب الله" يدعمونه باللافتات والخطابات فقط. ومجموعة الموري التي تصادمت مع أهالي الزاهرية الأسبوع الماضي ليست "إنتلجسيا" سياسية. وثورة الأهالي على واقع مسجد أبي القاسم بالزاهرية لم تكن لأسباب عقدية ولا فقهية، وإنما لأن المسلحين المرتبطين بـ "حزب الله" قد حولوا المسجد إلى مستودعٍ للأسلحة، فقام سكان المحلة بطردهم، وسحب وصايتهم وسلاحهم من المسجد. وغضبة الناس على الشيخ هاشم منقارة ليست لأنه يواجه المشروع الأميركي، بل لأن الشيخ المبجل شارك في إحدى المهرجانات التي ينظمها النظام السوري تأييداً لنفسه في سوريا، حيث ألقى منقارة خطبة في وجوب دعم الأسد، في الوقت الذي كان يهتف فيه بعض الشبيحة قرب المنصة "لا إله إلا الأسد" (استغفر الله العظيم)، فحصل هرج ومرج حول وداخل المسجد، تدخل الجيش على أثره (يحضر الأهالي اليوم عريضة لرفض إمامة منقارة وخطابته في المسجد)، علماً أن منقارة ليس وحيداً من بين السياسيين من فريق 8 آذار الذي ينتقل إلى سوريا. (لنتخيل سيل الكلام عن التدخل في الشأن السوري لو حصل العكس وقام مسؤول في تيار "المسقبل" مثلاً وخطب في حشد معارض للرئيس السوري داخل سوريا!).
كما أن المجموعة الجديدة المسماة "أنصار المقاومة" بقيادة يوسف البشلاوي ليست حركة سياسية تدرّس "فقه مواجهة المشروع الأميركي"، بقدر ما هي مجموعة من المرتزقة الذين يتقاضون 300 دولار أميركي فما فوق من "حزب الله"، بهدف تكريس واقع المشروع الإيراني في مدينة ظلت إلى وقت قريب عصية على مثل هذا الاختراق. أما المجموعات التي ترسلها دورياً حركة "التوحيد" بجناحيها فهي لا تذهب لتتلقى دروساً في علم السياسة، وإنما لتتدرب في البقاع على استعمال السلاح. وبكل أسف، فقد انضم وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي إلى منظمي حملات التدرب والتسلح، فأرسل مؤخراً مجموعة خاصة بحزب "التحرر العربي" للتدرب على على السلاح لدى "حزب الله".
الوقائع لا تقتصر عند هذا الحد؛ فمنذ مدة ليست بالقصيرة تعيش أحزاب "البعث"، و"السوري القومي الاجتماعي"، و"الحزب العربي الديمقراطي"، و"التوحيد" بجناحيه، والمجموعات المرتبطة مباشرة بـ "حزب الله" أمثال مجموعة يوسف البشلاوي، ومحمود الأسود، وسمير الحسن (الأخير يقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت برعاية "حزب الله" المباشرة) تعيش حالة طوارئ تسلحية، والمقربون من هذه الأحزاب والجماعات يربطون هذه الحالة بالوضع في سوريا، وما يؤكد ذلك وصول عناصر سورية متخصصة بعمليات الخطف والاغتيال بقيادة السوري (أبو مجد) إلى شمال لبنان؛ استضافها "الحزب السوري القومي" ويقوم حالياً بالتنسيق معها، لتقصي أخبار عدد من الناشطين السوريين في لبنان والتعرض لهم، وعُلم أن في طليعة هؤلاء الناشط السوري السلفي لؤي الزعبي.
انتشار السلاح والمسلحين بهذا الكم المرعب ينبىء بالخطر، ويجعل الخوف على عاصمة الشمال مبرراً، إذ ليس ثمة ما يمنع في لحظة ما أن ينفلت الوضع بين الطرابلسيين وهذه المجموعات، وتتحول إلى مواجهات مسلحة، تكون فيها الغلبة للقوى المنظمة أكثر، أي للمجموعات إياها، ما سيجر موجات من التناحر المسلح لاحقاً على حساب المدينة وأهلها.