فخامة الرئيس ليس أول واصفيه بالجنون:
عون يقدم إقراراً ضد نفسه... ويحرج حلفاءه!
فادي شامية
مساء الاثنين؛ عشية اجتماع كتلة العماد عون النيابية، نشر تلفزيون الـ OTV وثيقة من وثائق ويكيليكس؛ وصف فيها الرئيس سليمان عون بأنه مجنون، وذلك في اجتماع مع السفير الأميركي جفري فيلتمان، في 2/12/2008.
في اليوم التالي، وخلال اجتماع كتلته النيابية؛ قال عون: "إن وثائق ويكيليكس أظهرت كيف يتكلم اللبنانيون على بعضهم، لكننا فخورون بكل شي قلناه لكل العالم... أنا لا أهاجم رئيس الجمهورية، ولكن هناك حديث نُقل عنه، فليتفضل ويتكلم بشكل مباشر كما أفعل أنا". أضاف: "لدينا محطة تلفزيون تنشر كل الوثائق حتى ينتبه كل شخص ولا يحمل الغسيل الوسخ للسفارات".
الرئيس ليس أول واصفيه بالجنون!
في الواقع؛ فإن فخامة الرئيس ليس أول من وصف عون بالجنون، فوثائق ويكيليكس أوردت النعت نفسه أو قريباً منه على لسان أكثر من شخصية لبنانية، فضلاً عن أن هذا الوصف متداول جداً في الصالونات السياسية؛ ولا بد أن عون نفسه يدرك ذلك (قال في المؤتمر الصحفي إياه: "يقولون إننا مجانين وخطرون").
ويبدو من سياق كلام المتكلمين- وهم من خصوم عون وحلفائه أيضاً- أن استعمالهم كلمة مجنون بحقه؛ هي أقرب إلى التوصيف منها إلى الشتيمة؛ وعلى هذا الأساس ورد على لسان القاضي المقرب إلى عون سليم جريصاتي قوله: "إن عون رجل مجنون"، وذلك في اجتماع ضمه والسفير الأميركي في بيروت جفري فيلتمان في 12/10/2007 (وثيقة نشرها موقع يقال نت).
حليف عون النائب سليمان فرنجية وصفه أيضاً بوصف قريب؛ وذلك عندما قال للسفير الأميركي فيلتمان بتاريخ 26/11/2007: "لقد درسنا سيكولوجية عون... وهو شخصية صعبة جداً" (وثيقة نشرتها صحيفة المستقبل).
وبالانتقال إلى الخصوم؛ نقرأ في وثيقة أخرى بتاريخ 21/7/2006 أن الرئيس أمين الجميل وصف عون أمام السفير فيلتمان؛ مراراً بـ "المتهوِّر والمريض والمجنون" وأضاف: "عون نسّق مع الموساد خلال الحرب الأهلية، وإنه يضع نفسه في تحالف مع حزب الله وسوريا اليوم، لأنه اعتقد بأنهما قدّما له الفرصة الأمثل لتحقيق رغبته القديمة في الفوز بالمقعد الرئاسي".
وفي وثيقة لاحقة؛ وصف الرئيس نجيب ميقاتي عون بـ "المجنون" و"النكتة" وذلك في اجتماع مع السفيرة الأمريكية ميشال سيسون، بتاريخ 21/1/2008 (نشرتها صحيفتي الجمهورية والمستقبل على التوالي).
وفي وثيقة أخرى؛ وصف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ميشال عون بالـ "مجنون الذي قد يدمر البلاد ليصبح رئيساً"، وذلك في اجتماع مع فيلتمان، في 16/11/2006. (وثيقة نشرها موقع يقال نت).
ويقدّم إقراراً ضد نفسه
يقول العماد عون في مؤتمره الصحفي الأخير؛ "نحن عندما نتعاطى مع سفير، نتعاطى معه من منطلق وطني، من منطلق سياسي. ونحن فخورون بكلّ ما قلناه للسّفير الأميركي والسّفير الفرنسي، وكل السفراء الآخرين من عرب وغير عرب"!.
ويبدو من هذا الكلام أن الحماسة قد أنست عون (عثوره على وثيقة استخدمها في وجه رئيس الجمهورية) أنه بكلامه هذا قدّم إقراراً ضد نفسه؛ لأن عون لا يسعه أن يؤمن بالشيء ونقيضه، فيصدق تالياً وثيقة ويكيليكس ثم يرفض وثيقة أخرى صادرة عن السفارة الأمريكية نفسها، بل السفير نفسه؛ ومعنى ذلك أن عون بتبنيه الوثيقة التي نشرها تلفزيونه، وبمطالبته رئيس الجمهورية بتوضيحات، واعتباره الرئيس –تلميحاً- قليل الوفاء؛ معنى ذلك أنه أقر بما جاء على لسانه وعلى لسان نوابه للسفير الأميركي.
وللمفارقة فإن ما أدلى به عون أو نُقل عنه؛ لا يتناسب أبداً مع ما اعتبره عون كلاماً "وطنياً"، فضلاً عن أن ما قاله عون للسفراء لا يدعو للفخر أبداً. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ قال عون لنائب رئيس البعثة الديبلوماسية الأميركية في باريس، أليكس وولف، بتاريخ 31/3/2005: "مسألة مزارع شبعا ليست سوى أعذار يستخدمها حزب الله" أضاف: "أنا أسعى إلى تفريغ صورة حزب الله المقدسة كمقاومة منتصرة على إسرائيل في عيون اللبنانيين والعرب على نحو تدريجي" (وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية في باريس نشرتها صحيفتي الجمهورية والمستقبل تباعاً). ووصفه بتاريخ 4/5/2005 أمام السفير الأميركي في باريس كل من: "وليد جنبلاط، وآل الحريري، والقيادات المسيحية التقليدية بـالمرتزقة" وبـ "أصحاب المصالح الشخصية الساعية وراء السلطة" (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية).
ثم قوله بعد انتقاله إلى لبنان، بتاريخ 1/5/2006، للسفير الأميركي في بيروت: "إن حزب الله بحاجة إليّ لا العكس" ووصفه كل من: سعد الحريري بالـ "الديكتاتور"، وسمير جعجع بالـ "المجرم"، وحليفه وئام وهاب بالـ "العميل" (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية).
وقوله، بتاريخ 30/5/2006، للسفير الأميركي في بيروت إنه "ثابت في دعمه القرار 1559 ونزع سلاح الميليشيات"، وقول صهره جبران باسيل–بحضور عون-: "السنّة هم الإرهابيون الحقيقيون لا الشيعة" (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية).
وقوله، بتاريخ 13/2/2006، أمام السفير الأميركي في بيروت: "حزب الله منظمة إرهابية تريد الخروج من الجمود" (وثيقة نشرتها جريدة المستقبل).
وقوله للسفير فيلتمان في 3/11/2006: "لست واقعاً في غرام حزب الله، ولكن إن عزلناهم ستكون ردة فعلهم عدائية والبلد لا يحتمل اشتباكات" (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية).
واتهامه، بتاريخ 21/12/2006، أمام السفير فيلتمان سوريا باغتيال الحريري (وثيقة نشرتها صحيفة المستقبل).
وقوله، بتاريخ 7/6/2007، أمام وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير: "أنا البطل الحقيقي الوحيد للسيادة اللبنانية، فإمّا أصبح رئيساً للجمهوريّة، وإمّا أعطّل النظام في شكل كامل" (وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية في باريس نشرتها صحيفة الجمهورية).
وقوله للسفير فيلتمان، بتاريخ 13/7/2007: "لا ألوم إسرائيل إذا شنّت حرباً جديدة على لبنان"! (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية).
فضلاً عن "المصائب" التي وردت على لسان نواب عونيين من قبيل؛ وصف النائب إبراهيم كنعان التفاهم مع عون بـ "الغلطة" (وثيقة نشرتها صحيفة المستقبل)، واعتراف صهره جبران باسيل والنائب كنعان بأن "عون يحرض ضد السنة والدروز لتعويض الخسارة في شعبيته" (وثيقة نشرتها صحيفة المستقبل)، إضافة إلى نقل الوزير شارل رزق عن عون وصفه أهل السنة بـ"الحيوانات" (وثيقة نشرتها صحيفة الجمهورية، وقد نفى عون ذلك في حينه) وغير ذلك كثير.
... ويحرج حلفاءه
أكثر من ذلك كله؛ فقد سبق لحليفي عون؛ "حزب الله" و"حركة أمل" أن تنصلا من تبنيهما السابق لوثائق ويكيليكس، بعدما انقلب "سحرها" عليهم، وأظهرت ما كان يقوله حلفاء الحزب أمام السفير الأميركي عنه، وعلى هذا الأساس صدرت المواقف المتضامنة مع الرئيس نبيه بري، بعدما نشرت صحيفة "المستقبل" عدداً من الوثائق التي يقول فيها بري كلاماً مختلفاً عن كلامه في الإعلام بحق "حزب الله"، لكن العماد عون –وربما دون أن ينتبه أيضاً- ضرب جهود المدافعين عن بري وغيره من حلفاء الحزب، عندما تبنى وثيقة الـ OTV، وطالب الرئيس بتوضيحات بشأنها، معقباً: "عندما نرى أنّ كل النّاس تنمّ وتشتم غيرها، أصدقاءً كانوا أم خصوماً، ولا أحد زامط، نلاحظ حالة التّعتير هذه، وحالة التّعاسة الّتي تُمارَسُ فيها السّياسة والدّبلوماسية اللّبنانية مع السّفراء!"
طريف هو تعامل قوى 8 آذار مع وثائق ويكيليكس؛ "حزب الله" محضها ثقته وراح يوزع أو يحجب شهادات الوطنية بناءً عليها، وصولاً إلى إعلان نيته برفع دعاوى بناءً لهذه الوثائق، فلما جاءه منها ما يسؤْه اعتبرها دساً رخيصاً، ومحاولة لإحداث الشقاق بين الشيعة (مع حليفه بري). والرئيس بري الذي نقلت الوثائق عن لسانه ما صدم اللبنانيين؛ سارع إلى اصطناع دليل لنفسه؛ هو عبارة عن محاضر صادرة عن معاونه السياسي (معلوم في القانون أنه لا يجوز لأحد أن يصطنع دليلاً لنفسه، وأن هذا الدليل لا حجة له)، أما عون فأراد بخفته المعهودة أن يمسح سجلاً طويلاً له في ويكيليكس، ثم يهجم على رئيس الجمهورية، بدعوى أنه وصفه بالجنون، ثم يدعي أنه –أي عون- لا يقول أمام السفراء إلا كلاماً وطنياً!!.