حتى لا يصبح التشدد خياراً: من يحمي الأكثرية من طغاة الأقليات..
بقلم . حسان القطب
الكثير من السياسيين والإعلاميين ورجال الدين في لبنان وسوريا يتحدثون عن التشدد والتطرف وعن ضرورة مواجهته ومكافحته، وعن خطورته وتداعياته ونتائجه، وبعضهم يحذر الانزلاق إليه، وآخرون يحذرون من وصول المتطرفين للسلطة حتى لا ينفجر الوضع السياسي والأمني في المنطقة مما يسمح بتدخل دولي وإقليمي في دول شرقنا العزيز، وحدوث فوضى تودي بالحياة السياسية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتؤدي إلى تفتيت النسيج العرقي والديني، والخبثاء منهم من يستغلون مخاوف بعض المواطنين في الداخل من أفكار وأطروحات بعض المتطرفين للتحريض عليهم أو لدفعهم لتجاهل أخطاء النظام وما يرتكبه والتمسك به والحفاظ عليه كخيار وحيد وأوحد رغم مساوءه.. ولتحذير الدول الغربية وغيرها وإفهامها بوضوح أنهم وحدهم ضمانة الاستقرار في المنطقة، ومحاسبتهم على سلوكهم والرغبة في تغييرهم أو التخلي عنهم معناه انتقال السلطة من أنظمة ديكتاتورية تحكمها أقليات دينية أو سياسية أو أحزاب حاكمة بسلطة مطلقة إلى المتطرفين يؤدي حتماً إلى انفجار الوضع الأمني في الداخل بين فئات المواطنين، وانشغال العالم أجمع بمكافحة الإرهاب وخطر التطرف الذي لا يعرف مكافحته سوى هذا القائد أو ذاك الديكتاتور..وهذا ما لا يرغب العالم أجمع في رؤيته أو حتى التعايش معه..
لكن لم يتحدث احد من هؤلاء عن أسباب التطرف ونشأته، وما هي العوامل التي تدفع بعض المواطنين سواء من عامة الشعب أو من المثقفين للانخراط في هذا النهج وسلوك هذا الطريق. أليست السياسات الظالمة التي ينتهجها هذا الحاكم أو هذا الحزب أو هذه الأقلية الدينية أو الأكثرية الدينية، هي السبب، فالتطرف ليس حكراً على الطائفة السنية كما ذكر البعض في خطبهم الأخيرة، وحركات التغيير الإسلامي وغير الإسلامي التي انخرطت في العمل السياسي ورفضت حمل السلاح في ثورة مصر أو في ثورة سوريا الناهضة اليوم لتحقيق التغيير المنشود نحو الديمقراطية والتعددية لا يمكن اتهامها بالتطرف ولا يمكن القول أن ما تعرضت له على امتداد سنوات من التغييب والتهجير والسجن والتعذيب وأحجام الإعدام بحق ناشطيها كانت بهدف إنساني وسياسي نبيل، بل من الضروري الاعتراف بأن هذه الحركات قد تجاوزت جراحها وآلامها وعذابات مؤيديها وانخرطت في ثورة سلمية تواجه أقلية دينية تحكم سوريا باسم العلمانية ومتحالفة مع دولة دينية مذهبية ديكتاتورية هي دولة إيران تؤمن لها الدعم والمساعدة للاستمرار في قمع شعبها وتأمين استقرارها والاستمرار في السلطة لا لخدمة شعب سوريا وطموحاته بل لتحكم من خلالها ليس شعب سوريا فقط بل لبنان والأردن وفلسطين أيضا؟ً؟؟
كما لم يتحدث أحد من هؤلاء عن التطرف من حيث مفهومه وطبيعة ممارساته، فالتطرف ليس ممارسة أو فعل تقوم به طائفة أو أتباع دين أو مذهب محدد بعينه أو مناصري حزب سياسي دون سواه.. منظمة (بادر ماينهوف) الأوروبية مارست التطرف والعمل الإرهابي في دولة ألمانيا الغربية إبان فترة الحرب الباردة في السبعينات وهي تحمل الفكر اليساري الماركسي.. ومنظمة الألوية الحمراء مارست التطرف ونفذت تفجيرات في اليابان لسنوات خلال القرن المنصرم.. وحزب الدعوة الإسلامي الشيعي مارس التطرف والعمل العسكري ضد نظام البعث في العراق قبل وخلال عهد صدام حسين، بهدف تغيير النظام وتحويل العراق إلى دولة دينية، واليوم قد ارتضى هذا الحزب أن يتسلم بالفعل السلطة في العراق ورئيس وزراء العراق الحالي هو نوري المالكي أحد قادةحزب الدعوة في العراق .. وحكومته جاءت تحت وصاية الدبابات الأميركية وتحظى برعاية بريطانية وموافقة ودعم إيراني وصمت مطبق نحو المالكي وحزبه من قبل حزب الله اللبناني الذي يحارب الشيطان الأكبر وحلفائه في لبنان وسوريا والكويت والبحرين وغزة، إلا في العراق..
وإذا كانت حركات التحرر في سوريا حركات إرهابية وهي لا تملك ميليشيا مسلحة، إرهابية أو أنها تشجع التطرف، فما هو تقييم وتوصيف حركة بدر الشيعية المسلحة، وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وحزب الله في العراق..؟؟ أليست كلها حركات مسلحة وذات طابع ديني ومذهبي..؟؟ وكيف اتفق أنها لا تشكل خطر على الأقليات الدينية في العراق ودول الجوار بينما حركات الانتفاضة السورية وضعها مختلف..؟؟ أليس حزب الله في لبنان هو حزب ديني ويمثل قوة ضاربة لأقلية دينية في لبنان والمنطقة وسبق له أن قام بعمليات على أراضي الدول العربية وفي الكويت تحديداً خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي (مصطفى بدرالدين)واستعمل السلاح في الداخل لحماية السلاح.. وهو يعلن صراحةً تأييده لنظام سوريا ومظاهرات البحرين والحوثيين في اليمن ويؤيد سياسات إيران في المنطقة مهما كانت تداعياتها..؟؟ ولو كان الشعار العلني المرفوع وهو(المقاومة) فقط لما كان هناك من ضرورة ليتورط هذا الحزب أو غيره في مواقف من هذا النوع .. إذ إن مشروع المقاومة لا يتطلب تأييد الحوثيين في اليمن أو معارضتهم وكذلك البحرين ونظام سوريا.. اللهم إلا إذا كان هناك تقاطع ديني ومذهبي وسياسي بين هذه الحركات وأهداف التحركات.. والموقف الإيراني من سوريا والذي اتخذ بعداً دينياً ألا يعتبر إشارة خاطئة للشعب السوري والدول المحيطة..حيث..(أكد المرجع الإيراني ناصر مكارم شيرازي ضرورة مساعدة سوريا لدعم الاستقرار في البلاد من أجل إفشال ما أسماه "المخططات الإجرامية")..في فتوى تؤكد أن دعم سوريا واجب ديني..كما ذكر المصدر..
فمن هو إذاً من يعطي الشعور والانطباع بأن ما يجري في المنطقة من انتفاضات ضد الظلم والقهر والديكتاتوريات والأحزاب الشمولية، هي حركة دينية طائفية ومذهبية تستهدف طائفة أو دين أو عرق.. من هو اللبناني أو العربي الذي لا يعرف ظلم النظام السوري وجبروته وديكتاتوريته..؟؟ اللبناني والفلسطيني هو أكثر من يدرك عظيم معاناة الشعب السوري، ملف المفقودين اللبنانيين والفلسطينيين في السجون السورية هو خير دليل على الظلم الذي عاشه الشعبين نتيجة سياسات هذا النظام، والمؤيدين له والمدافعين عنه إنما يخافون أن يفتح هذا الملف، لأنهم كانوا شريك جدي وفاعل في رسم وتنفيذ سياسات هذا الحزب وسلطته.. الترهيب من خطورة وصول المتطرفين إلى السلطة لا يمنعه ولا يوقفه سواء قيام نظام تعددي يحقق العدالة ويحترم إنسانية الإنسان ويحفظ كرامة المواطن وحقوقه.. وما نراه على شاشات التلفزة من اعتداءات على المواطنين في سوريا والعبارات المؤلمة التي تستعمل تدفع الناس للتطرف وبشدة، فما هي أهمية الطلب من مواطن أو طفل معتقل يضرب بشدة ليقول (ربي الأسد) سوى دفع الناس للتطرف وتصوير أن الصراع ديني، أو تحويله إلى ديني.؟؟ رغم أن معظم الشعارات والتصريحات واليافطات التي ترفع من قبل المتظاهرين تنادي بالحرية والعدالة والمواطنة واحترام حقوق الإنسان.. وإقامة الدولة المدنية التعددية التي تحترم الأحزاب والإعلام الحر وتعمل على إنشاء دولة مدنية.. التطرف ليس فكر أو عقيدة، كما انه ليس دين.. بل فعل يمارس كردة فعل على ظلم أو قهر أو حرمان يطال شعب أو فئة أو شريحة عرقية أو دينية أو أثنية، أو قد يستهدف أحزاب سياسية ومناطق جغرافية معينة.. وقد تمارسه أية مجموعة من تلك الأنفة الذكر..
ألا يؤدي تهديم المساجد في سوريا إلى تأجيج الصراع الديني..؟
ألا يؤجج اتهام المتظاهرين في سوريا بالعمالة والتآمر وهم المطالبين بحريتهم في دولة ذات سيادة من قبل وسائل إعلامية محسوبة على دولة إيران بتصعيد التوتر وتأجيج الصراع.. ألا يعتبر اتهام الشعب السوري بالانخراط في مؤامرة على فلسطين ووحدة الأمة العربية محاولة لتسخيف تضحياته واستهتاراً بشهدائه سواء على جبهات الصراع في الجولان أو في الداخل في مواجهة آلة القتل الرسمية.. ألا يظن من يروج الإشاعات والفبركات الإعلامية عن تدخل خارجي ومؤامرة خارجية على نظام سوريا استهزاءاً بمطالب الشعب السوري وتطلعاته المشروعة.. ألا يعتبر أن الحديث عن وجود سلاح غير شرعي في سوريا من قبل إعلام حزب الله وحركة أمل قمة السخافة وهم من يملك ترسانة من الأسلحة غير الشرعية.. ألم نأخذ العبرة بعد من أن حكم الأقليات لا يمكن أن يشكل ضمانة، وأن سيادة الدولة والقانون والعدالة الاجتماعية والتعددية هي وحدها الضمانة للجميع.
لذلك لا بد من القول: أن طغيان الأقلية ومفهوم الأقلية وحماية الأقليات وتحالف الأقليات، لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار ولو امتلكت الأقلية السلطة كما في سوريا والسلاح كما في لبنان، لأن ما شاهدناه وعشناه هو طغيان هذه الأقلية على الأكثرية بحجة حماية وجودها واستقرارها وضمان بقائها.. وهذا غير صحيح البتة.. فالخوف لا يعالج بالظلم، والاستقرار لا يتوفر بالدولة الأمنية ولا بالسلاح، وإذا كانت الأقليات خائفة على مصيرها فهو بسبب ممارسات بعض قادتها الذين يضعونها في مواجهة الأكثرية لحماية مكتسباتهم ونفوذهم، ولأن الضغط يولد الانفجار وبما أن الحماية لم تتوفر للأكثرية من طغيان وفساد الأقلية، ولأن البعض يروج لتحالف الأقليات ويعبر عن الخوف من الأكثرية مطالباً بسيطرة واستمرار حكم الأقلية رغم بطشها وفسادها، فإن من الممكن أن يتحول البعض فعلاً إلى التطرف نتيجة هذه التصريحات والمواقف والممارسات..وحينها من يحمينا من بعضنا البعض، ومن يكون سبباً في تأمين المناخات والظروف المناسبة للتدخل الدولي...؟؟
حسان القطب