لبس ثوب الثورات العربية المجيدة:
عن رمضان المختلف الذي مضى!
فادي شامية- 3/9/2011
في رمضان من كل عام؛ نتجاوزُ حدود الأنانية لنشعُرَ مع المحتاج. ونتخطى سياج الأثرة لنعطي الفقير. ونحطم قيود البخل فنتبرع لفعل الخير. فيه يفرح المجاهدون في الأرض المباركة، والصامدون في بيت المقدس وأكنافه؛ يجمعون في نهاره الصومَ والجهاد، وفي ليله السجود والرباط. يضحك له اليتامى والمحرومون لعلمهم أنه صدقة الزمن الكريم على حالهم، وفُرجة فقرهم الممنوحة بالعطاء المستور. يلّوح له المظلومون لكي يرجع قبل أن ينفذ الزاد الذي نفخه في أرواحهم ليواجهوا الألم بالأمل، وقسوة القهر بصلابة الصخر. ينتظره الصغار لمعرفتهم أن آخرَه العيدُ والعيدية والنزهة والثوب الجديد.
غير أن رمضان هذا العام لم يكن كغيره من بقية شهور العام، ولا بقية ما مضى من أعوام. لقد بقي شهراً للصيام والعتق من النيران، غير أنه لبس في ذروة الحر ثياب ربيع العرب، ومدّ في مسيس الاحتياج عزيمة الثوار ليقهروا التعب، وشهد في أحط مراحل الظلم عظمة خير أمةٍ أخرجت للناس، وقد أَزلفت نزعتُها نحو الحرية انعتاقاً من قيود الانحطاط.
في رمضان 1432هـ؛ تعانق وخز الجوع والعطش مع ألم الجَرح والموت. ونزيفُ الدماء أصعب من ترك الماء. وفيه ترافقت كلَ ليلة عبادة القيام بعبادة التظاهر. والقولُ للظالم يا ظالم أفضل عند الله من طول الدعاء. وفيه ترادف انتظار العتق من النيران بانتظار العتق من الطغيان، وقد نثر الثوار دماءهم وأشلاءهم وعروقهم كي لا يعود رمضان القادم إلا وقد أشرق في دنيا العرب فجر جديد. ومجاهدة الطغاة أفضل الجهاد عند الله؛ فسيدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه...فقتله. (أي جعله الله مع سيد شهداء أهل الجنة).
في رمضان 1432هـ؛ حطم ثوران الشعب الصنم الثالث؛ المعمر الآتي من جهنم في سرت. عميد الطغاة رحل، من حادّ الله ورسوله وأنبياءه والصحابة والدعاة، ومن أجرم في حق شعبه والإنسانية، ومن صيّر أمتنا أضحوكة في عيون البشرية، وقد صار مع كتابه الأخضر في الأذلين، ما أغنت عنه كتائبُه انفجار القهر والإذلال، ولا حمته المرتزِقةُ من يوم كالح أفرح المظلوم والمعذب، ولا أهملته السنّة الإلهية بعدما أمهلته اثنتين وأربعين عاماً، ثم جعلته لمن حوله ومن بعده آية.
في رمضان 1432هـ؛ صمنا بإرادتنا عن الطعام والماء وصام إخوان لنا أياماً بلياليها عن كسرة خبز بغير إرادتهم حتى قتلتهم المجاعة، فلا هم يأكلون في يوم رمضان ولا هم يفطرون في مسائه، وقد قتلَهم قبلَ ذلك بعض الغلاة الذين أسموا أنفسهم مجاهدين، مرَقوا من الدين كما يمرُق السهم من الرمية، وهم ما زالوا يحتربون، ويمنعون الإغاثة، والصوماليون يموتون جوعاً. شهد رمضان أنهم ليسوا على شيء مما يرضاه لنا ربنا، وقد شرع لنا الدين لينير حياتنا، لا ليعتم عقولنا قبل الدروب.
في رمضان 1432هـ؛ رأينا في لبنان الزور نضيداً، مركبَ الطبقات، لم يكذب المجرم فحسب، بل أجبر بريئاً على قول الزور، لينسب إلى نفسه فعلاً شنيعاً لم يرتكبه، ثم عمد إلى قول الزور فاتهم البريء، ثم اتهم مجموعة أصولية، ثم ارتأى اتهام العدو، ثم تفجر الزور لديه، فاتهم الضحية بالزور، ثم فجَر فطالب بمحاكمتها على زورٍ، أفكه عليها، ونبينا يقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ أن يدع طعامَه وشرابه"، فكيف يقبل منه بعد هذا صيام أو قيام أو وعظ للناس؟!.
في رمضان 1432هـ؛ صار الشعب السوري مثابةً في عيون الأحرار، منها يتعلمون الصبر والإصرار، وفيها يتمثلون الإرادة والتضحية، وقد عرّت ثورتهم الكذابَ الأشر، من أثواب العروبة والممانعة والمقاومة، حتى بات عارياً يرغب عنه الناس ويسحبون سفراءهم، وقد أغرق نفسه بنجاساتٍ ما سبقه إليها الطغاة من قبل، ولا الأعداء من بعد. سفّاح الشام ما زال يغرق في سوء عمله، ودفق الدم ما زال نضّاخاً في مسك معطره... والسقوط يقين في علم السياسة، وفي فقه المآلات.
رمضان 1432هـ كان مميزاً حقاً، وقد كتب أن سعيدنا من صام وصلى وختم القرآن وتبرأ من الظلم وقول الزور وساعد إخوانه المنكوبين والمهجرين بمال أو دعاء أو موقف، وأن شقينا من ظلم أو ناصر الظالم واحجم عن الخير بقول أو فعل، ولو صام وصلى أو لم يفعل.