التشبيح قائم في موضوع التعامل مع العدو أيضاً!
فادي شامية
قد يبدو غريباً امتداد "التشبيح" القائم في لبنان اليوم إلى موضوع التعامل مع العدو أيضاً، لكن الواقع الذي تظهره الوقائع يؤكد ذلك.
فايز كرم: غطاء عون أهم لـ "حزب الله"!
في 3/8/2010 أوقفت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد المتقاعد فايز كرم، بعد مراقبة دقيقة. وسرعان ما أقر الرجل بالتهم المنسوبة إليه، فأعلن العماد ميشال عون تنصله منه، معتبراً أن من بين تلامذة السيد المسيح نفسه من سقط في الخيانة!، ثم ما لبث أن غيّر عون موقفه تدريجياً، وصولاً إلى اعتبار كرم سجيناً سياسياً، واتهام "شعبة" المعلومات بـ "فبركة" التهمة له، مستفيداً من الصمت المطبق لـ "حزب الله"!.
وإزاء استمرار الدعاية السياسية التي تدين الأجهزة الأمنية والقضائية لصالح تبرئة كرم، وبعد انطلاق المحاكمة بحضور نواب من التيار العوني، هتفوا في عدة جلسات -من داخل المحكمة- لكرم، كما لو كان مناضلاً قومياً، وبعدما سقطت سرية التحقيقات بانطلاق المحاكمات، عرضت بعد وسائل الإعلام وثائق موقعة من كرم نفسه إلى كل من زوجته هند كعدي (4/8/2010 أقر فيها بالتهم طالباً منها السماح)، وابنه وجيه (6/8/2010 كرر اعترافه فيها، راداً السبب إلى عون الذي "تناسى أنني ضحيت معه").
في 27/7/2011 انعقدت الجلسة الأخيرة لمحاكمة كرم قبل إصدار الحكم، فحضر النواب العونيون، و"طالبوا" القضاء بالإفراج عن كرم للدلالة على مصداقيته، وهتفوا من داخل المحكمة بحياة العميد كرم، "حبيب الجماهير"، ولما أجلت المحكمة جلسة النطق بالحكم شهراً إضافياً، ثار النواب العونيون الكرام، وأعلن باسمهم نبيل نقولا: "سقوط القضاء، والقانون، وحتى سقوط الحكومة التي كانت على المحك اليوم في هذا الموضوع"!.
وإذا كان من المفهوم دفاع عون عن أحد أقرب المقربين إليه، خصوصاً أن إفادته ورسائله المنشورة تطال عون نفسه، فإن المستغرب أن يقدّم "حزب الله" إرضاء حليفه "الإسترتيجي" على وضع حد –ولو بكلمة- لأسلوب التهويل والضغط على القضاء وعلى الجهاز الأمني الذي أوقف كرم، علماً أن أسلوب "حزب الله" الإعلامي مغاير تماماً في الملفات المشابهة (كما سيظهر لاحقاً)!
ملف فايز كرم بات يشكل نموذجاً بارزاً –غير وحيد- على عقلية "التشبيح" التي امتدت إلى موضوع العمالة لـ "إسرائيل".
حسن مشيمش: "التشبيح" السوري جاهز!
في 7/7/2010 أوقفت السلطات السورية الشيخ حسن مشيمش (من بلدة كفرصير الجنوبية) أثناء دخوله الأراضي السورية آتياً من لبنان، بتهمة العمالة لـ "إسرائيل". لم تتحرك الدولة اللبنانية للسؤال عن مواطنها، لأن "حزب الله"، الذي جهّز ملف الاتهام لا رغبة له بذلك (سبق أن قدّم معلومات عنه لجهاز أمني لبناني)، فبقي الرجل إلى يومنا هذا سجيناً، بلا محاكمة!.
ولتثبيت التهمة على الرجل وإحراج أهله وأهالي قريته الذين تحركوا للسؤال عن مصيره، سرّب "حزب الله" إلى صحيفة "الأخبار" ما يشبه "مضبطة اتهام" بحقه، مع زعمٍ –تبين أنه غير صحيح- مفاده أن جهازاً أمنياً لبنانياً أرسل المعلومات المتعلقة به إلى السلطات السورية التي أقدمت على توقيفه!، وكأن للسلطات السورية صلاحية قانونية لاعتقال مواطن لبناني وإبقائه رهن الاحتجاز بلا محاكمة سنة كاملة!.
ملف مشيمش شكّل نوذجاً لـ "التشبيح" في طريقة التوقيف، والأهم أنه حالة فاقعة لترهيب المعارضين، لأن الرجل، الذي شغل سابقاً موقع مساعد الأمين العام لـ "حزب الله" وممثلاً له في الخارج (كثير من قيادات "حزب الله "اليوم من تلاميذ أو رفاق مشيمش، الذي أمضى 12 سنة من عمره في الحزب)، سبق أن تعرض لضغوط وتهديدات كثيرة، بعدما ترك الحزب، ودأب على انتقاده سياسياً (تهكمه المسجل على الحزب بعد خسارته الانتخابات النيابية على سبيل المثال)، وفكرياً (نقضه طروحات فكرية راسخة: مقاله -على سبيل المثال- في "النهار" بتاريخ 18/2/2009 بعنوان: "ليست كل أرض كربلاء ولا كل يوم عاشوراء").
اللافت في ملف مشيمش أنه شيخ معمم ينتمي إلى "اللقاء العلمائي المستقل" عند توقيفه، ومع ذلك لم يتحرك "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، المرجعية الشرعية للمشايخ الشيعة، كما لم يحصل الشيخ أحمد طالب رئيس "اللقاء العلمائي" على جواب لدى توجهه إلى السلطات السورية للسؤال عن مشيمش، كما لم يتحرك الرئيس نبيه بري الذي تربطه صلة بمشيمش... كما لم يتحرك رئيس الجمهورية لدى مناشدته من قبل ذوي مشيمش... الجميع تجنّب إغضاب "حزب الله"!.
محمد علي الحسيني: التشهير قبل الإدانة جائز بحق المعارضين!
في 24/5/2011 أوقفت مخابرات الجيش السيد محمد علي الحسيني، "أمين عام المجلس الإسلامي العربي"، بتهمة العمالة للعدو الإسرائيلي. بعد أيام قليلة على التوقيف سرّب "حزب الله" لصحيفة "السفير"، مضبطة الاتهام التي قدّمها لمخابرات الجيش بغية توقيفه، وفيها رصد "اتصالات للحسيني مع أرقام هاتفية مشبوهة"، وأنه "أتلف في وقت سابق من العام 12 خطاً هاتفياً عائداً له"، وأن "مصادر تمويله وطبيعة زياراته إلى العديد من الدول الأوروبية والإقليمية تدفع إلى الريبة".
وعلى الأثر انطلقت على وسائل الإعلام التابعة مباشرة لـ "حزب الله" حملة تشهير قوية بالرجل، وكما لو بات مداناً، مع الترويج أنه اعترف تارة، وأنه يلوذ بالصمت تارة أخرى (نفت زوجته في مقابلة صحفية ذلك)، وقد شارك في هذه الحملة الأمين العام لـ "حزب الله" نفسه، حيث قال في 24/6/2011: "هناك رجل دين موقوف عند مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، والكل يعرف أن هذا الشخص ليس له علاقة بحزب الله، وهو يعلن العداء لحزب الله، وكان كل يوم يصدر بيانات يهاجم فيها حزب الله وإيران وسوريا" (تؤكد عائلة الحسيني أن صلة قوية كانت تربطه في سنوات الدراسة الشرعية بنصر الله شخصياً).
في 13/8/2011 أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قراره الظني في ملف الحسيني، فمنع عنه المحاكمة وقرر تركه حراً لعدم كفاية الدليل!.
ملف الحسيني شكّل نموذجاً إضافياً لـ "التشبيح" في تسويق الاتهام وتبنيه وفي احتكار المقاومة، ذلك أن الرجل، بغض النظر عن خصومته لـ "حزب الله"، يعلن ليل نهار أنه "مقاومة عربية ضد إسرائيل"، وأنه يعد مقاومين، وقد سبق أن أعلن عن "مناورة" كبيرة لهذه الغاية، فيما اعتبر "حزب الله" أن وجود أسلحة في بيته، أحد أدلة الاتهام ضده!، في موقف سلوك يعكس عدائية لأي "مقاوم"، حتى لو كان ينتهج "الإستراتجية الدفاعية" نفسها الذي يعتمدها "حزب الله" ويطلب من اللبنانيين الإذعان لها!.
من ينتمي لـ "حزب الله" لا يخضع للقضاء... ولو كان عميلاً!
في 24/6/2011 اضطر السيد حسن نصر الله إلى الظهور إعلامياً، ليتناول موضوع اكتشاف ثلاثة عملاء ينتمون لـ "حزب الله"، بعدما انتشرت الأخبار بشأنهم –وتضخّمت- لدى جمهور الحزب، كما في الإعلام.
ركّز نصر الله في خطابه على أهمية الاكتشاف، كبديل عن الحديث عن فضيحة السقوط، ولدفع الإحراج عن نفسه باعتباره سبق أن قال في 16/7/2010 أن: "جسم المقاومة منزّه عن الاختراق"، قال نصر الله: "لدينا حالتا علاقة مع الـCIA، وحالة ثالثة ما زلنا نتثبت من علاقتها بالـ CIA أو بجهاز مخابرات أوروبي أو بالموساد...". أي أنه وضع عمالة اثنان منهم لدى المخابرات الأمريكية وليس الإسرائيلية، رغم أنه نفسه قال في الخطاب إياه: "المعلومات التي طلبها ضباط الـ CIA من هؤلاء الشباب هي معلومات لا تهم الإدارة الأميركية بقدر ما هي تفاصيل عسكرية وأمنية تهم إسرائيل"!.
حصل توقيف هؤلاء العملاء الثلاثة على أيدي الجهاز الأمني التابع لـ "حزب الله"، كما التحقيق والإعلان المقتضب عن الاعترافات، ولا يزال إلى اليوم مصير هؤلاء العملاء الثلاثة مجهولاً، ولا يُعرف من هي الجهة التي حاكمتهم أو ستحاكمهم (بعد التوقيف، قال حليف "حزب الله" النائب مروان فارس لمحطة MTV في 27/6/2011 أن "حزب الله سيسلم الموقوفين إلى القضاء اللبناني عندما ينتهي من التحقيق معهم، لأنَّهم أصبحوا أشخاصاً عاديين")، علماً أن سلوك "حزب الله" تجاه من يوقفهم جهازه الأمني من غير المنتمين إليه، يقوم على أساس تسليمهم لمخابرات الجيش بعد انتهاء الحزب من التحقيق معهم (خلافاً للقانون لأن "ضرورات وجود المقاومة" لا تمنح شرعية للحزب لتوقيف المشتبه بهم)، أما سلوكه مع المنتمين إليه فيبدو أنه مختلف... ولو كانت التهمة هي العمالة للعدو!.
وكان سبق لـ "شعبة" المعلومات أن نبهت "حزب الله" إلى وجود ثلاثة مشتبه بهم في صفوفه في العام 2009، دون أن تقدم بنفسها على توقيفهم، لأن الحزب رفض ذلك متعهداً بالمقابل إجراء تحقيق داخلي معهم، ولدى مراجعة "شعبة" المعلومات بشأنهم، رد مسؤول أمن الحزب وفيق صفا بالقول: "انسوا الموضوع فنحن نتابعه"، وإلى اليوم ليس لدى اللبنانيين جواباً قطعياً حول براءتهم سوى قول أمين عام "حزب الله": "أجرينا تحقيقا قوياً ودقيقاً، وتأكدنا من خطأ هذا الاتهام" وذلك في معرض نفي الاشتباه بين الثلاثة الذي أوقفهم الحزب وبين الثلاثة الذين اشتبهت بهم "شعبة" المعلومات.
السلوكية المتقدم تعني أن من ينتمي لـ "حزب الله" لا يمكن توقيفه لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية بتهمة العمالة، كما لا يمكن عرضه بعد توقيفه -من قبل "حزب الله"- على القضاء، فالحزب وحده من يتولى هذا الأمر، وهو وحده صاحب المصداقية لإخبار اللبنانيين من هو البريء، ومن هو المتهم، ومن هو المدان في صفوفه! علماً أن محكمة "حزب الله" غير قابلة لأي طريق من طرق النقض، لأنها ليست جزءاً من النظام القضائي اللبناني.
اللافت أن الحزب طالب الدولة اللبنانية -على أثر توقيفه عناصره الثلاثة- بـ"إقفال وكر الجاسوسية في عوكر"، بناءً على "مصداقيته" هو فقط، دون أن يقدّم أي دليل على هذا الاتهام في العلن أو للأجهزة الأمنية!، بل إن معلومات -لم يتسنَ التأكد منها بعد وإن كانت محتملة بقوة- تقول إن نتائج تحقيقاته انتقلت إلى إيران، بعدما توسع التحقيق مع محمد الحاج (ابو تراب) ليشمل قضية اغتيال عماد مغنية.
اللافت أيضاً؛ أن "حزب الله" الذي يطلب من المحكمة الدولية أدلة قطعية مباشرة على تورط أربعة عناصر لديه متهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لا يقدّم للبنانيين عناصره المتهمين -من قبله- بالعمالة للعدو، ولا حتى يقدّم أجوبة عن التساؤلات المتعلقة بهم أو الأدلة التي أفضت إلى اعتقالهم!.
الإشاعات التي سيسألنا عنها الله!
في خطابه الذي كشف فيه عن العملاء الثلاثة قدّم السيد نصر الله الموعظة الآتية: "المطلوب أن يخاف الناس من الله، بالنهاية في الدنيا لا يوجد من يحاسب، لكن يوم القيامة كلنا سنقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وسيسألنا: أنت عملت إشاعة على فلان، وأنت على فلان، وأنت على فلان، وأنت اتهمت فلان، هذه الأمور سنُسأل ونحاسب عليها يوم القيامة".
هل انتبه السيد نصر الله إلى أن سلوكية حزبه أحوج ما تكون إلى هذه الموعظة؟!، إذ عدا فايز كرم وعملاء الحزب الثلاثة، لا يكاد يمر ملف متهم بالعمالة، يمكن الاستفادة منه سياسياً، إلا نجد إعلام الحزب قد سارع إلى الإدانة وتسريب الإشاعات بشكل منظم، وما ورد أعلاه لا يشكل إلا نماذج بسيطة، ولعل ما تعرض له رئيس مصلحة الاستثمار الدولي في وزارة الاتصالات ورئيس قطاع الاتصالات الدولية في هيئة أوجيرو ميلاد عيد أبلغ الدليل، حيث وصلت الإدانة الإعلامية للرجل وبث المعلومات عن "اعترافاته الخطيرة"، إلى حد المسلمات التي بنى عليها "حزب الله" نظرية اختراق العدو لشبكة الخلوي (لغايات معروفة ذات صلة بالمحكمة الدولية). حصل ذلك كله فيما كان عيد موقوفاً، ومجرداً من أية جهة تدافع عنه، إلى أن برّأه القضاء بالكامل من أية شبهة عمالة (قرار قضائي صدر بتاريخ 27/7/2011).
أي إساءة تصيب مشروع المقاومة (مبدؤها والقناعة بها) عندما تصبح الجهة التي تحتكرها عنوة عاريةً أخلاقياً بهذا الشكل!!.