المشروع الإيراني الشيعي بالمنطقة العربية في طريقه للانهيار
حسَّان القطب: التغيير في سوريا له وقع إيجابي على لبنان
حوار/ سارة علي
مع اشتعال الثورة ضدّ النظام السوري برئاسة بشار الأسد، بات التأثير قويًا في المستقبل القريب على لبنان، إذا أنَّ التغيير في سوريا سيكون له وقع إيجابي مباشر على لبنان، فضلاً عن انهيار المشروع الإيراني لبناء "مثلث شيعي" في المنطقة العربيَّة، تكون قاعدته لبنان ورأسه سوريا، وبالتالي فإنَّ تأثير الربيع العربي على لبنان يكون الأكبر إذا ما سقط بشار الأسد.
حول مجمل هذه القضايا ومدى تفاقُم الوضع الأمنِي في سوريا ومع تزايُد الاحتجاجات والتظاهرات والمطالَبة الدولية بضرورة تنحِّي النظام الحاكم وتأثير ما يحدث على الخارِطة السياسية في لبنان ودور الحليف الإيراني في الإبقاء على الهلال الإيراني الممتَدّ من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان, كان هذا الحوار مع حسَّان القطب، مدير المركز اللبناني للأبحاث والدراسات في بيروت .
*برأيكم انعكاس الثورات العربية على الوَضْع في لبنان, وهل تَعْتَقِدون أنَّ الثورات يُمْكنُها أن تَطال دولاً أخرَى؟
إنَّ طبيعة الكيان اللبناني وتَعدُّدِيّته الطائفية والمذهبية والسياسية تجعله عُرْضةً للتأثُّر بكلِّ ما يجري في مُحِيطه العربي من تغيُّرات وتحوُّلات؛ فالطائفة الشيعية في لبنان اندفعت لتأييد النظام العراقي الجديد الذي تسلَّم السلطة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، وتجاهل هذا الفريق خطورةَ هذا الاحتلال وأهدافه، باعتبار أنَّ هذا الاحتلال سوف يُهيِّئ لتغيير واقع السلطة العراقية وانتقالها من حزب البعث العراقي إلى القوَى والمجموعات الشيعية العراقية، وهو الفريق عَيْنُه الذي يُدين ويَسْتَنْكِر كافة ما مارَسَه وارْتَكَبَه البَعْثُ العِراقِي وأَسَّس لهذا الأمر (لجنة اجتثاث البعث) من الحياة السياسية العراقية والمؤسسات الإدارية والحكومية، إلا أنه في سوريا يُؤيّد حزب البعث السوري ويتجاهَل ما يجري في سوريا من قمعٍ وقتلٍ وسجنٍ وتعذيبٍ.. فمواقف بعض القوى اللبنانية تكون نتيجة ارتِباطِها بمحاور إقليمية أو دولية ترَى في تطور حضورها وقوتها تعزيزًا ودعمًا لها، ولذلك فإنَّ المتغيرات في المنطقة العربية تترك أثرَها على الواقع اللبناني وحتّى على علاقة بعض القوى اللبنانية بالمكوّنات الأخرَى للكيان اللبناني.. ولكن يُمْكِنُ القول إن تغييرات حقيقية تَنعكس على الواقع اللبناني، وأهمها تَداعِي وانهيار حضور وقوّة الفريق الذي تَدعُمُه سوريا في لبنان وتزايُد ارتباط القوى المرتبطة بإيران؛ كونها الملاذ الأخير لدعم ومساندة هذا الفريق ماديًّا ومعنويًّا..
أمَّا موضوع انتقال الثورات من وطنٍ عربيٍّ إلى آخر فهي قَضِيّة مُخْتلَفٌ فيها؛ لأن أسباب الثورات العربية التي شاهدناها إلى اليوم في كلٍّ من تونس وليبيا وسوريا واليمن تكاد تكون مُتشابِهَة؛ فالمتظاهرون لا يَرفَعُون شعارات مَطْلَبيّة وخدماتية، رغم الواقع المعيشيِّ الصعب، ولكن يَرْفَعُون شعارات تُطالِب بالتحوُّل من الديكتاتورية ونظام الجمهوريات الملكية التي يَتوارَث فيها الأبناء سلطة الآباء باسم النظام الجمهوري، إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ تعدُّدي وإطلاق الحريات الإعلامية والسياسية.. وسيناريو الثورات هذا قد يَنْتَقِل إلى كلِّ كيانٍ يعانِي شعبُه من واقعٍ مُشابِهٍ..
*الاحتجاجات المستمرّة في سوريا والمطالبة بتغيير وإسقاط الحكم في سوريا, ما هو السيناريو المتوقَّع للوضع السوري, خاصةً بعد الموقفين؛ الأمريكي والسعودي بخصوص الوضع المتفاقم في سوريا؟
الاحتجاجات الشعبية في سوريا التي تُنادِي بإسقاط النظام كانت في حَجْمِها وقُوّتها وصمودها مفاجأةً للجميع، والتراخِي الدولي والعربي في الالتفات إلى الواقع السوري المأساوِيِّ وحجم القمع الدمويِّ الذي تُمارِسُه السلطة الرسمية السورية بحقِّ شعبها، هذا التجاهُل لم يستمرَّ؛ نتيجة الحراك الشعبي السوري المتصاعد، والمواقف العربية المندِّدة والشاجِبة لهذه الممارسات بدأت تأخذ طريقها الصحيح، والمجتمع الدولي الذي كان سَبَّاقًا في إدانة الممارسات السورية قد بدَا بتطوير موقفِه الداعمِ للحراك الشعبي السوري ومطالبه بالتغيير السلمي والديمقراطي.. أمَّا الموقف الأمريكي وعلى غرار مَوْقِفه من الأزمة الليبية، فقد استفاد من تجربته في احتلال العراق فأصبح يتهيَّب التدخُّل المباشر في تفاصيل الأزمات والانتفاضات والثورات العربية؛ فهو يدفع باتِّجاه موقف عربيٍّ وتركيٍّ مُوحّد لمعالجة الوضع السوري والضغط بكل قوّة لتحقيق التغيير ومطالبة بشار الأسد بالتنحِّي عن السلطة، لذلك كان الموقف السعودي الذي طالَ انتظاره يحمل في طَيَّاته موقفًا صارمًا يؤكّد الرغبة في تحقيق التغيير في سوريا بإجماعٍ عربيٍّ ورغبة ورعاية دولية.. وتَشْبِيه رئيس وزراء تركيا أردوغان للوضع في سوريا بالوضع الليبيِّ قبل تدخُّل حلف الناتو، فيه تأكيدٌ على الرغبة الدولية في تأمين تحقيق مطالب الشعب السوري في التغيير ولو عن طريق القوَّة..
*هل تعتقدون أن الشعب اللبناني يتعاطف مع الموقف الشعبي السوري, أم أنه يؤيِّد الموقف الرسمي خاصةً وأن الحكومة اللبنانية تؤيِّد الموقف الحكومي السوري بوصفها حكومة شيعية؟
الانقسام اللبناني لا يَخْفَى على أحد وهو كما أسْلَفْنا نتيجة التعددية الطائفية والمذهبية في لبنان وشعور كل فريق بأنَّ قوَّته وحضوره السياسي إنَّما يستند إلى قوَّة هذه الدولة أو تلك.. ولكن معظم الشعب اللبناني مؤيِّد ومتعاطِفٌ مع رغبة الشعب السوري في التغيير، وقد عانَى الشعب اللبناني بكلِّ فئاته وطوائفه ومُكوّناته من الممارسات القمعية السورية خلال فترة الوصاية السورية على لبنان.. والقوَى المؤيدة لسوريا في لبنان مُرْبِكة وغير قادرة على حشد تأييد شعبي لدعم النظام السوري، بما في ذلك الحزبان الشيعيان؛ حزب الله وحركة أمل.
*إذا ما حدث تغيُّرٌ في سوريا, برأيكم كيف سيكون تأثير ذلك على الوضع في لبنان وهل سيَطْمَح الشعب اللبناني إلى إحداث تغيير مماثل؟
التغيير في سوريا سيكون له وقْعٌ إيجابي على الوضع اللبناني، فالقوَى المؤيِّدة لنظام سوريا الحالِي ستجد نفسها في وضع يَمنعُها من فرض شُرُوطها ووصايتها على السلطة اللبنانية وسيتوقّف تهريب السلاح والعتاد من سوريا إلى لبنان، مما يَفْرِض على هذه القوى إعادة النظر في مواقفها وسلوكها وأدائها وهذا ما لاحَظْنَاه في مواقف النائب الدُّرْزِي وليد جنبلاط الذي يَنْتقِل من ضفّة إلى ضفّة بحسب تطورات الأوضاع في المنطقة العربية وبالتحديد في سوريا، وحزب الله الداعم الأكبر لسوريا ونظامها سيكون عليه إعادة النظر في سلوكه وأدائه السياسي وبالتأكيد سوف تسقط هذه الحكومة التي جاءت بقرارٍ سوريٍّ وبتأثير ميليشيا حزب الله.. والشعب اللبناني يَتُوقُ لبناء دولة قويةٍ قادرةٍ على إدارة شؤونه والتخلُّص من سلاح وميليشيا قوَى الأمر الواقِع التي زَرَعَتْها سوريا ليبقى لبنان بؤرةَ صراعٍ وساحةً لتصفية الحسابات..
*مع تفاقم الوضع في سوريا ونزوح الكثير من السوريين إلى لبنان, ما هو مستقبل هؤلاء اللاجئين خاصة إذا ما طال الوضع الراهن في سوريا, وهل تتوقَّعون عودةً حاليةً لهؤلاء اللاجئين خاصةً وأنَّهم يُعانُون من نقصِ الخدمات المقدَّمة لهم في لبنان؟
اللاجئون السوريون في لبنان هم بين أهلهم وإخوانهم ومعظمُهم هو في ضيافة أقارب لهم من اللبنانيين، والجمعيات الأهلية اللبنانية تَقوم بكلِّ ما يلزم لرعاية شؤون هؤلاء الوافدين من سوريا إلى لبنان، أمَّا العودة إلى سوريا فهي رهن تبدُّل الأوضاع ووقف مسلسل القتل والاعتقال والتعذيب، وهناك الكثير من العائلات السورية التي لَجَأت إلى لبنان تقوم بالبحث عن عملٍ في القطاعات التي تُحْسِنُ العمل فيها..
*هل تعتقدون أنَّ الحليف القوَى لسوريا المتمثل بإيران سوف يكتفِي بالتفرُّج إذا ما حصل تغيير للحكم في سوريا، خاصةً وأنَّه سيَفْقِد أقوى حليفٍ له في المنطقة العربية؟
النظام الإيراني الذي سعَى ويسعَى لتشكيل محور ممتدٍّ من طهران وصولاً للبحر المتوسط عبر بغداد ودمشق وبيروت، يَشعُر بخطورة تفكُّك وانهيار مشروعه في حال سقَطَ النظام السوري، وهو يقدِّم كلَّ أشكال الدعم المادي والمعنوي لهذا النظام المتهالك، وكذلك حليفُه في لبنان حزب الله، ولكن النظام الإيراني يدرك أنَّه لا يستطيع خوض حربٍ دفاعًا عن النظام السوري، لذلك فهو يُساعِدُه على أمل إطالة أَمَدِ الأزمة السورية وتَعْمِيق جراح الأُمّة العربية، التي تُعاني من أزماتٍ في معظم دولها، والنظام الإيراني يشعر أنه مع كل أزمةٍ جديدةٍ في عالمنا العربي فإنّ كأس المواجهة المرّة بينه وبين المجتمع الدولي حول مَلفِّه النووي سوف يطول أمده..
*كيف تنظرون إلى قيام إيران بتوجيه أوامر إلى الحكومة العراقية الممثّلة بالمالكي بدفع مبالغ كبيرة لدعم الموقف السوري الحكومي لإحباط استمرار الاحتجاجات ولقمع التظاهرات في سوريا؟
من الطبيعي أن يقوم النظام الإيراني بالطلب من المالكي بدعم نظام سوريا للحفاظ على تماسُك وترابط الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، والمالكي الذي عاشَ فترةً في بيروت كمقاتلٍ في حركة أمل الشيعي إبَّان حرب المخيّمات التي شنّتها حركة أمل على الفلسطينيين في العِقد الثامن من القرن الماضي، يدرك ضرورة تَجاوُبه مع هذا الطلب لخدمة المشروع الآنف الذكر..
*هل تعتقد أنَّ الموقفين الصينيِّ والروسي المؤيّد للنظام الحاكم بسوريا سوف يتغيّر تحت الضغط الدولي, وهل يمكن أن يكون للمجتمع الدولي موقفًا أكثر حزمًا تجاه الحكومة السورية؟
الموقف الصيني والروسي هو موقفُ لا أخلاقي ويتناقض مع أبسط المبادئ الإنسانية، ولكن من خلال التجارب والأحداث السابقة، فإنَّ موقف هذين البلدين سوف يتحوَّل ويتبدَّل مع تطوُّر الأحداث، لحماية مصالحهما التجارية وتجاوبًا مع الموقف الدولي الذي بدأ بالتطوُّر لصالح الضغط باتِّجاه تحقيق التغيير في سوريا..
*يُصوّر البعض من المحللين أنَّ الاحتجاجات والتظاهرات في سوريا مُقْتَصِرة على أبناء المذهب السُّنّي من أبناء الشعب السوري, هل تعتقد أنَّ هذا الأمر صحيحٌ أم أنَّ كثيرًا من أبناء الشعب السوري من مذاهب وطوائف أخرىَ غير راغبين ببقاء نظام الحكم الحالي في سوريا ؟
الظُّلم غير مبرَّر وغير مقبول، والحركة الاحتجاجية الشعبية في سوريا تضمُّ مختلف مكونات المجتمع السوري، ومن يسعَى لتصوير الحركة الاحتجاجية على أنَّها حركة ذات لون واحد، فإنَّما يهدف لإخافة الأقليات الدينية والمذهبية من الطائفة السُّنّية وتحريضها على الالتفاف وتأييد النظام الحالي والمطالبة ببقائه. ولكن واقع الحال مختلف تمامًا؛ فعائلة الأسد وحاشيتها هي المستفيد الوحيد من هذا النظام والمطالبة بتحقيق التعددية السياسية والحزبية وإطلاق الحريات الإعلامية فيه مصلحة لكل الطوائف والمذاهب والكيانات السياسية دون استثناء وليس للطائفة السنية فقط.
*الشعب السوري- كما هو واضحٌ- مُصمِّم على التغيير, هل تعتقد أنَّ النظام الحاكم في سوريا سيَزيد من حجم القوة المستخدمة لقمع الشعب, أم أنَّه يمكن أن يَلْجَأ إلى سياسة التفاهُم؟
النظام السوري يعتبر أنَّ نهايته قد أزِفَتْ بمجرد قبوله بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، لذلك فهو لا يملك سوَى الخيار الأمني والاندفاع أكثر فأكثر نحو المواجهة مع الشعب السوري ومحاولة إرهابه وإخضاعه، لذلك فإنَّ الحديث عن تفاهم أو محاولة تطبيق بعض الإصلاحات هو مجرَّد ذرّ للرماد في العيون، لذلك على الشعب السوري مواصلة كفاحه ونضاله وجهاده لتحقيق التغيير والانتقال إلى مجتمعٍ مدنيٍّ غير أمني وتحقيق التطور والاستقرار والنمو الاقتصادي المنشود..
*هل تعتقد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ستَدْفَع إلى اتِّخاذ خطوات مماثلة لِمَا حدَث في ليبيا أم أنَّ الأمر سيكون باتجاه آخر, وما هو برأيكم التوجُّه الذي يمكن أن تَلْجَأ إليه أمريكا في سوريا؟
الولايات المتحدة أعلنت وعلى لسان وزيرة خارجيتها مطالبتها السعودية وتركيا بتحمُّل مسؤولية الطلب من بشار الأسد التنحِّي، فهي تسعَى للنَّأْي بنفسها عن أيِّ تدخُّل مباشر في الساحة السورية مستفيدةً من تَجارُبِها السابقة في العراق وأفغانستان. وتُبْقِي لنفسها حركة الضغط في المحافل الدولية وبرّ مؤسساتها المالية على النظام السوري بتطبيق عقوبات مالية واقتصادية ودعوة المجتمع الدولي لملاقاتها في هذا الشأن والتعاون معها.. ولكنها كما يبدو سوف تكون مؤيدة وداعمة لأيِّ تحرُّك تقوده الدول المجاورة لسوريا وعلى رأسها تركيا برعاية عربية ودولية ..