معتقلو السلفية يدخلون على خط التجاذب السياسي اللبناني
فادي شامية 27-7-2011
عاد ملف الإسلاميين المسجونين في لبنان إلى الواجهة السياسية والإعلامية، هذه المرة، على خلفية إطلاق - وليس اعتقال - مجموعات من المسجونين الإسلاميين. وبما أن المعركة محتدمة في لبنان اليوم بين من يريد إسقاط الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي مبكراً، وبين من يريد إظهار مساوئ المرحلة الماضية وتعويم الحكومة الحالية بالإنجازات؛ فقد تلقّى هذا الملف ثقلين نوعيين؛ الأول: يخدم واقع المسجونين الإسلاميين، والثاني: يخدم فريق الأغلبية الجديدة، لا سيما الجانب المسلم منه.
المرحلة الجديدة في حسابات الإسلاميين
فيما يتعلق بواقع المسجونين الإسلاميين؛ فإنهم يأملون أن تؤدي التغيرات السياسية في لبنان إلى تحريك ملفاتهم نحو الأمام وتحقيق مطالبهم المزمنة؛ وأهمها:
أولاً: تسريع المحاكمات: إذ يوجد نحو 260 مسجوناً لم يحاكموا بعد، بينهم نحو 36 أوقفوا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتوجب العدالة إطلاق سراحهم، لأنهم لو أدينوا فإن المدة التي قد يحكمون بها لا تتعدى مدة التوقيف.
ثانياً: تخفيف الأحكام: وهذه ذات صلة بالتوصيف الجرمي من ناحية، وبالأخذ بالأسباب التخفيفية من جهة أخرى، علماً بأن أهالي المسجونين الإسلاميين سبق أن طالبوا بعفو عن أبنائهم، وتخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، لا الحكم بأقصى العقوبة من دون الأخذ بأسباب تخفيفها.
ثالثاً: إخلاء السبيل: وهي حالة قانونية للمتهم، ينال بموجبها السجين إخلاءً لسبيله، ريثما تبت المحكمة بملفه، أو تبت المحكمة الأعلى (محكمة التمييز) بطلب تمييز الحكم، لا سيما من قضى ثلاثة أرباع العقوبة.
رابعاً: وقف الحملات: وهذه تشمل الاتهامات بحق الإسلاميين وتحميلهم جرم كل ما لا يُعرف فاعله، وتشمل أيضاً ظروف التوقيف من حيث تصوير أوضاعهم للرأي العام على أنها مميزة عن باقي المساجين، وتشمل أيضاً الارتباطات السياسية بهذا الفريق أو ذاك، خلافاً للحقيقة.
وفي الواقع؛ لم يتحقق الكثير على هذه الأصعدة، لكن ثمة تباشير توحي بالتفاؤل:
1. ثمة وعود قوية بإطلاق مجموعة من الموقوفين بلا محاكمة، لا سيما من لم يتورّط منهم بقتال الجيش اللبناني في معارك نهر البارد (ملف تنظيم "فتح-الإسلام")، وذلك خلال الأيام القليلة القادمة، حيث يضغط فريق الرئيس نجيب ميقاتي وحلفاؤه جدياً في هذا الاتجاه.
2. وعَد وزير العدل الجديد شكيب قرطباوي بالعمل على تسريع المحاكمات، وتخطي العقبات اللوجستية والأمنية في الموضوع.
3. أُخلي سبيل عدد من الموقوفين الذين أمضوا ثلاثة أرباع العقوبة، بعد تمييز الحكم الصادر بحقهم، بموجب قرار من محكمة التمييز العسكرية وهم؛ نبيل رحيم وسمير الأيوبي وعثمان التركماني.
4. توقفت الحملات الإعلامية على الموقوفين الإسلاميين، والتي كانت تتخذ من ربطهم بـ "تيار المستقبل" قاعدةً لها. وغالباً ما كانت الهجمات الإعلامية تتم من خلال إعلام تيار ميشال عون، لكنها توقفت اليوم، لأن مصلحة الأغلبية النيابية الجديدة تكمن في إيجاد حلفاء في الشارع السنّي؛ يساهمون في تقوية موقع الرئيس ميقاتي، وليس في استفزاز هذا الشارع، ما سينعكس سلباً على ميقاتي.
وفي حسابات الأغلبية الجديدة
فيما يتعلق بواقع الأغلبية النيابية الجديدة وحلفائها في الشارع السني؛ فإن ملف الموقوفين الإسلاميين يفيدهم من جهتين:
أولاً: التقرب من شريحة لا بأس بها من الطائفة السنية؛ هي شريحة الإسلاميين السلفيين تحديداً، من خلال التخفيف من معاناة المسجونين وأهاليهم، لا سيما أن أكثرهم لم يحاكم، أو أنه حُكم بعقوبات قاسية.
ثانياً: تحقيق إنجاز للرئيس نجيب ميقاتي وحلفائه، من باب إظهار نتائج سياسته وسياسة سلفه سعد الحريري؛ للقول إن الرئيس ميقاتي أنجز في ملف المسجونين الإسلاميين فيما اكتفى الحريري ببيع الوعود والكلام.
في الشق الأول تمكّن الرئيس ميقاتي من استمالة جانب لا بأس به من التيار السلفي؛ أقله لجهة إحداث فارق في الموقف من الحكومة الجديدة بين هذا التيار السلفي وبين الحريري. ولعل أحد الأدلة على ذلك المواقف الأخيرة لمؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال، الذي حيّد في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام الرئيس ميقاتي عن أي هجوم، معطياً حكومته فرصة للعمل قبل الحكم عليها، ثم إبلاغه صحيفة "السفير": "أننا ننتظر ونراقب خطوات الحكومة على قاعدة الحكم وفق الدليل والبيّنة، وسنتخذ الحكم النهائي بعدما تتضح لنا هذه الخطوات" (25/7/2011).
ولا شك أن شخصية الرئيس ميقاتي كمتديّن، وإحاطة نفسه بعدد من الإسلاميين بصفة مستشارين أو معاونين، وإنفاقه من خلال جمعيته "العزم والسعادة" على أوساط دينية متعددة، وحرصه على التواصل المباشر مع شخصيات إسلامية، وإرساله مؤخراً سيارة خاصة لتقل الشيخ نبيل رحيم من سجنه إلى بيته، ثم الاجتماع به لاحقاً... لا شك في أن ذلك كله يسهم في تحسين موقع ميقاتي لدى التيار السلفي في لبنان عموماً، وفي طرابلس والشمال خصوصاً.
نتيجة لهذا الواقع يميز الإسلاميون في لبنان اليوم بين ميقاتي؛ الشخص المقبول لديهم، وبين حكومة ميقاتي المتهمة لديهم بأنها وليدة تفاهم سوري - إيراني، كما يميزون بين "نوايا" ميقاتي السياسية وبين "نوايا" حلفائه؛ سواء "حزب الله" أو "التيار الوطني الحر" وسواهما.
أما فيما يتعلق بملف المسجونين الإسلاميين؛ فالقناعة العامة لدى الإسلاميين أن كلا الفريقين؛ 8 و14 آذار قد ظلم الإسلاميين، وأدخل عذاباتهم في أتون التجاذب السياسي والإعلامي، وذلك بمعزل عن الموقف الإيجابي أو السلبي من الرئيس الحريري أو الرئيس ميقاتي.
أما الشق الثاني المتعلق بحسابات الأغلبية الجديدة، والمتعلق بتحقيق إنجاز ينعكس ارتياحاً في الشارع السني لصالح حكومة ميقاتي، فالشواهد عليه كثيرة، وهي تبدأ بالتعريض بفشل الحريري في إطلاق سراح الموقوفين بلا محاكمة، ولا تنتهي عند تحميله وفريقه السياسي مسؤولية ما تعرض له الموقوفون الإسلاميون.
ويلفت في هذا المجال التناغم بين مقاربة "حزب الله" لهذا الملف، ومقاربة حلفائه السنة والمسيحيين أيضاً، خلافاً لمقاربة سابقة حمّلت الإسلاميين مسؤولية الاضطرابات في لبنان ووصلت إلى حد اتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نفسه.
ووفق الدعاية الجديدة التي اعتمدها "حزب الله" فإن الحريري هو المسؤول عن بقاء مجموعات كبيرة من الإسلاميين في السجن، على ما جاء في الخبر الذي وزعه الحزب على حلفائه، لمناسبة إطلاق سراح نبيل رحيم ومحكومَيْن آخرين، حيث جاء في هذا الخبر أنه: "بعد سنوات من التوقيف السياسي، وبعدما تأكد بأن سبب عدم الإفراج عنهم خلال حكم الرئيس السابق سعد الحريري يعود إلى عدم تعاون قادة القوى السلفية مع مشروع الحريري ولمخالفتهم في الرأي والمعتقد" أُفرج عن "عدد من كوادر التيار السلفي، الذين تم توقيفهم بتهم ما يسمى بتنظيم القاعدة وفتح الإسلام وهؤلاء كانوا قد اعتقلوا على يد عناصر فرع المعلومات بتهم نسبت إليهم بأنهم يعملون على تجنيد العناصر، واستئجار الشقق السكنية في لبنان". (موقع إذاعة النور- حركة التوحيد- تيار المردة...).
وفي موقف آخر قال أمين عام "حركة التوحيد الإسلامي" بلال شعبان: "يجب أن نستبدل أكثرية سجن رومية (تيار المستقبل) بالأكثرية الحكومية (الأكثرية الجديدة)، التي تريد أن تُعيد طرابلس إلى وجهها الحقيقي"!. (موقع حركة التوحيد الإسلامي- جناح شعبان).
"المستقبل" يتحدث عن الاستغلال السياسي
منذ أن بدأت دعاية فريق 8 آذار - سابقة الذكر- اعتبر تيار "المستقبل" ما يجري "حفلة استغلال سياسي"، وقد كانت أوضح المواقف في هذا الإطار تلك التي أطلقها النائب السابق مصطفى علوش، التي اعتبر فيها أن "توقيت الإفراج مريب"، وهو موقف لم يحظ بارتياح الإسلاميين عموماً.
وينطلق "المستقبليون" في مقاربتهم لهذا الملف من واقعة سابقة تتعلق بالشيخ عمر بكري، المعروف بهواه "القاعدي"، ومع ذلك أطلق سراحه بكفالة، بعد ساعات من توقيفه لدى المحكمة العسكرية، بعدما استنجد بالسيد حسن نصر الله الذي أوكل له محامياً أحد نواب الحزب، وقد انقلبت مواقف الرجل منذ ذلك الحين، في دلالة واضحة على مدى نفوذ "حزب الله" لدى المحكمة العسكرية، ما يناقض الأخبار التي يبثها "حزب الله" عن توجيه تيار "المستقبل" للقضاء لـ "عدم الإفراج عن الموقوفين الإسلاميين في زمن حكومة الحريري".
كما يركز "المستقبليون" على أن من أُطلق سراحهم حتى الآن؛ إما أمضوا محكوميتهم كاملة (مجموعة تفجير الماكدونالز)، وإما أمضوا ثلاثة أرباع المدة (مجموعة نبيل رحيم)، أما من لم يحاكموا بعد فإنهم لم يُطلقوا، وإن كانت الوعود قوية بذلك، لكن هؤلاء - من وجهة نظر "المستقبل"- كانوا محط اهتمام التيار وموضع مطالبته بإطلاقهم.
ويذكر النائب خالد الضاهر (المستقبل) بأن "عدد أفراد هؤلاء الموقوفين لدى المجلس العدلي نحو 36 موقوفاً، وقد سبق أن حملنا قضيتهم وزُرنا - وأحمد الحريري والمحامي محمد المراد- مدعي عام التمييز سعيد ميرزا، للبحث في سبل إطلاقهم، خصوصاً أنهم لم يشاركوا بقتال الجيش اللبناني في أحداث نهر البارد" (خاص "إسلام أون لاين").
وعلم "إسلام أون لاين" أيضاً أن كتلة نواب "المستقبل" تبنت في اجتماعها الأخير الإضاءة على جهود تيار "المستقبل" سابقاً، دعما لتظلم الموقوفين الإسلاميين، وذلك في مواجهة الحملة الإعلامية من الفريق المضاد، فضلاً عن تكثيف التواصل مع التيار السلفي.