ما معنى أن يتظاهر النظام السوري تأييداً لنفسه!
فادي شامية
يقيم النظام السوري بين أسبوعٍ وآخر تظاهرات تأييدٍ لنفسه؛ فيُجبر الموظفين الرسميين -أو العاملين في شركات رامي مخلوف والعائلات المرتبطة بالنظام- على النزول إلى الشارع، معززَّين بعناصر الشبيحة وطلائع البعث والحزبيين، ليرد على الشارع المعارض بشارعٍ موالٍ، وبأعداد أكبر وتغطية إعلامية أجود، وليقول للعالم إن الشعب السوري يحب بشار الأسد، وإن المعارضين ليسوا إلا مجموعات مندسة أو مخدوعة، في أحسن الأحوال. لكن النظر بالعمق في معنى أن يتظاهر النظام السوري تأييداً لنفسه يظهر أنه ينتقل من سيئ إلى أسوأ، ومن ضعفٍ في الحجة إلى ما هو أضعف منها.
أولاً: في كل مرة تخرج فيها فاعلية تأييدٍ للنظام؛ تظهر أياديه وراءها، لجهة جمع الحشود وتنظيم شعاراتها وراياتها، وموقع تجمعها وساعة انصرافها، والقوى الأمنية المحيطة بها (في تظاهرة التأييد الأخيرة في 18/7/2011 في ساحة الأمويين في دمشق، وضع النظام منصة لمجموعة من المطربين الذين غنوا تمجيداً لبشار الأسد!). وهكذا، يبدو كل شيء منظماً وكأن جهةً خرجت إلى الشارع تأييداً لنفسها، ما يؤكد استبداد النظام وشموليته، وتالياً استبعاد أي قيمة تمثيلية حقيقية للتظاهرات التي يقيمها النظام. (نظام البعث السابق في العراق كان ينظم تظاهرات بالملايين تأييداً لصدام حسين، وقد تبين بعد سقوط النظام أنه لا يملك بالحد الأقصى 10% من هذه الشعبية الزائفة).
ثانياً: تؤكد هذه التظاهرات زيف دعاية وجود المندسين، لأنه لو كان المندسون موجودين فعلياً، لكان الأوْلى بهم الاندساس في تظاهرات التأييد للنظام بهدف تخريبها، وطالما أن تظاهرات التأييد للنظام لا تحصل فيها ضربة كف واحدة، فهذا يعني أن مقولة: "المندسون" ليست أكثر من دعاية سياسية كاذبة.
ثالثاً: تُبين تظاهرات التأييد للنظام أنه هو المسؤول عن قتل المدنيين؛ لأن المتغيِّر في كلا التظاهرتين، المؤيدة والمناهضة، هو الموقف السياسي من النظام، فيما عناصر الأمن موجودون في الحالين، لكنهم يحمون تظاهرة التأييد ويقمعون تظاهرة الاحتجاج، ما يعني أن المسؤول عن قتل المحتجين هو النظام نفسه.
رابعاً: تضع تظاهرات التأييد للنظام دعايته السياسية أمام تناقض فاضح؛ لأنه دأب على القول إن وجود ألف أو مئة ألف متظاهر ليسوا شيئاً أمام 23 مليون سوري صامتين، ولكن بالمنطق نفسه، فإن وجود مئة ألف أو مليون متظاهر ليسوا شيئاً أمام 23 مليون سوري خائفين، مع فارق هام أن من يتظاهر ضد النظام يستعد لأن يرش بالنار، فينوي الشهادة قبل التوجه إلى التظاهر، أما من يتظاهر لتأييده، فإنه يعرف أنه سيرش بالورد، أو على الأقل لن يتعرض له أحد بالأذى.
وفي كل الأحوال فإنه ليس من المنصف أبداً مقارنة أعداد المشاركين في تظاهرات التأييد والتنديد، فهذه المقارنة لا تكون مؤشراً على توجه الرأي العام إلا عندما تتساوى حرية كلا الفريقين، وإلا فإن المعادلة الصحيحة أن كل متظاهر ضد النظام يساوي ألفاً يؤيدونه، لسبب بسيط هو أنه مشروع شهادة، وقلة قليلة جداً فقط من الناس من تقبل أن تضحي بحياتها من أجل إعلان موقف في الشارع.
ومع ذلك كله، فإن إلقاء نظرة على الأعداد المتزايدة للمحتجين، بفعل الكسر التدريجي لحاجز الخوف، وخروج تظاهرات بمئات الآلاف في حماة ودير الزور والبوكمال وغيرها، رغم القتل والترهيب، ووجود أكثر من 200 نقطة تظاهر أخرى في عموم البلاد، في كل يوم جمعة، يعطي مؤشراً واضحاً حول توجه الرأي العام السوري، وما منع الإعلام "الآخر" من العمل في سوريا إلا دليل على خوف النظام من انكشاف شعبيته المتدهورة ومجازره المتزايدة.