خطاب نصر الله.. الاختراق والثورة السورية والحكومة اللبنانية
فادي شامية –إسلام أون لاين-25-6-2011
في إطلالته الأخيرة مساء الجمعة 24/6/2011؛ لفت في الخطاب الذي وجهه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله موضوعان:
الأول: الإقرار بوجود حالات اختراق أمني في صفوف حزبه عددها ثلاثة؛ "اثنان منها مرتبطة بالمخابرات الأمريكية"، التي تعمل لصالح "إسرائيل"، وحالة ثالثة جاري التثبت من "علاقتها بالـ CIA أو بجهاز مخابرات أوروبي أو بالموساد".
الثاني: تأكيد افتراقه عن القوى الإسلامية الأخرى؛ لا سيما "الإخوان المسلمون" في مقاربة ملف الثورة السورية.
3 جواسيس
الموضوع الأول يعتبر غير مألوف على لسان أمين عام حزب الله؛ كما وصفه هو نفسه. قال نصر الله: "بناء على التحقيق والمعطيات؛ بين أيدينا ثلاث حالات؛ حالتا علاقة مع الـCIA، وحالة ثالثة ما زلنا نتثبت من علاقتها بالـ CIA أو بجهاز مخابرات أوروبي أو بالموساد... لن أذكر الأسماء احتراماً وحفاظاً على عائلاتهم الكريمة والشريفة... (أ. ب) تم تجنيده حديثاً - (م. ح) تم تجنيده في فترة أقدم من الحالة الأولى - (م.ع) تأكدنا من ارتباطه الأمني مع جهة خارجية. وهذه الحالات الثلاثة -ضمن التحقيق معهم- اعترفوا، والأدلة عليهم قطعية، وللأسف الشديد أنهم سقطوا في هذا الامتحان".
وكانت أجواء غير طبيعية سادت الضاحية الجنوبية لبيروت خلال الأسبوع الماضي، حيث لوحظ استنفار أمني كبير لـ "حزب الله"، ترافق مع كتابات صحفية حول اكتشاف الحزب حالات اختراق فيه، وقد انتشرت هذه الأخبار بشدة، وزيد عليها وضُخمت كثيراً، ما أساء لسمعة الحزب، واضطر أمينه العام لتناول الموضوع ومكاشفة الجمهور بحقيقة الأمر، مؤكداً على النقاط الآتية: العدد "ثلاثة فقط" ليس أكثر- "ليس بين هذه الحالات الثلاثة أي أحد من الصف القيادي الأول خلافاً للشائعات" – "ليس بينهم رجل دين"- "ليس بينهم أحد من الحلقة القريبة من الأمين العام"- "ليس لأحد منهم علاقة لا بالجبهة ولا بالوحدات العسكرية الحساسة" – لا يملكون "معلومات حساسة يمكن أن تلحق ضرراً ببنية المقاومة". كما طلب نصر الله من جمهور الحزب "عدم الوقوع في فخ الحرب النفسية التي يهدف من خلالها أعداؤنا النيل من معنويات المقاومة ومجاهدي المقاومة وجمهور المقاومة".
ورغم تخفيف نصر الله من حجم الخرق الأمني غير المسبوق، إلا أن هذا الإقرار شكّل إحراجاً كبيراً له، ليس لأن الخرق الأمني لحزب كبير ومستهدف كـ "حزب الله" غير وارد، - كما أي حزب في العالم- وإنما لأن نصر الله نفسه سبق له أن نزّه حزبه عن أي اختراق أو شبهة اختراق، حيث قال في خطاب يوم 16/7/2010 حرفياً: "جسم المقاومة منزّه عن الاختراق".
الثورة السورية
"بالنسبة لسوريا... في المنطقة هناك نظام عربي مقاوم وممانع وحيد هو النظام في سوريا"، وذلك وفق تعبير نصر الله. ولمزيد من التأكيد قال: "ما أقول هو بناءً على رؤية وقناعة ووضوح.. في سوريا يصدر عفواً عاماً، ويدعو (الرئيس) إلى الحوار ويبدأ خطوات جدية في الإصلاح، ومع ذلك لا يُقبل منه ذلك، وأنا أقول لكم: مهما فعل الرئيس الأسد، ومهما فعل الأخوة في سوريا لن يُقبل منهم، لا دولياً، ولا حتى على مستوى بعض المواقف العربية، ولا حتى على مستوى بعض مواقف ما يسمى بالمعارضة السورية". أضاف: "هذا هو موقفنا، نعم؛ نحن ننطلق من رؤية إستراتيجية وقومية واضحة جداً جداً جداً"!.
هذه المقاربة المتوافقة مع الموقف الرسمي السوري من الثورة السورية، والتي تغفل المأساة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري، استدعت ردوداً فورية؛ في تظاهرات مسائية في سوريا هتفت ضد الأسد ونصر الله، إضافة إلى ردود إعلامية لشخصيات سورية معارضة، ولعل من أسرعهم في الرد كان رئيس "المنظمة السورية لحقوق الإنسان" عمار القربي الذي قال: "كلام السيد نصر الله يأتي في سياق حملة إعلامية منظّمة من حزب الله للوقوف بجانب النظام السوري، وهذه بالنسبة له معركة حياة أو موت لا قضية أخلاقية إنسانية. عليه أن يعرف أن الانتفاضة في سوريا هي على كل النظام وكلّ ارتباطاته إن كانت أمريكية أو إسرائيلية أو إيرانية، ومَن قال لنصر الله إن الثوار السوريون سيتخلّون عن الجولان؟ أو أنهم ليسوا مقاومين؟"!
تباعد غير مسبوق عن "الإخوان المسلمين"
على عكس ما كان يُظن في بداية الثورات العربية؛ من أنها ستكون عامل توحيد بين القوى المواجهة لـ "المشروع الأمريكي في المنطقة"، فقد رسمت الثورة السورية مشهداً متناقضاً بين "حزب الله" وعدد من القوى الإسلامية السنية، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو ما أقر به نصر الله في خطابه إياه بالقول: "من حق الآخرين أن ينتقدوا رؤيتنا وموقفنا، ومن حقنا أن نختلف معهم وأن ننصحهم، وخصوصاً بعض أصدقائنا الإسلاميين، ونقول: في المنطقة هناك نظام واحد مقاوم وممانع منذ البداية وإلى اليوم. هذا النظام من خلال تحالفاته مع الجمهورية الإسلامية ومع حركات المقاومة في المنطقة في لبنان، في فلسطين، في العراق، ومن خلال انسجامه مع مزاج شعوب هذه الأمة، استطاع ضمن هذا المحور أن يُسقط آخر المشاريع الأمريكية ـ الإسرائيلية".
والواقع أن كلام نصر الله هذا ليس إلا تعبيراً لطيفاً عن الحالة المستجدة بين حزبه و"الإخوان المسلمين"، إذ يروج إعلام الحزب المذكور منذ مدة ليست قليلة، عناوين محددة، أبرزها:
- التناغم بين "الإخوان المسلمين" والدور التركي في المنطقة، وهو دور "مشبوه"، وهدفه "تكوين قوة سنية في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة"، وذلك من وجهة نظر الحزب المستجدة من تركيا.
- ابتعاد "الإخوان" عن "محور المقاومة والممانعة"، وسعيهم لإبرام تفاهم مع "المشروع الأميركي في المنطقة"، تحت عنوان "الإسلام المعتدل". وفي هذا المجال يضع إعلام الحزب تصريحات بعض القياديين في "الإخوان المسلمين" في غير سياقها.
- شعور "الإخوان" أنهم أصبحوا أقرب إلى السلطة، في تونس ومصر وغيرهما، ما يحتم عليهم تعديل خطابهم وتحسين صورتهم، والابتعاد عن إيران و"دورها المقاوم في المنطقة"!.
أما فيما يتعلق بـ "أخوان" سوريا تحديداً؛ فإن علاقتهم مع "حزب الله" كانت مقطوعة منذ زمن طويل، نتيجة اتفاق "حزب الله" مع موقف النظام السوري من الجماعة، لكن الحزب كان يتجنب مهاجمة جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا، لئلا يؤثر ذلك على علاقته بباقي "الإخوان" في العالم، غير أن هذا الموقف تبدّل عندما تبين أن "الإخوان المسلمين" باتوا جزءاً من الثورة السورية على نظام الرئيس بشار الأسد.
كما تأثرت علاقة الحزب بـ "الجماعة الإسلامية" في لبنان أيضاً، لا سيما عندما بدأ إعلام "حزب الله" يستضيف شخصيات تتولى شتم "الأخوان المسلمين" والعلامة يوسف القرضاوي، فضلاً عن موقف الحزب المتناغم مع النظام في سوريا.
صناعة لبنانية 100%
وكان الأمين العام لحزب الله قد أثنى في كلمته على تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مؤكداً أنها صناعة لبنانية 100% ولم يكن هناك أي تدخل خارجي مساعد لتشكيل الحكومة، معتبراً "أنها من المرات النادرة التي تتشكل حكومة صناعة لبنانية".
ورأى أن قول فريق 14 آذار إن هذه حكومة حزب الله لا يزعج الحزب، بل يعطي زخما سياسيا كبيرا لحجم قوته، إلا أنه نفى أن تكون الحكومة تابعة لحزب الله إذ ليس له فيها سوى وزيرين، مؤكداً أن هذه الحكومة ليست حكومة اللون الواحد، بل حكومة ائتلاف وطني عريض متعددة الألوان حريصة على العمل كفريق واحد.