التدخل اللبناني الميداني في الأحداث السورية:
"الصيت" لفريق والفعل للفريق الآخر!
فادي شامية- بيروت أوبزرفر- الاربعاء- 22-6-2011
بمعزل عن التعاطف الإنساني؛ فإن الموقف المتفق عليه لبنانياً هو عدم التدخل في الشأن السوري.
فهل ثمة من يتدخل في هذا الشأن، بمعنى تقديم الدعم الميداني للمحتجين أو للنظام؟!
الصيت لـ "المستقبل"
في بداية الاحتجاجات، احتار النظام السوري لمن يوجه اتهاماته بـ"التآمر على سوريا"، فتنقّل في الاتهامات بين: "عناصر فلسطينية"، و"مجموعات سلفية"، و"جماعات وهابية"، و"أخوان مسلمين"... وصولاً إلى "تيار المستقبل" في لبنان. وكما منيت دعاية النظام السوري بشأن السابق ذكرهم بفشل ذريع، منيت دعايته -واتهامات الإعلام اللبناني المرتبط به- بفشل أكبر، فيما خص تيار "المستقبل"، بعدما بينت الوقائع كذب هذه الدعاية؛ فمن خلال مراجعة الوقائع يظهر لنا الآتي:
أولاً: بكّر إعلام "حزب الله" في اتهام شريكه في الوطن بالتدخل الميداني في الشأن السوري، حيث ذكرت قناة "المنار" أن السلطات السورية صادرت قوارب انطلقت من طرابلس محملة بالأسلحة. كان ذلك في بدايات الاحتجاجات، ما شكّل إحراجاً للنظام السوري على اعتبار أن الدولة الفاشلة وحدها هي التي تكون حدودها البحرية سائبة على نحو يسمح بوصول الأسلحة بهذا الشكل، الأمر الذي دفع الإعلام الرسمي السوري لتكذيب الخبر، في 30/3/2011، واعتباره جزءاً من "الحملة الإعلامية المغرضة على سورية"!.
ثانياً: في 13/4/2011 بث الإعلام الرسمي السوري ما أسماه اعترافات حول تورط "الأخوان المسلمين" والنائب عن كتلة "المستقبل" زياد الجراح في عمليات قتل مدنيين، لكن الإعلام المرئي العربي والغربي لم يأخذ الموضوع على محمل الجد، فيما رفضت بعض الفضائيات الهامة نشر الشريط (CNN & BBC). وقد ظهر بعد يومين فقط –على إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة- شقيق أحد الذين أظهرهم النظام السوري لتوجيه الاتهام إلى النائب الجراح- ليفيد بأن شقيقه معتقل منذ سنوات في سوريا بتهمة تعاطي المخدرات، ما أسقط صدقية الاعترافات من أساسها.
ثالثاً: في 25/4/2011 تحدثت الصحافة السورية عن إلقاء القبض على النائب في كتلة "المستقبل" عقاب صقر، في مدينة بانياس، بالجرم المشهود، وهو يحرك التظاهرات، لكن صقر ظهر في المساء على فضائية أخبار "المستقبل" معلناً أسفه أن ينحدر مستوى الإعلام الرسمي السوري إلى هذا الفشل، ما سبّب إحراجاً كبيراً لصدقية الإعلام السوري المهتزة أصلاً.
رابعاً: في محاولة جديدة –كانت الأخيرة- لزج تيار "المستقبل" فيما يجري في سوريا؛ عقد الوزير السابق وئام وهاب مؤتمراً صحفياً ليبرز خلاله صور شيكات، صادرة عن الأمير تركي الفيصل لصالح أشخاص سوريين والنائب زياد الجراح والوزير السابق عبد الحميد بيضون، معتبراً أنها دليل على تمويل الاحتجاجات في سوريا، وقد بدا وهاب واثقاً مما يعرض لدرجة أنه رد على تكذيب تركي الفيصل بالقول: "أنت الكاذب"!، لكن لم تمض أكثر 48 ساعة حتى كشفت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أن الشيكات مزورة، وأن المدعو أمير إبراهيم بيضون، هو من زورها، وقد ألقت القبض عليه واعترف، ما أجبر وئام وهاب على الاعتذار في 30/4/2011، محملاً "الخطأ" إلى من زوده بصور الشيكات!. ولم يمنع ذلك من رفع دعوى قضائية على وهاب.
في الوقائع السابقة كلها ارتدت "الفبركات" على مطلقيها، فتوقفت الاتهامات المسندة إلى أحداث مختلقة، لتبقى بعض الاتهامات العامة، من بعض المرتبطين بالنظام السوري، مما لا قيمة له. لكن يسجل في هذا الإطار أن جهة أمنية كشفت عن محاولة جدية لتوريط "المستقبل" الشهر الماضي، من خلال استغلال تعاطف جمهور "المستقبل" وأغلبية اللبنانيين مع الشعب السوري، حيث عملت عناصر حزبية على إقناع سائق سيارة من آل الحجيري، من بلدة عرسال البقاعية، من أجل توصيل صندوق يحتوي أسلحة إلى منطقة في الهرمل، حيث وقع الرجل ومعه شخصان آخران ضحية كمين نفذته مجموعة مسلحة تابعة لـ "حزب الله".
و... الفعل لـ "حزب الله" وحلفائه
بالانتقال إلى الفريق الآخر؛ تظهر لدينا جملة وقائع، أكثر إسناداً وإقناعاً، ما يشير فعلاً أن "الصيت لناس والفعل لناس" كما يقول المثل المعروف. وهنا يمكن أن نستعرض جملة من الوقائع كبينات أو شبه بينات على تورط؛ الفريق نفسه، الذي يتولى اتهام الآخرين، في أحداث سوريا:
أولاً: مع بداية تصاعد الاحتجاجات في سورية، نظّم "الحزب العربي الديمقراطي" بقيادة رفعت عيد مسيرة تأييد سيارة للرئيس بشار الأسد؛ غادرت جبل محسن باتجاه سورية، وهي تضم عشرات المسلحين، الذين انضموا – أو انضم بعضهم- إلى الشبيحة الذين يقمعون التظاهرات في سوريا. هذه الواقعة معروفة في الشمال. وتتحدث المعلومات اليوم عن إصابات وقتلى في صفوف هؤلاء (أربعة وفق ما هو متداول) دفنوا "بهدوء" في منطقتي جبل محسن وقرية الحيصة في عكار.
ثانياً: الانتشار المسلح الذي يجري في عدد من القرى في الشمال ليلاً، لمنع تسلل النازحين، واستهدافهم، من قبل لـ "الحزب العربي الديمقراطي"، في مناطق؛ حكر الضاهر، والمسعودية، وكنيسة المسعودية، وتل عميري، وتل بيب، وكسار العبودية، وقمبر، بالتنسيق مع النظام السوري.
ثالثاً: التنسيق الكامل للقوى المؤيدة لسوريا مع المخابرات السورية، وتصديها بالتهديد، وإثارة الشغب، والحضور إلى المكان عينه الذي تجري فيه تجمعات داعمة للشعب السوري في كل مرة يحصل ذلك، وصولاً إلى إطلاق النار على المتظاهرين تأييداً للشعب السوري في طرابلس (17/6/2011) في خطوة متقدمة لصالح النظام السوري.
رابعاً: توالي شهادات شهود العيان السوريين عن وجود عناصر من "حزب الله" لقمع التظاهرات، وشتم إيران و"حزب الله" خلال التظاهرات في سوريا على هذه الخلفية، وعلى سبيل المثال لا الحصر بيان: "ائتلاف شباب الثورة في سورية" بتاريخ 20/3/2011، واتهامات النائب السوري السابق مأمون الحمصي في 21/3/2011، وشهود عيان على عدد من الفضائيات من الفترة نفسها وحتى اليوم.
خامساً: بيان طلاب جامعة دمشق أواخر نيسان الماضي، الذي أشار بشكل واضح إلى تورط "حزب الله". ومما جاء في البيان: "قامت قوات الأمن بالاعتداء الجسدي على الطلبة المعتصمين بمساعدة موظفي الكلية وموظفي الاتحاد الوطني لطلبة سورية (منظمة بعثية) وبمساعدة بعض طلبة حزب الله اللبناني (الذين يدرسون في جامعة دمشق)، ونظراً لاستمرار قيام مجموعة من الطلبة المخبرين والمفسدين، بالتعاون مع بعض الطلبة الإيرانيين وبعض طلبة حزب الله اللبناني، بإلقاء القبض على ... نؤكد للطلبة الإيرانيين أنهم في سورية وليسوا في إسرائيل".
سادساً: نشر المعارضين السوريين وثائق حول دخول عناصر من "حزب الله" الأراضي السورية عبر خط عسكري، وتسهيل القوات السورية مرورهم وانتقالهم إلى حلب، وإقامتهم هناك للمساعدة على القمع. انظر الوثيقة أدناه:
سابعاً: نقل المدعو نادر المولى، مرافق عضو المكتب السياسي في "حزب الله" غالب أبو زينب، من سوريا، على جناح السرعة إلى مستشفى الهيكلية في طرابلس، وبياته هناك ليوم واحد استدعته خطورة الحالة (إصابة بالرأس)، قبل نقله للعلاج في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع الطلب إلى المستشفى التكتم عن الموضوع.
ثامناً: نشر موقع "جماعة الأخوان المسلمين" ومواقع المعارضة السورية الأخرى أسماء خمسة عناصر من "حزب الله" قتلوا في سوريا، وجرى تسليمهم لقيادة الحزب المذكور في بعلبك في 2/6/2011، بعدما أطلق عليهم مجندون سوريون النار. والقتلى؛ وفق المصادر إياها، هم: طلال حسن الحاج حسن- علي أحمد الموسوي- محمد علي إسماعيل- زياد علي بيضون- حسين محمد شعيب.
تاسعاً: شهادة الجندي أحمد خلف، الفار إلى تركيا، وهي شهادة من بين مجموعة من أربع شهادات موثقة، لصالح منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، حيث أفاد أنهم (الجيش) "يضعون قناصة على بعض النقاط المرتفعة؛ هم عبارة عن عناصر شرطة بثياب مدنية أو عناصر من حزب الله، وعندما لا يطلق الجنود النار على المحتجين، يقتلونهم".
عاشراً: شهادة المقدم السوري المنشق حسين هرموش، الذي لجأ إلى حدود تركيا، وظهر في الإعلام (وكالات الأنباء العالمية)، في 14/6/2011، مؤكداً وجود عناصر إيرانيين ومن "حزب الله" في قمع التظاهرات، مضيفاً: "أذكر جيداً في دمشق- سقبة، رأيت الناس يتظاهرون وشاهدت بأم عيني قناصة متمركزين في الطبقات العليا، إيرانيين ومن حزب الله يطلقون النار على الحشد".
هذا فضلاً عن معلومات أقل تأكيداً تتحدث عن قتلى لـ "حزب الله" نقلوا من سوريا إلى لبنان. وفي كل الأحوال، فإن ما لا مجال لنفيه على الإطلاق أن النظام الإيراني، وباعتراف مصادر إعلامية محسوبة عليه (وكالة إيران بريفينك مثلاً)، يدعم النظام السوري بالرجال والمعدات لقمع ما يسميه مؤامرة، خصوصاً بعدما وصف الإمام خامنئي المتظاهرين في سوريا بأنهم "أعداء لله ورسوله"، ومعلوم مدى ارتباط "حزب الله" بالنظام الإيراني من خلال ولاية الفقيه.
... ويتدخلون في المواقف أيضاً
فيما يتعلق بالمواقف، فإنه رغم صدور تصريحات قوية لنواب في كتلة "المستقبل" (محمد كبارة- -معين المرعبي- خالد ضاهر- نهاد المشنوق...) فإن هذه المواقف، ظلت في حدود التضامن مع الشعب السوري، ورفض انتهاكات حقوق الإنسان، بينما نجد عند الفريق الآخر مواقف تتعدى تأييد النظام السوري إلى التحريض والتهديد والانغماس الفعلي فيما يجري، لدرجة جعلت عدداً من الصحف والدوريات الغربية تتعجب من حجم المساحة الزمنية الممنوحة لبعض شخصيات فريق الثامن من آذار (في طليعتهم: ناصر قنديل، ورفيق نصر الله، وميشال سماحة، ووئام وهاب...) من أجل الترويج لدعاية النظام، على الإعلام الرسمي السوري.
وباستعراض تصريحات هؤلاء نجد مواقف تتعدى التأييد الكلامي للنظام السوري، فمثلاً نشر مراسل Le Figaro رونو جيرار نهاية آذار الفائت، كيف أن ميشال سماحة تولى شخصياً الاتصال بالإعلاميين لنقلهم إلى حيث أقام النظام السوري تظاهرات تأييد له. ميشال سماحة نفسه، وفي حديث إعلامي، قام بفعل جرمي، وفق القانون اللبناني، عندما تناول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بكلام جارح، منتقداً ما أسماه قلة تهذيبه، وذلك على خلفية موقفه مما يجري في سوريا (2/5/2011)!.
بدوره زار وئام وهاب سوريا دعماً للنظام، معلناً -ومقسماً بالله- أننا "سنقاتل بأيدينا وسلاحنا وصدورنا لحماية سوريا، ولن نتركها تسقط" (18/5/2011).
أما ناصر قنديل، فـ "حكاية" أكثر إثارة، إذ فضلاً عن قدرته الكبيرة على "فبركة" القصص والمؤامرات -التي يثبت مرة بعد أخرى زيفها-، لم يتورع الرجل عن تهديد دول صديقة، من لبنان، على خلفية الموقف من الاحتجاجات في سوريا، وتأتي في طليعة هذه الدول تركيا التي تحدث قنديل عن "تورط ضباط فيها بما يجري شمال سوريا" (6/6/2011). كما لا يُخفي قنديل أنه يدير شبكة على الإنترنت لدعم النظام السوري، وأنه حرّض السوريين على مهاجمة مؤتمر أنطاليا الأخير، وأنه شارك شخصياً –نعم هو شخصياً- في تظاهرات داعمة للرئيس بشار الأسد خارج لبنان مؤخراً (ينشر صور على هذه المشاركة على الإنترنت)، وأنه صاغ شعاراً طلب من السوريين أن يهتفوا به: "لو حطونا بقلب النار ما منرضى غير البشار"!.
الآن، وبعدما تبين كيف يقوم فريق لبناني بالتدخل في شؤون دولة شقيقة، ويتهم الفريق الآخر بالتدخل خلافاً للحقيقة، ثمة نقطة لا بد من إثارتها؛ فمن المعلوم أن شطراً من اللبنانيين يتعاطف بشدة مع الشعب السوري، وأن شطراً آخر –"حزب الله" وحلفاءه- يدعم بشدة النظام السوري ويعتبر ما يجري في سوريا مؤامرة، ما يعني إن اللبنانيين غير موحدين –بالحد الأدنى- في مقاربة الملف السوري، وهو ما يجب أن ينعكس حكماً على السياسة الخارجية اللبنانية، فيكون الموقف هو الحياد الإيجابي، إلا أن ما نراه أن الوزير علي الشامي بادر، لمرتين على التوالي، بإعطاء تعليمات لسفير لبنان الدائم في الأمم المتحدة، للتصويت في مجلس الأمن لمصلحة النظام السوري، في أي مشروع قرار يدين هذا النظام، بسبب جرائم القمع ضد شعبه.
بمعنى آخر فإن ثمة فريق دون آخر، هو الذي يفرض إرادته، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للبنان - والعرب أيضاً باعتبار أن لبنان يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن راهناً-، والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هل امتد "التشبيح" الداخلي القائم على أساس قمع أي اجتماع تضامني مع الشعب السوري، عبر تهديد أصحاب القاعات أو تنظيم تظاهرات في المكان نفسه، (هل امتد) إلى مجلس الأمن أيضاً؟ يبدو ذلك!.