عناصر مسلحة غير شرعية على الحدود اللبنانية-السورية
وتقصير إغاثي وتوقيفات لا إنسانية لنازحين!
فادي شامية - الاثنين,13 حزيران 2011 الموافق 11 رجب 1432هـ
ما تزال مقاربة الأجهزة الإغاثية والأمنية والقضائية اللبنانية للشأن السوري الإنساني تثير الدهشة. "سيئو النية" يعللون ذلك بضغوط القوى المؤيدة للنظام السوري في لبنان، و"حسنو النية" يتحدثون عن أخطاء غير مقصودة ومخاوف مبالغ فيها، لكن في كلا الحالين فإن لبنان- الدولة يبدو بصورة غير جيدة تجاه الملف الإنساني السوري، والأهم أنه –أي لبنان- يهدر فرصة مد جسور عملية مع الشعب السوري، بعد السنوات القاسية، ودعاية الفُرقة من الجانبين، التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإذا كان القطاع الأهلي في لبنان -كعادته- لا ينتظر الدولة، بل يتحرك من تلقائه، وبفعالية أكبر من الدولة، لإغاثة النازحين، فإن ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من "العار" الذي يلحق باللبنانيين جراء بعض الوقائع المؤسفة.
في الشق الإغاثي:
رغم التوجيهات التي صدرت من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بإغاثة النازحين السوريين إلى لبنان، فإن الجهود الرسمية اللبنانية ما تزال "محزنة"، وبطيئة -ولو أن وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ بذل جهوداً كبيرة في هذا المجال- سيما إذا ما قارنا ما تقدمه الدولة اللبنانية، وما تقدمه تركيا – ومن قبلها الأردن- للنازحين. وحتى اليوم لا توجد أماكن إيواء لائقة، ولا إغاثات غذائية كافية، ولا خدمات صحية مقبولة في مناطق النازحين في وادي خالد، ولولا همة الأهالي الذين فتحوا بيوتهم لأهلهم السوريين، لكان الواقع بالغ الصعوبة (من باب المقارنة: الدولة التركية أقامت مخيماً لإقامة أعداد أكبر بكثير من النازحين، وهي تقدم لهم الحماية، والطعام والشراب، والملابس، والفرش والأغطية، ووسائل الراحة... مجاناً، بالتعاون مع المنظمات الأهلية).
وعُلم أن النازحين والقطاع الأهلي في وادي خالد يعدّ اليوم، لتوجيه مناشدة إلى الأمم المتحدة؛ بضرورة توفير مناطق إيواء لهم، وتأمين سبل عودتهم آمنين إلى بلادهم. وفي الأثناء تقوم جمعيات خليجية بتوزيع المساعدات، بالتعاون مع جمعيات أهلية محلية. ويُلاحَظ أن النازحين يخشون من نقل معلومات عنهم إلى بلادهم، عبر عناصر حزبية موالية للنظام السوري في لبنان، ما دفع بعضهم لعدم إعطاء معلومات كاملة عن عائلته لجهات الإغاثة، كما يخشى هؤلاء من أعمال القنص إلى داخل الأراضي اللبنانية، ومن توغل القوات السورية لاختطاف بعضهم.
في الشق الأمني:
يشكل الملف الأمني المرتبط بموضوع الحدود والنازحين فضيحة حقيقية، ومن العيار الثقيل أيضاً، ذلك أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن مناطق حدودية واسعة باتت ممسوكة من قبل عناصر حزبية غير شرعية (يدين معظمها لـ "الحزب العربي الديمقراطي")، وليس من قبل القوة الأمنية المشتركة، وتحديداً في مناطق؛ حكر الضاهر، والمسعودية، وكنيسة المسعودية، وتل عميري، وتل بيب، وكسار العبودية، وقمبر، حيث تنتشر هذه العناصر ليلاً بسلاح كامل، وتطلق النار أو تعتقل أي نازح عبر الحدود، بالتنسيق مع النظام السوري.
والأغرب من ذلك أن نواباً وقوى سياسية في الشمال وضعت قيادة القوة المشتركة في صورة هذا الواقع –الذي تعرفه أصلاً هذه القوات- لكن دون جدوى (ناشد أبناء وادي خالد الدولة والجيش اللبناني قبل أيام "الانتشار على الحدود وضبط الوضع الأمني الذي بات مقلقاً ولا يحتمل أي تأخير")، ولعل هذا ما يفسر المطالبة المستهجنة –للوهلة الأولى- للنائب العكاري معين المرعبي: "انتشار قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية، بعد رفض الجيش اللبناني الاستجابة لطلباتنا في هذا الخصوص، وحمايتنا كلبنانيين وحماية النازحين السوريين من الممارسات السورية... فنحن ملزمون بالدفاع عن أهلنا وعن النازحين إلينا، وبما أنه لا جيش يحمينا ولا ميليشيات لدينا تحمي مناطقنا، لذلك نطالب بقوات دولية شاء من شاء وأبى من أبى" (الشرق الأوسط 12/6/2011).
وإذا أضفنا إلى هذا الواقع تكرار عمليات توغل الجيش السوري في الأراضي اللبنانية، دون صد من القوى الشرعية اللبنانية، لا سيما مناطق تلة الحمام في بلدة الشيخ عياش، والتلة الفاضية في العبودية، وفي حكر جنين –النهر (في حكر جنين دخلت وحدة سورية قبل أيام واختطفت مواطناً اشتبهت فيه، فساقته وخمس بقرات معه إلى الأراضي السورية، وعند التأكد من تخلفه العقلي أُطلق سراحه)، وإصابة بعض البيوت اللبنانية برشقات نارية من قبل الجيش السوري في وادي خالد، وتسليم -أو محاولة تسليم- القوى الأمنية اللبنانية لبعض الهاربين من أفراد الجيش السوري -بسبب رفض فتح النار على المدنيين، أو لأي سبب آخر- بإجراءات تخالف الأصول، ولا تتوافق مع الاتفاقات الدولية في مثل هذه الحالات... فإننا نكون أمام أداء أمني لبناني يدعو لـ "العار".
في الشق القضائي
يواصل القضاء اللبناني محاكمة عدد من النازحين السوريين، بدعوى "دخول لبنان خلسة وبطريقة غير شرعية وعدم حيازة أوراق ثبوتية"، علماً أن معظم النازحين خرجوا تحت النار بثيابهم فقط، من قراهم السورية، كما يحصل في حالات الاضطراب الأهلي على حدود أية دولة مجاورة. ومن الغريب أن يحكم القضاء اللبناني على عدد من الأشخاص سبق أن أوقفهم الجيش –أعداد النازحين بالآلاف معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ- بـ "الجرم" المذكور آنفاً، رغم أن حالات النزوح المشابهة محكومة بـ "اتفاقية جنيف لحماية المضطهدين والمعرضين للخطر"، ولبنان إحدى الدول الموقعة عليها.
المشهد- الفضيحة يكتمل أكثر حينما نعلم أن 15 نازحاً سورياً موقوفون راهناً، في سجني القبة وحلبا ونظارة قصر العدل في طرابلس، بعضهم منذ أكثر من شهر، لدخولهم لبنان خلسة، علماً أن العقوبة القصوى لا يفترض أن تزيد عن الشهر، وقد عُرف من هؤلاء: محمد خضر ولّو (تولد 1984)، محمد عمر عتيق (1973)، مرعي إبراهيم عياش (1968)، يحيي سليمان خضر (1974)، تامر عبدو كدائم (1980)، علاء حسن عربين(1989). والأكثر غرابة هي حالة خالد الشويطي ونجله محمد، اللذين أُطلق سراحهما بكفالة مالية، لكن القرار لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، بعد أن استأنفه النائب العام الاستئنافي في الشمال القاضي عمر حمزة أمام محكمة الاستئناف الجزائية!.
يضاف إلى ذلك؛ تكرار محاولات توقيف جرحى وصلوا إلى مستشفيات في الشمال من قبل مخابرات الجيش اللبناني، وهي حالات تُواجَه في الغالب بتحرك من هيئات أهلية وجمعيات حقوق الإنسان، التي باتت ناشطة في المنطقة، لتوثيق ما يجري.
أمام الوقائع المتقدمة؛ هل هذا هو لبنان المضياف، وموئل الأحرار والمضطهدين في العالم؟، هل هكذا نعامل أهلنا وأشقاءنا السوريين؛ وقد ربَطَنا الله معاً بأحوال لا يفصلها نهر صغير ولا كبير، خصوصاً بعدما آووا ونصروا النازحين في حرب تموز 2006 بكل فخر وإيثار؟... أم أن جلاّدهم وجلادنا واحد؟!