رأي يدفع باتجاه خيار بديل وآخر يرى أن الحل ممكن:
ميقاتي ما زال خيار "حزب الله" لرئاسة الحكومة رغم عدم الثقة بينهما
فادي شامية-الأربعاء,11 أيار 2011 الموافق 8 جمادى الآخرة 1432 هـ
بين خيار اعتماد شخصية نيابية سنية وشخصية غير نيابية سنية لرئاسة الحكومة؛ اختار "حزب الله" الرئيس نجيب ميقاتي كشخصية نيابية سنية، تستطيع أن تؤمن له ثلاثة أصوات في معركة تغيير الأغلبية النيابية، سيما أن لديها قاعدة شعبية حقيقية، وسمعة داخلية وخارجية جيدة.
الثقة بالشخصية المكلفة لم تكن العامل الحاسم، فقد رأى الحزب في ميقاتي واجهة جيدة –أكثر من أية شخصية أخرى- لحكومة "التحدي والتغيير" القادمة، فضلاً عن اعتباره أنه بميقاتي يمكنه إحداث خرق نيابي وشعبي في المعقل الأهم لقوى 14 آذار، لا سيما السنية منها؛ أي في طرابلس.
دخل ميقاتي "مغامرة" التكليف؛ معززاً بدعم "حزب الله"، الذي صوّر له أنه –أي ميقاتي- الأنسب لهذه المرحلة، وأن تكليفه بتشكيل الحكومة قد تم بمباركة دولية، وأن علاقة سعد الحريري بالسعودية سيئة، وأن فريق الحريري السياسي والشعبي منهار، وأن مهمة ميقاتي ستكون أسهل مما يتصور. على هذا الأساس بنى ميقاتي حساباته، معتقداً أن لديه هامش مناورة أوسع من الحريري ومن أية شخصية أخرى يمكن أن تتكلّف بتشكيل الحكومة، لكن حسابات الأغلبية النيابية الجديدة كانت مختلفة، ذلك أنها لم تكن تنتظر من ميقاتي أن يكون في موقع مختلف عن الشخصيات السنية الأخرى التي كانت مطروحة في التداول لتشكيل الحكومة. بمعنى آخر؛ فإنها اعتبرت أنها هي من أتى بميقاتي، وأن وضْع الأخير لا يخوّله فرض رؤيته لشكل الحكومة، وحصصها السياسية، وعدد وزرائها، وتوزيع الحقائب فيها، فضلاً عن رسم سياسة الحكومة العتيدة.
خلاف الرؤى هذا، مضافاً إليه الصراع بين الحلفاء على الاستيزار، ثم الأحداث الإقليمية، لا سيما في سوريا... أخّر عملية التشكيل، وأوقع البلاد في الأزمة الحالية، وفتح نقاشاً داخل الفريق الواحد حول صوابية خيار ميقاتي، كما سمح لبعض حلفاء "حزب الله"، من أصحاب المصلحة، بتظهير عدم ثقتهم بميقاتي!.
العلاقة بين ميقاتي ومن سماه رئيساً مكلفاً
الخارجون من "جنة" التوزير كانوا مبكرين في انتقاد ميقاتي –بعد إشادتهم به- وتظهير موقف الغالبية النيابية الحقيقي منه. أولهم كان وئام وهاب الذي قال في 26 شباط الماضي "إن ميقاتي لا يملك خطة وهو يكتفي بفرك يديه". وقد تبعه في النهج نفسه، النائب السابق إيلي الفرزلي، الذي "تمنى" في 12 نيسان الماضي، على ميقاتي أن يخبر الرأي العام "عن استعمال خطوط للهاتف الدولي أيام قيام شركته في تجارة الخلوي في لبنان في الأعوام 1988 -1989-1990... وأن يحدثنا كيف كانت تستعمل خطوط التيلي أوريان في لبنان وكيف استعملت الخطوط الخارجية، ومن الذي استفاد". وقد أضاف الفرزلي بعد يومين فقط موقفاً أكثر دلالة عندما "كشف" أن ميقاتي أبلغ أحد المقربين منه في العام ٢٠٠٥ أن "موت رفيق الحريري خفف عني ضغطاً، وخروج سوريا خفف عني ضغطاً، فأنا مرتاح وأنا فتى الفتيان"، وتأكيداً لكلامه زعم الفرزلي أن الشخص الذي أبلغه ميقاتي هذا الكلام لا يزال حياً.
إضافة إلى هذه الشريحة من الحلفاء المفترضين لميقاتي؛ انضمت شريحة أخرى إلى الحملة عليه، بهدف الضغط وتحقيق مطالبها في الحكومة. النواب المنتمون إلى تيار العماد عون كانوا في طليعة هذه الشريحة؛ وأولهم كان الوزير جبران باسيل الذي دق جرس الإنذار في الأول من نيسان الماضي بقوله: "لم نندم بعد على تكليف ميقاتي لكن الاستمرار في هذا الوضع المزعج سيفرض علينا إعادة النظر في هذا الموضوع"، وذلك قبل شهر تقريباً من مواقف أكثر وضوحاً عبّر عنها النائب زياد أسود بقوله: "من حقنا سحب الثقة من ميقاتي" (1/5/2011)، وقول زميله نبيل نقولا إن "ميقاتي أثبت عدم قدرته على متابعة مهمته" (3/5/2011). كما يدخل في هذا الإطار أيضاً؛ الكلام القاسي للوزير طلال إرسلان عندما اعتبر أن "التأليف لا يتم بالتسويف أو القرصنة والمحاصصة" (10/4/2011)!.
غير أن تردي العلاقة بين ميقاتي ومن سماه رئيساً مكلفاً اتخذت منحى مختلفاً؛ بعدما كشفت وثائق ويكيليكس –التي سبق لـ"حزب الله" أن محضها ثقته وهدد برفع دعاوى قضائية على أساسها- مواقف ميقاتي من "حزب الله" وسلاحه وإعلامه، فضلاً عن حرصه على إبعاد نفسه وشركاته الخارجية عن أية علاقة بالحزب (رفعت شركة faconable، الماركة الفرنسية الشهيرة للألبسة، التي يمتلكها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، دعوى أمام محكمة مدينة دنفر الأميركية على خلفية قيام أشخاص بربط الشركة بدعم "حزب الله").
أما على صعيد وثائق ويكيليكس؛ فكما بات معلوماً أن الرئيس ميقاتي وصف "حزب الله" بـ "ورم سرطاني" وأن "هدفه إقامة قاعدة عسكرية إيرانية على البحر المتوسط" (وثيقة بتاريخ 12/1/2008)، وأنه "يرغب في رؤية الحزب منزوع السلاح" (وثيقة بتاريخ 8/7/2008)، وأنه وصف حليف الحزب الإستراتيجي ميشال عون بـ "الرجل المجنون" (وثيقة بتاريخ 11/1/2007)، وبأنه "نكتة" و"شخصية مضحكة" (وثيقة بتاريخ 30/7/2007).
فضلاً عن كشف وثيقة أخرى تحدث فيها ميقاتي عن "خجله و"اشمئزازه" لتمويله جريدة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من "حزب الله"، بمبلغ 150 ألف دولار، "بسبب حملاتها الدعائية المعروفة" (وثيقة بتاريخ 12/11/2006).
نقاش داخل الفريق الواحد: هل كان خيار ميقاتي صائباً؟!
عموماً؛ فقد خلّف التأخر الكبير في تشكيل الحكومة؛ إحراجاً كبيراً للأغلبية النيابية الجديدة -لا سيما بعدما أعلن فريق الرابع عشر من آذار عدم رغبته الاشتراك في الحكومة العتيدة-، إذ بدا هذا الفريق (8 آذار) مربكاً، وعاجزاً، ومتصارعاً فيما بينه على الحصص، خلافاً لمظاهر "الزهد السياسي" التي كان يحيط نفسه بها من قبل.
هذا الواقع دفع باتجاه فتح نقاش جدي بين قوى الفريق الواحد حول خيار الرئيس ميقاتي؛ إذ بدا واضحاً أن تفاهم الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية قد حدّ من طموحات العماد ميشال عون، حليف "حزب الله" الإستراتيجي، فضلاً عن أن حسابات الرئيس ميقاتي قد جرّت عليه غضب الشخصيات السنية الحليفة للحزب المذكور. وفي الحالين فقد وقف الحزب خلف حلفائه في مواجهة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فيما استمر ميقاتي –بالتفاهم مع رئيس الجمهورية- على "ممانعته" مدة أطول مما كان يعتقد من سماه لرئاسة الحكومة. ومع الوقت بدا ميشال عون وشخصيات أخرى نادمين على تسمية ميقاتي، فيما بدا "حزب الله" مصراً على الدفاع عن خياره –حتى الآن، خصوصاً أن الخيارات البديلة لها محاسنها ومخاطرها أيضاً-، دون أن تخفي أوساطه إحباط قيادة الحزب، وتعالي أصوات داخل الحزب بضرورة الحسم؛ بميقاتي أو سواه.
ومن الضروري هنا التوضيح؛ أن هذا النقاش الداخلي لا يقوم على أساس وجود فريق يثق بميقاتي وآخر فَقَد ثقته به (إذ لا ثقة لأحد لدى "حزب الله" فيما يتعلق بالقضايا الأساسية، بمن فيهم الحلفاء)؛ وإنما يقوم على أساس تقييم سلوك ميقاتي خلال مرحلة تشكيل الحكومة التي يريدها "حزب الله"!. ولعل الدليل الأكبر على عدم الثقة بميقاتي من بداية تكليفه، أن الحزب وحلفاءه رفضوا إعطاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف القدرة على تعطيل القرار الذي لا يجدانه مناسباً (الثلث المعطل)، فضلاً عن رفض توزير أية شخصية محسوبة على رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة في وزارة الداخلية، ما يعني أن الحزب وحلفاءه مصرون منذ البداية على تشكيل حكومتهم هم، بلا أية شراكة فعلية، وقد كان هذا الأمر واضحاً أيضاً خلال فترة الحوار التي كان يخوضها ميقاتي مع قوى 14 آذار لإقناعها بالاشتراك في الحكومة.
على أي حال؛ فإن الواضح اليوم أن "حزب الله" لم يتخذ قراراً بسحب تأييده لميقاتي –خلافاً لأصوات داخله ومن حوله تنادي بذلك-، وأنه ما زال يأمل بتشكيل الحكومة التي يرضى عنها قريباً، إذ يمكننا الاستنتاج أنه طالما أن الرئيس المكلف يعلن أنه ليس بوارد الاعتذار، فهذا معناه أن "حزب الله" لم يبلغه بعد أنه سحب تأييده له، على اعتبار أن ميقاتي لا يمكنه الاستمرار دون تأييد الحزب وحلفائه الذين سموه لرئاسة الحكومة؛ لعدم إمكانية أخذ الثقة، فضلاً عن القدرة على الحكم، وانعكاس ذلك على استنزاف المزيد من رصيد ميقاتي الشعبي والسياسي.