الثورات العربية تنتج مصالحة فلسطينية وانقسامات لبنانية:
فرصة للوحدة الوطنية يهدرها اللبنانيون!
فادي شامية
الشهور الطويلة من التفاوض الفاشل، اختُصرت بساعات قليلة من التباحث الناجح، والمرارة الطويلة جراء الانقسام الفلسطيني المدمر للقضية نفسها، استبدلت بفرحة غامرة جراء مفاجأة المصالحة الفلسطينية من القاهرة بالذات. هذا المكسب الكبير للقضية الفلسطينية؛ ما كان يمكن أن يتحقق لولا الثورات العربية المجيدة:
1- أدى انتقال عدوى الثورات العربية إلى ظهور شعار: "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، في كل من الضفة وغزة. حركة الشارع، وأعداد المدونين على الشبكة العنكبوتية كانت كبيرة بما يكفي لإجبار طرفي الصراع – المتعبين أصلاً جراء الأوضاع التي يعاني منها كل منهما- على سماع صوت الشارع.
2- أدى انهيار النظام المصري، القريب من حركة فتح، مضافاً إليه استمرار "إسرائيل" في تعنتها، إلى إدراك الحركة أنه مهما كان حجم خلافها مع حماس، فإنه لا سبيل أمامها إلا التعايش والتفاهم مع شريك أساس في النسيج الوطني الفلسطيني، وعلى هذا الأساس جاءت مبادرة أبو مازن بمد اليد إلى حماس والذهاب على غزة لإنهاء الانقسام.
3- أدى اهتزاز النظام السوري، الحاضن لحركة حماس، إلى إدراك الحركة أن موجبات المرحلة تفرض عليها إعادة الوصل مع الشريك الفلسطيني بسرعة، وتحضير نفسها لاحتمال حصول الأسوأ في سوريا، خصوصاً أن أوضاع غزة باتت متعبة ومكلفة جداً (البطالة في غزة 65%).
المصالحة الفلسطينية درس بليغ في أن القمع والتعبئة المتبادلة لم تؤدِ إلى نتيجة مفيدة للقضية الفلسطينية، وأن أحداً لم يقدر أن يلغي أحداً، وأن الحوار هو السبيل مهما ارتفعت حدة الخطاب، وطبعاً هذا لا يعني أن التباينات الواسعة بين حماس وفتح ستختفي، أو أن الصراع السياسي والإيديولوجي بين الحركتين سيزول، ولكنه يعني أن حداً أدنى من التفاهم الوطني لا بد أن ينظم العلاقة بين أكبر فصيلين فلسطينيين، وإلا فإن القضية الفلسطينية نفسها ستخسر.
بالانتقال إلى لبنان؛ فإنه لا يكفي أن نقول لأشقائنا الفلسطينيين: "مبروك المصالحة"، إذ الأوْلى أن نستلهم العبر في لبنان، فنتصالح بدل أن نزداد انقساماً، ونتعاون بدل أن نتهم بعضنا بعضاً، دون أن يعني ذلك زوال الخلافات مهما كانت عميقة، ذلك أن حداً أدنى من التفاهم الوطني يجب أن يحكم علاقة اللبنانيين ببعضهم، لأن الكل سيربح والحال هذه.
لا يخفى أن الأوضاع في لبنان بلغت حداً خطيراً من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وأن الأزمات متلاحقة، والفراغ زاد عن ستة أشهر (منذ تعطل جلسات حكومة الحريري ثم سقوطها وتكليف ميقاتي إلى اليوم)، دون أن يلوح في الأفق أي انفراج، لا إن تشكلت حكومة "المواجهة" العتيدة، ولا إن استمر الفراغ المستحكم.
الأنكى من ذلك أن الثورات العربية المجيدة، التي أنتجت مصالحة فلسطينية؛ خلّفت انقساماً إضافياً في لبنان، وصل إلى حد اتهام فريق لبناني لفريق آخر بـ "التورط" فيما يجري في بلد شقيق، خلافاً لما يفرضه التعقل في مثل هذه المرحلة الدقيقة، سيما أن الاتهامات غير مبنية على أدلة صلبة (فضيحة الشيكات المزورة التي أظهرها وئام وهاب نموذجاً)، وأن الجهة المتَّهمَة (تيار المستقبل) "تبالغ" أصلاً في عدم التدخل فيما يجري في سوريا، وأن الجهة المتِّهمة (حزب الله) أحوج ما تكون إلى تفاهم لبناني يقيها من احتمالات حصول الأسوأ لدى الشقيقة سوريا... مع ذلك فإن الأمور تسير خلافاً لهذا المسار، إذ تتوالى الأخبار عن دور "ما" لـ "حزب الله" في مساندة النظام السوري، ويزداد التماهي بين إعلام 8 آذار-لا سيما "حزب الله" و"أمل"- والإعلام الرسمي السوري، وتُستحضر الفتنة في البحرين في الواقع السياسي والإعلامي والشعبي اللبناني، وتتراكم العراقيل أمام التشكيلة الحكومية الموعودة، وتتكاثر مظاهر انهيار الدولة.
إزاء هذا المشهد، فإن المطلوب -بالحد الأدنى-؛ وقف الاتهامات، وتشكيل حكومة "تصالحية"، بغض النظر عن شكلها وعن رئيسها، وإحياء طاولة الحوار لإيجاد حل للموضوع الوحيد المطروح أمامها خلال مدة زمنية قصيرة، وصولاً إلى تفاهم تاريخي يشمل الموقف من السلاح والمحكمة. المصلحة والمنطق يقول إن الفرصة مواتية لإبرام هذا التفاهم، لكن مسار الأمور لا ينبئ بذلك للأسف الشديد.