بث الإشاعات الكاذبة للترويج إعلامي: شرعيتها وأخلاقيتها
فادي شامية
يكثر هذه الأيام ترويج الإشاعات الكاذبة، الهادفة للنيل من رمزية شخصياتٍ معينة، أو مكانة جماعاتٍ محددة، أو التشكيك بأفكارٍ ومفاهيم، أو إحداث الشقاق بين المنتمين على فريق واحد.
جاء في لسان العرب: "شاع الخبر في الناس يشيع شيعاً وشيَعاناً ومشاعاً وشيْعوعة، فهو شائع". وفي الاصطلاح الإعلامي؛ فإن الشائعة هي "كلمة تدل على موضوع ما ذي أهمية، ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق الكلمة الشفهية، دون دليل موضوعي". ومن وجهة نظر علم الاجتماع فإن الشائعة هي: "ضغط اجتماعي مجهول المصدر يكتنفه عموماً الغموض والإبهام، ويحظى عادة باهتمام قطاعات عريضة من المجتمع".
ومن مميزات الشائعة "الناجحة" احتواؤها على جزء من الحقيقة، هذا الجزء هو النواة الأساسية لبناء الشائعة وانتشارها، مضافاً إلى ذلك شرطين أساسيين هما: الأهمية والغموض. وعادة ما تنشط الشائعات في الأوساط التي تعاني خنقاً فكرياً، حيث تقل مصادر الأنباء الحقيقية، فتزدهر الشائعات. ويلعب الإيحاء النفسي دوراً أساسياً في نمو الإشاعة، فمع ازدياد حالة الغموض، وتزايد درجة الاهتمام والرغبة في جلائه يصبح المرء مهيّأ لأن يكون أسيراً لإيحاءاته التي قد يذكيها توافر بعض القرائن ذات العلاقة بالتفسيرات التي يقدمها المروجون للإشاعة، أو القائلون بها، مما قد يشيع الخبر المنقول على الرغم من الضعف في مصداقية روايته.
ويعتبر علماء الحرب النفسية الإشاعة من أهم الأسلحة التي يلجؤون إليها في الصراعات السياسية والعسكرية، ولكن هل يجوز من الناحيتين الشرعية والأخلاقية اعتماد بث الإشاعات وسيلةً لخدمة الأهداف السياسية؟!
الجواب طبعاً كلا؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. إضافة إلى أن بث الإشاعات الكاذبة وسيلة غير أخلاقية، وهي لا تليق بالمسلمين، حتى أثناء الحرب، لأن الإسلام أباح الخدعة فقط، من قبيل استعمال الحرب النفسية، وقذف الوهن في قلوب الأعداء، وإيقاعهم في بعضهم البعض، وثمة تطبيقات كثيرة لذلك لعل من أبرزها، ما قام به نـُعيم بن مسعود أثناء حصار المسلمين في الخندق، عندما أوقع الشقاق بين اليهود والمشركين.
وعموماً فقد دلت حقائق التاريخ، وتجارب الأمم، أن الإشاعات سلاح خطير لكن الأمم العاقلة الرشيدة، التي يكثر فيها الأسوياء الحكماء، بعيدة عن تصديق الإشاعات، وأن سرعة تصديق الإشاعات دليل على ضعف الأمة، وتخلخل بنيانها؛ لذا فإن من أهم وسائل القضاء على الإشاعات الكاذبة بث أجواء الثقة في الأمة حتى تكون موقنة بصحة ما تقوله لها القيادة، وأن ترجع في طلب الحقيقة إلى المصادر الأصلية، ومن أجل ذلك تلجأ الدول اليوم في مواجهة الإشاعات الكاذبة -في الغالب- إلى عرض الحقائق المثبتة.
ولقد واجه الإسلام احتمال تسرب الإشاعات إلى المجتمع الإسلامي فوجه المسلمين إلى التبين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ﴾. كما أرشد المسلمين إلى سؤال الجهات المعنية بكل أمر. قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾. وقال: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
وعليه؛ فإن كثرة انتشار الإشاعة اليوم، يدل على انتهاج طرق لا أخلاقية في العملين الإعلامي والسياسي، بالقدر نفسه، الذي يدل على قلة ثقة الناس ببعضها، وبالجهات التي تمثلها!.