13 نيسان 1975: ذكريات الحرب والسلام بين جيلين

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
13 نيسان 1975: ذكريات الحرب والسلام بين جيلين

   الكاتب :

 

 الزوار : 2152   الإضافة : 2011-04-13

 

لم يكن الاختلاف السياسي أو الطائفي بين اللبنانيين في يوم من الأيام؛ إلا تعبيراً عن تنوعٍ كبير في بلدٍ رائع وصغير. الاختلاف في النظرة إلى الأمور ترافق مع ولادة دولة لبنان الكبير عام 1943، وهو سيبقى ما بقي لبنان. وبقاؤه دليل نعمة وليس نقمة، كما قد يعتبر ضيقو الصدر وأصحاب الرأي الواحد. هذا فضلاً عن فائدة تلاقح الطروحات بين القوى السياسية، وأهمية تنافس العائلات اللبنانية فيما بينها، وحراك كل منها، في عملية التطوير العامة للبلد.

13 نيسان 1975: ذكريات الحرب والسلام بين جيلين

فادي شامية

لم يكن الاختلاف السياسي أو الطائفي بين اللبنانيين في يوم من الأيام؛ إلا تعبيراً عن تنوعٍ كبير في بلدٍ رائع وصغير. الاختلاف في النظرة إلى الأمور ترافق مع ولادة دولة لبنان الكبير عام 1943، وهو سيبقى ما بقي لبنان. وبقاؤه دليل نعمة وليس نقمة، كما قد يعتبر ضيقو الصدر وأصحاب الرأي الواحد. هذا فضلاً عن فائدة تلاقح الطروحات بين القوى السياسية، وأهمية تنافس العائلات اللبنانية فيما بينها، وحراك كل منها، في عملية التطوير العامة للبلد.

المشكلة إذاً ليست في الاختلاف، الذي هو من طبيعة البشر، ومن سمات الدول "الديمقراطية"، ولكن المشكلة في حدود الاختلاف من جهة (انزلاقه نحو التخوين والتكفير مثلاً)، وفي بقائه تحت سقف الدولة والدستور من جهة أخرى (الاحتكام إلى الآليات الدستورية والطرق "الديمقراطية" وليس السلاح).

ففي كل مرة كان يحدث الانقسام، وتستشعر فيه إحدى المجموعات اللبنانية القوة في نفسها، سواء بالعدد أو السلاح أو الدعم الخارجي، فتقرر القفز فوق المعادلات اللبنانية الدقيقة، والاستقواء على الدولة، فإن النتيجة هي الحرب الأهلية. وقد حدث هذا الأمر قبل العام 1975 وقبل قيام الميثاق الوطني عام 1943، ثم حدث على نطاق واسع بعد 13 نيسان 1975.

محطات في الحرب الأليمة

قبل 13 نيسان 1975 كان الانقسام بين المسلمين والمسيحيين حاداً بشأن النظرة إلى حدود التعاطف مع القضية الفلسطينية العادلة؛ نظرة اليمين المسيحي كانت جامدة سلباً ضمن حدود الـ 10452 كلم مربع بشكل، ونظرة المسلمين، لا سيما السنة منهم، كانت جامحة في التعاطف إلى درجة تحطيم حدود الكيان اللبناني ومظاهر الدولة بالكامل. ولم يكن هذا الخلاف بحد ذاته كافياً لإنتاج حرب أهلية لولا وجود السلاح (الفلسطيني وقتها) والظروف الدولية المهيئة للحرب (وهي الظروف غير الموجودة اليوم رغم وجود الانقسام الحاد والسلاح، لحسن الحظ).

كان انفلاش السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خطأً، اعترف به الفلسطينيون واللبنانيون لاحقاً، لكن الخطأ الأكبر كان سيطرة ثقافة التخوين بدلاً من الحوار بين اللبنانيين، ما دفع حزب "الكتائب" يومها إلى تجنيد عشرات آلاف الشباب اللبناني وتدريبه على السلاح، تحت عنوان الدفاع عن الكيان، بحيث لم يكن ينقص اندلاع الحرب سوى شرارة، شاءت الأقدار أن تكون حادثة عين الرمانة (إطلاق النار على باص يقل فلسطينيين؛ انتقاماً لإشاعات تحدثت عن إصابة رئيس حزب "الكتائب" بيار الجميل بإطلاق نار مصدره سيارة فلسطينية في عين التينة)، وما لبث أن امتد القتال من بيروت إلى الشمال والجبل، فلبنان بأسره، مخلّفاً في كل جولة من جولاته المزيد من المآسي؛ قتلى، وجرحى، ومعوقين، ومهجرين، ومهاجرين، وأملاك مدمرة، ومستقبل مظلم!.

ولأن الحرب تعمّق الجراح وتزيد من حدة الانقسام؛ فقد أيّد اللبنانيون المتعاطفون مع المقاومة الفلسطينية شعار: "طريق تحرير فلسطين يمر من جونية"، الذي ولّد حالة جنونية من الخوف على الوجود؛ دفعت لبنانيين آخرين لطلب النجدة من الخارج، بما في ذلك العدو الإسرائيلي، بكل أسف. هذا العدو نفسه الذي تلاعب بالانقسامات اللبنانية، واستعمل الاحتراب الأهلي حجة لتدخله في الشؤون اللبنانية، واجتياحه أراضينا، مرة بعد مرة، قبل العام 1982 وبعده.

ولأن الاحتراب الأهلي لا يدفع العدو للتدخل في الشؤون الداخلية وحسب، فقد تحرك الجار الشقيق؛ سوريا، التي تقاطعت مصالحها في ذلك الحين مع اليمين المسيحي في ضرب المقاومة الفلسطينية، ثم ما لبثت أن انقلبت الأدوار، وساءت العلاقة بينها وبين المسيحيين، لتكون المحصلة ما يشبه الوصاية –ثم حلول الوصاية الكاملة في فترة لاحقة- عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، حتى العام 2005 (أي إلى ما بعد انتهاء الحرب الأهلية نفسها)!.

تقليب صفحات الحرب الأهلية المؤلمة تنبئنا أيضاً بأن القتال لا يجري دائماً بين الخصوم، وإنما بين الحلفاء أحياناً، وفي هذه الحالة فإن مآسيه تكون أكبر، ولا بأس هنا أن نذكّر من باب العبرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بـ: معارك "توحيد البندقية" بين "الكتائب" والقوى المسيحية الأخرى عام 1979، والمعارك بين "المرابطون" من جهة، و"أمل"-"الاشتراكي"-"الشيوعي" من جهة أخرى عام 1985، ثم تصارع القوى المنتصرة على "المرابطون" فيما بينها ("الاشتراكي"- "الشيوعي" ضد –"أمل") عام 1985 أيضاً (معركة العلم)، و"الانتفاضة" و"الانتفاضة المضادة" داخل "القوات اللبنانية" عام 1985/1986، وحرب "الأيام الستة" بين "الاشتراكي" و"الشيوعي" ضد "أمل" عام 1986، و"حرب الأخوة" بين "أمل" و"حزب الله" عام 1988، وصولاً إلى "حرب الإلغاء" بين ميشال عون وسمير جعجع، والتي قصمت ظهر القوى المسيحية، وجعلت الجيش السوري يدخل إلى القصر الرئاسي اللبناني ... بمباركة دولية!.

العبر اليوم

إن ما يهم الآن، بعد أن صارت الصفحات المؤلمة السابقة من التاريخ، أن نستلهم العبر لواقعنا اليوم، فلا نكرر أخطاء الماضي، فندفع، ويدفع أولادنا من بعدنا، ثمن هذه الأخطاء.

وفي الواقع؛ ثمة تغيرات كبيرة وقعت منذ العام 1975 إلى اليوم؛ فقد أصبحت الطائفة السنية في موقع مختلف تماماً عما كانت عليه في الماضي، وبات زعماؤها "متقدمين" في طروحات "اللبننة". بدورها انتقلت الطائفة الشيعية إلى موقع مختلف، وبات سلاحها "المقاوم"؛ ممثلاً بـ "حزب الله"، يشبه "السلاح الفلسطيني المقاوم"، قوةً وانتشاراً، وتالياً انتقل الانقسام حول السلاح خارج الدولة، إلى المسلمين فيما بينهم، مخلّفاً انقساماً مذهبياً خطيراً (من الأنصاف القول إلى الاحتقان المذهبي له أسباب عديدة، وليس السلاح إلا واحداً منها)!.

ومن التغيرات أيضاً؛ لحظة 14 آذار التاريخية، التي ختمت بالفعل جرحاً طويلاً من الحروب بين المسلمين والمسيحيين، ولكنها-لأسباب ليس هذا مجال بحثها-، فتحت جرحاً أخطر بين المسلمين أنفسهم، ما جعل البلد محكوماً بإيقاعين؛ الفتنة المذهبية والانقسام السياسي بين 8 و14 آذار. وقد أثّر هذا الانقسام، ليس على المسلمين فحسب، وإنما على المسيحيين أيضاً، إذ يبدو في ظاهر المشهد أن فريقاً منهم هو أقرب إلى السنة، وإلى الطروحات المسيحية التاريخية، وفريق آخر أقرب إلى الشيعة، وأبعد عن طروحاته التاريخية!.

ولعل الخطورة في المشهد اللبناني اليوم تتمثل في وجود سببين من أصل ثلاثة؛ أدّيا إلى الحرب في الماضي:

1- حدة الانقسام بين اللبنانيين، واتخاذه لبوساً مذهبياً، وتخطيه حدود الاختلاف الطبيعي، من خلال التخوين والتكفير، سواء في القناعة الفعلية أو التعبير السياسي.

2- وجود السلاح، واستخدامه في الداخل اللبناني، مرة تلو مرة، خلافاً للعهود والمواثيق، وفي معارك لا علاقة لها، بالسبب الذي يرفعه مالكوه؛ مقاومة "إسرائيل".

وإذا كان عدم توفر ظروف إقليمية ودولية مهيِّئة، -إضافة إلى بقيةً من الوعي السياسي والحس الوطني في هذا البلد- قد أسهم في منع اندلاع حرب أهلية دموية جديدة؛ كدنا ندخل بها في 7 أسار 2008، فإن هذا لا يعني أن الخطر من حرب أهلية جديدة غير موجود، خصوصاً أننا نعيش فعلياً ما يشبه الحرب الباردة منذ العام 2005، ولا تكاد تمر علينا سنة، دون وقوع حرب صغيرة، تذكرنا بمآسي الحرب الكبيرة، لا سمح الله أن تقع.

إن عبر الماضي تفيد أن عاملين اثنين يمكن من خلالهما وقوف الانزلاق نحو الهاوية:

1- تفهم الرأي الآخر، بل المبالغة في إيجاد الأعذار له –وهذا يسري على طرفي الانقسام بطبيعة الحال- دون أن يمنع ذلك من الدفاع عن وجهة النظر الخاصة بكل فريق وانتقاد وجهة النظر الأخرى، مع محذور واحد وهو التخوين وتعبئة الناس على أساس أن الفريق الآخر خائن متآمر، لأن ذلك لا يمكن أن يبني بلداً، فضلاً عن سلم أهلي معقول.

2- التمسك بالآليات الدستورية، والحفاظ على الدولة، على علاّتها، لأن الدولة تعني الجميع، ويشارك فيها الجميع، وإن كل اعتماد على كيان خارج الدولة سيوجد ما يقابله، وكل استقواء بالخارج يستدعي ما يماثله، وكلما فقدت الدولة قوتها انتقل القرار إلى القوى المتصارعة خارجها، وسرنا حثيثاً نحو مأساة جديدة.

يقولون إن لبنان بلد الطوائف، وإن كل مجموعة لا بد لها في زمن معين أن تجرّب إمكانية السيطرة على البلد، قبل أن تقتنع بأن دقة المعادلات اللبنانية لا تسمح لها بذلك... لكن أليس بالإمكان أن نقرأ تجارب التاريخ الغني بالعبر، بدل أن نجرّب في الواقع، فنسطّر من دمائنا مزيداً من صفحات التاريخ المؤلمة!.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


6 + 2 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع