ناصر "المقاومة" وسكت عن "داعميها"...فكافأوه بالهجوم والنعوت!
القرضاوي: الرائد الذي لا يكذب أهله
فادي شامية- السبت2 نيسان 2011 الموافق 28 ربيع الآخر 1432هـ
يتعرض العلامة يوسف القرضاوي؛ الداعية الإسلامي الأبرز على مستوى العالم اليوم، إلى حملة ظالمة ممن كان يفترض أن يحفظوا له فضله ومناصرته، وسكوته عن تجاوزاتهم طويلاً، ضناً منه بـ "المقاومة". الموضوع ليس بسيطاً، كما قد يبدو للبعض، فلو كان المسلمون السنة "يقلّدون" مرجعاً دينياً- على غرار إخوانهم الشيعة- لكان القرضاوي أحد أكثر الرجال الذين يتّبعهم الناس في هذا العالم، لما يحظى من احترام ومكانة علمية، فضلاً عن كونه صاحب مدرسة اجتهادية في الفقه؛ المدرسة الوسطية، وقد زاد عدد تلاميذه من العلماء عن المئات، فيما تأثر به وباجتهاداته آلاف العلماء في مختلف بقاع العالم، حتى أنه يكاد لا يوجد مسلم معاصر إلا قرأ أو استمع له... أو سمع عنه.
القرضاوي (84 عاماً)، رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ليس مرجعاً علمياً وحسب (حفظ القرآن وعمره 10 سنوات، ونال الدرجة الثانية على مستوى مصر في الثانوية العامة، وحل أولاً بين زملائه في درجة العالمية في أصول الدين بالأزهر، ثم صار بمؤلفاته واجتهاداته علامة في الفقه وأصول الدين)، وهو ليس داعيةً مجدداً فقط، وهو ليس مؤلفاً وشاعراً وأديباً ورئيساً لعشرات المؤسسات العالمية وكفى... القرضاوي قبل ذلك كله "مجاهد"، نال شهادةً في النضال من السجون المصرية قبل أن يحظى بأية شهادة علمية (من نظام الملك فاروق إلى نظام حسني مبارك، مروراً بكل ما بينهما). القرضاوي مجاهد خبر المحاكم العسكرية وظلم الأنظمة القمعية، حتى قال يوماً: "كنا نناضل من أجل حرية القول، فأدخلونا السجون وعذبونا حتى أننا صرنا نناضل من أجل حرية البول"!. القرضاوي نُفي من بلاده سنيناً مديدة، ومنع من الخطابة في بلده مصر أعواماً عديدة، وبدل أن تفتخر به مصر، حاربته أنظمتها المتلاحقة، فما زاده ذلك إلا تمسكاً بمواقفه، التي أمدّت المجاهدين والمقاومين و"الممانعين" بالحماسة والتأييد والثقة بالنصر.
أثناء حرب تموز من العام 2006، صدرت مواقف "حذرة" من "حزب الله"، بناءً لـ "عقيدته ولارتباطه بإيران"، وذلك من مراجع علمية معتبرة في المملكة العربية السعودية وغيرها، - كان أشهرها موقف هام للعلامة ابن جبرين، فوجد القرضاوي أن الأمر يحتاج إلى أكثر من موقف مقابل، فأفتى بـ "وجوب دعم حزب الله"، معتبراً أن "المقاومة اللبنانية جهاد شرعي، وتمثل أشرف مقاومة على الأرض مع شقيقتها بفلسطين، وأن الشيعة جزء من الأمة الإسلامية وواجب على كل مسلم نصرة هذه المقاومة ضد العدو الإسرائيلي"، (كما أصدر يومها الشيخ فيصل مولوي رداً مفصلاً على فتوى ابن جبرين). لم يعبأ القرضاوي يومها بموقف النظام المصري، ولا بموقف أية دولة خليجية أخرى، تماماً كما لم يتوان عن تأييد حركة حماس -في خطها الجهادي العام بغض النظر عن التفاصيل الأخرى-، لا سيما في الحرب الأخيرة عليها.
القرضاوي، الذي أيّد حركات المقاومة، بهذه الصفة، هو نفسه رفض اتخاذ المقاومة ومناصرة فلسطين غطاءً للتدخل في شؤون المنطقة، وبث التشيع السياسي والديني فيها، فلم يعبأ لحسن علاقاته مع أنظمةٍ وحركاتٍ بعينها، بما فيها إيران، ولم يهتم كونه رئيساً لـ "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" (الذي يضم شيعة أيضاً)، فأطلق سلسلة مواقف متلاحقة في العام 2008 حذّر فيها من "تمادي الغزو الإيراني الشيعي للمجتمعات الإسلامية السنية". يومها حاول أقرب المقربين منه أن يقللوا من حدة كلامه، لكنه أبى، بل عتب على بعض تلاميذه المصريين جراء ذلك، وقال: "لقد أردت أن أنذر قومي، وأصرخ في أمتي، محذراً من الحريق المدمر الذي ينتظرها"، وأضاف مخاطباً أحد تلامذته المقربين: "كأنك تريدني يا دكتور، أن أخون ديني ورسالتي، وأن أضلِّل قومي وأمتي، وأن أنقض الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ليبيّن للناس الحقَّ ولا يكتموه، وأن أكون شيطانا أخرس... إن الرائد لا يكذب أهله".
جاء العام 2011 بالثورات العربية، فأمدها القرضاوي بمواقفه ومداده، وهلل "شاتموه اليوم" لمواقفه إزاء الثورة المصرية المجيدة، وقبلها التونسية، فلما وصل قطار الثورات إلى حيث لا يرغبون، قالوا: لقد تحوّل القرضاوي إلى "بوق فتنة"!.
أراد "حزب الله" منه أن يوافقه موقفه الخاص من "فتنة البحرين"، فلما لم يفعل انتقده السيد حسن نصر الله دون أن يسميه، فيما راح آخرون في فلكه يتهمونه بالمذهبية بالاسم، وهو الذي ناصر الحزب في لحظة "الحاجة"، بلا أي اعتبار لكونه "حزب ولاية الفقيه".
القرضاوي لم يكن خصماً للنظام السوري -رغم اضطهاد هذا النظام لمعارضيه- حتى أن البعض اتهمه بالسكوت عن هذا النظام لحسابات إقليمية!. كان القرضاوي يصبّر "إخوانه" المنفيين في سوريا، ويدعم حماس التي تقيم في دمشق، ويزور العاصمة السورية (يرأس القرضاوي مؤسسة القدس التي لها مكتب في سورية ترأسه الدكتورة بثينة شعبان نفسها). كان القرضاوي يفاضل في ذلك بين المهم والأهم، والأساس عنده دعم كل من يواجه العدو الإسرائيلي، وقد سعى مراراً مع النظام السوري لحل مشكلة المنفيين من "الإخوان المسلمين"، بالتي هي أحسن، لكن دون جدوى.
عندما قُتل المصلون في المسجد العمري في درعا، لم يكن القرضاوي قد قال كلمة واحدة عن سوريا، لكن بعد هذه الحادثة لم يكن القرضاوي قادراً على السكوت. لا يليق به أصلاً أن يسكت وقد انتقد كل الأنظمة التي ارتكبت ما هو دون ذلك، فماذا يقول عنه الناس إن سكت وهو الذي يقول دوماً: "الرائد لا يكذب أهله"؟! لأجل ذلك قال القرضاوي في خطبة الجمعة ما قبل الماضية ما قاله، (قال: سوريا مثل غيرها، بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات)، مع العلم أنه لم يتعرّض للرئيس بشار الأسد، بل قال فيه قولاً ليناً، محملاً بطانته سوء التعامل مع الناس، ومع ذلك فقد حمّلته بثينة شعبان مسؤولية ما يجري في سوريا، وزاد بعض المزايدين لدرجة أنهم رفعوا عليه دعوى في القضاء السوري بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"!، كما نُظمت حملة إعلامية ضده، في الصحف والإذاعات وعلى الشبكة الإلكترونية.
على أي حال، القرضاوي ليس من النوع الذي يمكن إخضاعه، بدليل ما قاله هذه الجمعة، من كلامٍ قاسٍ بحق منتقديه، لكن الموضوع ليس مجرد اتهامات، ونكران جميل، وعدم احترام داعية إسلامي، فالقرضاوي يشبه الأب الروحي للحركات "الأخوانية" كلها (التي تتبع منهج "الإخوان المسلمين")، وهو يتمتع بعلاقات مع قادة أكبر دول المنطقة، وعلاقته اليوم مع مصر-ما بعد الثورة هام جداً، ما يعني أن كلامه سيترك آثاراً كبيرة في السياسة؛ لا سيما فيما يتعلق بعلاقات النظام السوري بكل من حركة حماس التي يستضيفها، وبدولة قطر التي تستضيف القرضاوي، فضلاً عن آثار ستلحق علاقات "حزب الله" (الحانق على القرضاوي بسبب مواقفه مما يجري في البحرين وسوريا) و"الجماعة الإسلامية" في لبنان وحركة "الأخوان المسلمين" في مصر، فضلاً عن آثار سياسية أخرى أشد عمقاً، مما يمكن بحثه في مقالة أخرى.
---------
القرضاوي هو:
عضو المجلس الأعلى للتربية في قطر، وعضو هيئة الإفتاء الشرعي في قطر، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي، وبنك قطر الإسلامي الدولي، ولمصرف فيصل الإسلامي بالبحرين وكراتشي، ولبنك التقوى في سويسرا، وعضو الهيئة لدار المال الإسلامي، وعضو مجلس الأمناء لمنظمة الدعوة الإسلامية في إفريقيا، ومركزها الخرطوم، وعضو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وخبير المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وعضو مجلس الأمناء للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ومجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد، وعضو رابطة الأدب الإسلامي في الكهنو بالهند، وعضو مؤسس لجمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة مركز بحوث إسهامات المسلمين في الحضارة في قطر، ونائب رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت بالأردن)،وعضو مؤسس للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وعضو مجلس إدارتها ولجنتها التنفيذية، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، ورئيس التحاد العالمي لعلماء المسلمين. (هذه عدد من المواقع التي يشغلها وليس كلها).
وقد تعرّف القرضاوي باكراً على الإمام المجدد حسن البنا، والتزم دعوته، ورافقه، وقد لقي في سبيل ذلك كثيراً من الأذى والاضطهاد والاعتقال عدة مرات، وقد رفض مراراً أن يكون مرشداً عاماً لـ "الإخوان المسلمين"، حتى يكون فقيهاً للأمة كلها.
-----
ماذا قال القرضاوي في خطبة الجمعة 1/4/2011
قال القرضاوي في مواقف جديدة –أقسى من سابقاتها وأوضح-: "إن الدولة التي تمس هيبتها كلمة هي أوهن من بيت العنكبوت"، في إشارة إلى النظام السوري، وفيما دعا إلى كشف مصير آلاف المفقودين والمعتقلين بسوريا، حذر من أن "من لا يتغير يداس بالأقدام". وانتقد القرضاوي اعتبار حزب البعث الحزب القائد في سوريا بالقول: "البعث انتهى مع (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، وانتهى عهد الأحزاب الشمولية". وتطرق القرضاوي للخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد، ومظاهر الهتافات والتأييد في البرلمان، وخاصة النائب الذي قال للأسد إنه لا يجب أن يقود العرب فحسب بل العالم ككل، فقال: "هؤلاء الذين هتفوا بالرئيس وقالوا له عليك أن تحكم العالم، لا يصلحون للقيادة وتمثيل الشعب". وحول الدعوة المرفوعة ضده في سوريا بتهمة إثارة النعرات الطائفية وتهديد هيبة الدولة، قال: "الذين رفعوا دعوى عليَّ يريدون أن يخوفوني، لن أخاف وسأظل أقول الحق". ورد القرضاوي على مفتي سوريا، الشيخ أحمد حسون، الذي وصف القرضاوي بأنه من "خطباء الفتنة" فقال: "أنا لا أهتم بالحياة، بينما آخرون يبتغون رضا البشر وليس رضا الله، إذا كان هؤلاء هم خطباء الفتنة اللهم امتني معهم واحشرني معهم". وختم القرضاوي خطبته في قطر بالدعاء لمن وصفهم بـ"المجاهدين في ثورات سوريا واليمن وليبيا،" كما دعا بـ"زوال الظالمين ودولهم".