السودان الجديد - مسار التقسيم وتحدياته

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
السودان الجديد - مسار التقسيم وتحدياته

   الكاتب :

 

 الزوار : 3807   الإضافة : 2011-03-15

 

لم يشكّل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على انفصال جنوب السودان -في 7/2/2011- والتي تقارب الـ 99% لصالح الانفصال، إلا النهاية شبه الحتمية لمسار طويل؛ تضافرت فيه مجموعة من العوامل، أدت في النهاية إلى هذه النتيجة، التي لم تُسعد العرب والمسلمين كونها تعني تقسيم السودان، وانفصال جزء من الأرض العربية، وتحوله على دولة غير عربية،

"السودان الجديد": 1/3

مسار التقسيم وتحدياته

فادي شامية- الخرطوم

لم يشكّل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على انفصال جنوب السودان -في 7/2/2011- والتي تقارب الـ 99% لصالح الانفصال، إلا النهاية شبه الحتمية لمسار طويل؛ تضافرت فيه مجموعة من العوامل، أدت في النهاية إلى هذه النتيجة، التي لم تُسعد العرب والمسلمين كونها تعني تقسيم السودان، وانفصال جزء من الأرض العربية، وتحوله على دولة غير عربية، يتوقع أن يتعزز فيها الحضور الصهيوني. (ثمة نسبة كبيرة من سودانيي الشمال كانوا يفضلون أصلاً الانفصال ليرتاحوا من أعباء النزاعات والحروب!).

مسار الانفصال

ظهرت أولى التباينات بين جنوب السودان وشماله عقب الاستقلال عن بريطانيا، عام 1956، حيث طالب الجنوبيون بالفدرالية، لكن الحكومة التي قامت في العاصمة الخرطوم رفضت هذا التوجه، مخافة أن يؤدي إلى التقسيم، لكن وبدلاً من التخفيف من هواجس الجنوبيين وتحسين أوضاعهم، عملت الحكومات المتعاقبة على إحكام سيطرتها على الجنوب، وقمع أي توجه فيه نحو الفدرالية أو الانفصال بالقوة، ما أدى إلى ظهور دعوات وتمردات تطالب بالانفصال فعلياً، ما أجبر حكومة جعفر النميري على الموافقة على أخف الضررين؛ وهو منح الحكم الذاتي للجنوب، بموجب ما عرف باسم اتفاق أديس أبابا عام 1972.

ولأن سياسة التهميش الخاطئة تجاه الجنوب استمرت، فقد تآكل الشعور الوطني السوداني، وتعمقت أزمة الثقة مع الحكومة المركزية، خصوصاً بعدما قسّم النميري الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، عام 1983، ما أثار استياء الجنوبيين، وأدى إلى تمرد الكتيبة (105) وهروبها إلى الأدغال، ولما أمر النميري قوة عسكرية بقيادة العقيد جون غرنق بإنهاء تمرد الكتيبة (105)، كانت المفاجأة بانضمام غرنق إلى المتمردين، بدلاً من إخضاعهم، وتأسيسه لاحقاً "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بهدف معلن هو: "تأسيس سودان علماني جديد"، وقد لقي غرنق دعماً من: أثيوبيا وكينيا و"إسرائيل"!.

وبعد الإطاحة بنظام جعفر النميري عام 1985 حاولت حكومة الصادق المهدي التوصل إلى حل سياسي مع غرنق، وجرى اتفاق أولي في أديس أبابا، لكن انقلاب الإسلاميين بقيادة حسن الترابي وعمر البشير عام 1989 أعاد الأمور إلى التأزم من جديد، خصوصاً بعد إعلان "الجهاد" ضد غرنق وحلفائه، وتأسيس "قوات الدفاع الشعبي"، التي استطاعت تحرير مناطق جنوبية واسعة من سيطرة غرنق.

ورغم نجاح الرئيس عمر البشير عسكرياً، ودعم الشعوب العربية والإسلامية له في مواجهة المتمردين و"الكفار" (سكان الجنوب نحو عشرة ملايين يشكّل الوثنيون نصفهم تقريباً)، ورغم تشقق "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وسقوط نظام منغستو هيلا مريام الحليف للحركة في إثيوبيا، فإن الرغبة بالانفصال تأصلت لدى الجنوبيين، خصوصاً أن فرزاً سكانياً حصل على أساس طائفي وإثني. بمعنى آخر فإن الحلول العسكرية لم تؤت أكلها رغم نجاحها الظاهر.

على هذا الأساس بقي الوضع إشكالياً في الجنوب، واضطرت حكومة الخرطوم لعقد حوارات مع المتمردين أو مع فصائل محددة منهم، إلى أن وُقِّعت "اتفاقية السلام الشامل" في نيفاشا، عام 2005، والتي نصت على منح الجنوب حق تقرير المصير خلال ست سنوات (2011)، فكان الاستفتاء ونتيجته المعروفة سلفاً (بموجب الانفصال صار عدد سكان السودان 30 مليوناً 98% منهم مسلمون، ويرتكز غير المسلمين اليوم في غالبيتهم العظمى في الجنوب الذي تبلغ مساحته 648 ألف كيلو متر مربع، وسكانه نحو 10 مليون، ولا إحصائية دقيقة لتوزع الأديان فيه، فإحصاء العام 1956 يقدّر نسبة المسيحيين والمسلمين كل منهما بـ 17% والباقي من غير الدينيين -الوثنيين والأرواحيين-، لكن يبدو أن هذه النسب تغيرت مع الزمن ليصبح المسيحيون ما بين 30-40% والمسلمون نحو 20% والباقي من الوثنيين والإحيائيين).

تداعيات الانفصال وتحدياته

رغم التقبّل الظاهر في الخرطوم لواقع الانفصال، والادعاء بأنه سيحرر البلاد من عبء النزاع الطويل (تعتبر الحرب الأهلية السودانية واحدة من أطول وأعنف الحروب الحديثة حيث أزهقت حياة مئات الآلاف من المدنيين)، وبأن السودان الجديد سينعم بـ "دولة قوية ومتطورة بعد الانفصال" كما أعلن الرئيس عمر البشير (التوجه الواضح اليوم هو نحو إعلان جمهورية إسلامية بتطبيق كامل للشريعة الإسلامية في "السودان الجديد")، فإن للانفصال تحدياته وتداعياته؛ إذ فضلاً عن الخسارة الجغرافية والديموغرافية، فإن 80% من آبار النفط السوداني –الذي لم يحظ نتيجة الحروب بما يجب من استثمار- هو في الجنوب، (تروّج حكومة الخرطوم اليوم لوجود آبار غاز كبيرة في الشمال)، وقد اضطرت الحكومة في الخرطوم لزيادة أسعار الوقود والسلع الغذائية الأساسية نتيجة فقدانها نحو 60% من واردات الدولة (النفط)، نتيجة الانفصال.

لكن هذه التداعيات ليست كل شيء، فثمة تحديات كبيرة جداً أمام البلاد بعد انفصال الجنوب، لعل أهمها:

1- إشكالية ترسيم الحدود في منطقة أبيي، حيث تتداخل العوامل الجغرافية والقبلية، فيما قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي لا يجد تأييداً بعد من قبيلتي المنطقة؛ الدينكا والمسيرية.

2- إشكاليات التنفيذ الفعلي للانفصال: الجنسية، وموظفو الخدمة العامة، وارتباط العملة، وحقول النفط، والمياه، والأصول والديون... (يرفض الجنوبيون تحمّل جزء من الديون بدعوى أن حكومة الخرطوم كانت تستدين لشراء السلاح الذي تقاتل به الجنوبيين!).

3- احتمال تمدد عدوى الانفصال نحو دارفور التي شهدت وتشهد اضطرابات دموية، والأمر قد لا يقتصر على دارفور، وإنما قد يمتد إلى أقاليم أخرى تطالب بالمزيد من الحكم اللامركزي ومن اقتسام الثروة.

4- مخاطر توسع الحضور الصهيوني على الأمن السوداني خصوصاً، والعربي عموماً، ذلك أن الروابط بين "الحركة الشعبية" و"إسرائيل" قديمة، وهي تعود إلى زمن الحرب؛ تسليحاً وتدريباً واستخباراتٍ، سيما بعدما أُعلن في الجنوب عن حتمية قيام علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، وتوسع الاستثمارات الإسرائيلية راهناً في جوبا عاصمة الجنوب، لا سيما في قطاعي الاتصالات والفنادق.

5- ازدياد التجاذب السياسي في الخرطوم حول من يتحمل مسؤولية الانفصال، حيث تعتبر المعارضة السودانية أن حكومة الخرطوم مسؤولة عما جرى، بتوقيعها اتفاقية نيفاشا، وفشلها لاحقاً في استمالة الجنوبيين نحو الوحدة، بمن فيهم المسلمون (صوّت المسلمون في الجنوب مع الانفصال)، بل فشلها في استمالة الجنوبيين المقيمين في الشمال، الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، ما جعل نسبة التصويت لصالح الانفصال قريبة من 99%، ويحاول هؤلاء المعارضون تحريك الشارع والاستفادة من موجة الثورات العربية اليوم. لكن مؤيدي الحكومة يردون على هؤلاء بأن الاستفتاء كان مشوباً بضغوطات على الجنوبيين، وبأن المشكلة مع الجنوب قديمة ولا يمكن حلها في ظل الوحدة، وأن الانفصال هو "ولادة لسودان جديد"!.

"السودان الجديد": 2/3

أزمة دارفور

فادي شامية- الخرطوم

اللواء- الخميس17 آذار 2011 الموافق 12 ربيع الآخر 1432 هـ

يقع إقليم دارفور في أقصى غرب السودان، وينقسم إدارياً إلى ثلاث ولايات: شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، وغرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة. وتناهز مساحة الإقليم نحو 510 ألف كلم2.

(إقليم دارفور باللون المظلل أقصى الغرب)

ويرجع سبب تسمية دارفور بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة الفور، فـ "دارفور" تعني موطن الفور.

ويبلغ عدد سكان دارفور ما يقارب 6 ملايين نسمة، 15% منهم من الرحّل، والباقي مستقرون. وهم يستخدمون لغات محلية إلي جانب اللغة العربية. ويسكن دارفور عدد كبير من القبائل التي تنقسم إلى مجموعتين: "مجموعات القبائل المستقرة" في المناطق الريفية مثل: "الفور"، و"المساليت"، و"الزغاوة"، و"الداجو"، و"التنجر"، و"التامة"، إضافة إلى مجموعات القبائل الرحل التي تتنقل من مكان لآخر مثل: "الأبالة"، و"المحاميد"، و"مهريه"، و"بني حسين"، و"الرزيقات"، و"المعالية"، و"السلامات"، و"البني هلبة"، و"الحيمات"، و"الترجم"، و"القمر"، و"الميدوب". أما عرقياً فتنقسم قبائل دارفور إلى قسمين كبيرين:

القسم الأول: ويضم القبائل الإفريقية وأهمها: "الفور"-"الزغاوة"-"المساليت"-"البرتي"...

القسم الثاني: ويضم القبائل العربية وأهمها: "الرزيقات"-"التعايشة"- "المسيرية"-"الهبانية"-"بني هلبة"... وكما هو واضح فإن في الإقليم أعراقاً مختلفة؛ عربية وإفريقية، وليست هناك قبيلة إفريقية 100% ولا عربية 100%.

دخل الإسلام دارفور في القرنين الثاني والثالث عشر الميلادي، أي منذ أن فرضت قبيلة "الداجو" سلطتها على الإقليم، وقد استمر الإسلام في التوسع في الإقليم بعدما أقامت قبيلة "التنجر" سلطتها فيه أيضاً، ثم أسس السلطان سليمان سلونق سلطنة الفور الإسلامية عام 844 هـ/ 1445م، واهتم ببناء المساجد وتعمير الخلاوي القرآنية، وقد كان حجاج بيت الله الحرام، من بلدان غرب إفريقيا ووسطها، يمرّون بدارفور، ولعل من أبلغ الدلائل على وجود الإسلام بدارفور منذ القدم، وجود أوقاف "التنجر" في المدينة المنورة. وقد كانت دارفور مملكة إسلامية مستقلة، حكمها عدد من السلاطين، كان آخرهم وأشهرهم علي دينار، وكان الإقليم يحكم في ظل حكومة فدرالية يحكم فيها زعماء القبائل مناطقهم حتى انهيار الخلافة العثمانية.

عند اندلاع الحرب العالمية الأولى أيد سلطان دارفور الدولة العثمانية التي كانت تمثل مركز الخلافة الإسلامية؛ الأمر الذي أغضب حاكم عام السودان، وأشعل العداء بين السلطنة والسلطة المركزية، والذي كانت نتيجته الإطاحة بسلطنة دارفور وضمها للسودان عام 1917، لكن السلطة الدارفورية عادت للحكم الثنائي المصري الانكليزي، بعد انضمامها إلى السودان، في عام 1917، وقد بقيت خاضعة لهذه الثنائية، لغاية استقلال السودان عام 1956.

النزاع المسلح في دارفور

بدأ النزاع المسلح في إقليم دارفور عام 2003، على خلفيات عرقية وقبلية. أحد جانبي الصراع يتألف من ميليشيا الجنجويد، والطرف الآخر مجموعة من القوى المتمردة، أهمها؛ حركة "تحرير السودان"، وحركة "العدل والمساواة"، وهما يمثلان الذين ينحدرون بشكل كبير من قاطني دارفور غير العرب؛ من "الفور" و"الزغاوة" و"المساليت".

ومن هنا أخذ الصراع في دارفور منحى عربياً- أفريقياً، بعد أن كان محصوراً في مواجهة بين الرعاة والمزارعين. وفي هذا السياق نشأت مليشيا الجنجويد التي تُتهم بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية بدارفور، وهو أمر دأبت تلك القبائل العربية على نفيه. وبالرغم من أن السودان ينكر أي دعم لمجموعات الجنجاويد، إلا أن الكثير من الدول والمؤسسات الدولية يتهمونه بتوفير الدعم المادي والأسلحة لهم. وإجمالاً، فهناك عدد من الأسباب أدت إلى تصعيد الخلافات في دارفور، ومن أهم تلك الأسباب:

1. كانت الإدارة المحلية في الإقليم، والمتمثلة في السلطان والناظر والعمدة والشيخ تقوم في الماضي بعمل تنظيمي إيجابي لحل النزاعات بين القبائل سلمياً، إلا أن هذه الإدارة قد ألغيت من قِبَل الرئيس السابق جعفر نميري الذي استبدلها بلجان الاتحاد الاشتراكي التي لم تتناسب مع تعددية الإقليم.

2. تتحمل الحكومات السودانية المتعاقبة جزءاً من المسؤولية عن هذا النزاع لعدم اهتمامها بتنمية غرب السودان، الذي عانى من التهميش على المستويات كافة.

3. يوجد عدد من القبائل الإفريقية والعربية في دارفور مشتركة بين السودان وليبيا وتشاد؛ وقد تأثرت هذه القبائل بالتفاعلات السياسية داخل هذه الدول، وبين هذه الدول بعضها ببعض، لا سيما تأثرها بالحرب الأهلية في تشاد في السبعينيات والثمانينيات.

4. هناك أطراف إقليمية قد تدخلت لدعم متمردي دارفور، ويبدو أن الدور "الإسرائيلي" حاضر أيضاً في هذا النزاع.

5. أدى الاتفاق الذي وقعته حكومة السودان مع متمردي الجنوب إلى تعقد الوضع في دارفور، لأنه فتح شهية زعماء الأحزاب في دارفور للمطالبة بالحصول على ما حصل عليه متمردو الجنوب.

وهناك حركتا تمرد أساسية في إقليم دارفور، بالإضافة إلى ميليشيات الجنجويد:

1. حركة تحرير السودان: وقد نشأت كحركة مسلحة عام 2003، من قبائل "الزغاوة"، و"الفور"، و"المساليت"، و"البرتي"، وآخرين من القبائل الإفريقية، ومعظم القادة العسكريين في صفوف الحركة كانوا ضباطاً سابقين في الجيشين السوداني والتشادي. وترى الحركة، كما جاء في إعلانها التأسيسي، أن الحكومات السودانية المتعاقبة، اتجهت نحو سياسات التهميش والتمييز العنصري والاستغلال والتقسيم تجاه الإقليم، وأن هذه السياسات بلغت ذروتها مع مجيء "حكومة الإنقاذ" إلى الحكم، والحركة تدعو إلى "سودان ديمقراطي موحد على أسس المساواة".

2. حركة العدل والمساواة: نشأت عام 2003، بعد حركة تحرير السودان، وينتمي معظم أفرادها إلى قبائل "الزغاوة". وأهداف الحركة، كما ورد في بيانها التأسيسي، هي: "إنهاء التمييز العنصري في منهج الحكم في السودان، ورفع الظلم الاجتماعي والاقتصادي والاستبداد السياسي عن كاهل الجماهير، وإشاعة الحرية والعدل والمساواة، ووقف جميع الحروب، وبسط الأمن وتأمين وحدة البلاد، وتسخير إمكانات الدولة وتوجيهها لتحقيق تنمية بشرية واقتصادية متوازنة، ومحاربة الفقر، وإقامة نظام فيدرالي ديمقراطي لحكم البلاد".

هل ينفصل إقليم دارفور عن السودان؟

تبدو احتمالات انفصال دارفور عن السودان جدية، خصوصاً بعدما حصل الجنوب على الاستقلال، وذلك للأسباب الآتية:

1. مساحة الإقليم الضخمة: التي تؤهله لأن يكون دولة مستقلة.

2. الإمكانيات الضخمة للإقليم: رغم قلة المصادر الحالية، على اعتبار أن المطالبين بالانفصال يأملون بنهضة كبيرة، وجلب استثمارات خارجية، تستفيد من مقدرات الإقليم الطبيعية، لا سيما النفط واليورانيوم.

3. تعقد الصراع في الإقليم: نظراً لتداخل الصراعات فيه، وامتداده على حدود دول أخرى (تشاد، وليبيا، وإفريقيا الوسطى)، وهناك قبائل تتنقل على جوانب الحدود.

4. طبيعة القبائل في دارفور: حيث أن الصراعات بين القبائل في دارفور قديمة، والحساسيات بين العرب وغير العرب حقيقة موجودة، رغم أن الجميع مسلمون.

5. البعد التاريخي: حيث أن المنطقة تاريخياً كانت منفصلة فعلاً عن السودان، أو متمتعة بحكم ذاتي.

6. عدم الثقة بالحكومة: نتيجة الإهمال المتمادي للإقليم، منذ ما قبل سلطة الرئيس عمر البشير الحالية.

7. التدخل الخارجي: الذي يدفع بقوة نحو الانفصال، لتحقيق مصالح إستراتيجية خطيرة.

مسؤولية الحكومة السودانية

لا يمكن تبرئة حكومة السودان من المسؤولية تجاه تنامي الحالة الانفصالية في دارفور. الحكومة السودانية –بنظر كثير من المتابعين غير المعادين لها- قصّرت في تنمية دارفور، وأخفقت في استثمار مقدرات الإقليم الضخمة. وقد فاقم من المشكلة ظهور "الجانجويد"، التي أخذت تقتل، وتسرق، وتفرض ما تريد... وفي كل الأحوال، وحتى لو أخذنا بما تقوله الحكومة عن عدم تورطها في دعم هؤلاء- فإنها مسؤولة مسؤولية تقصيرية عن فلتان الأمن بهذا الشكل.

ويمكن القول إنه خلال الأعوام العشرين الماضية، عانت دارفور من أحد أسوأ الحقبات في تاريخها، وقد شهد أرض الإقليم جرائم جماعية تصل إلى حد الإبادة الجماعية، لدرجة جعلت الأمم المتحدة تعتبر أن ما يجري في الإقليم هو "أسوأ كارثة إنسانية في العالم". وقد كانت ذروة الجرائم في العام 2004، حيث نزح مئات الآلاف إلى تشاد بحثاً عن ملجأ آمن.

ومما زاد الطين بلة، استغلال الأحزاب المناوئة للحكومة في السودان، ما يجري في دارفور، ولعل من أبرز الشخصيات التي حاولت الدخول على الخط، تصفية لحساباتها مع حكومة الرئيس عمر البشير، الشيخ حسن الترابي، ما أسهم في إثارة حفيظة النظام السوداني، ودفعه لارتكاب أخطاء إضافية بحق أفارقه دارفور (غير العرب)!

لكن، ومن باب الإنصاف أيضاً، نذكر أن الحكومة السودانية حاولت حل الأزمة سياسياً في وقت لاحق، وعلى هذا الأساس جرت جولات عديدة من المفاوضات بين المتمردين الدارفوريين والحكومة السودانية، أفضت إلى اتفاق أبوجا، في شهر أيار 2006، لكنه سقط لاحقاً.

أما مواقف القوى السياسية السودانية – غير الدارفورية- من أزمة دارفور، فهي على الشكل الآتي:

1- حزب الأمة: برئاسة الصادق المهدي، يرى أن "على رغم أن الصراع في دارفور له أبعاد تاريخية واجتماعية وتنموية وخدمية... إلا النظام السوداني أسهم بإضافة عدد من المشكلات".

2- حزب المؤتمر الشعبي: برئاسة الشيخ حسن الترابي، وهو يقول: "إن السياسة القمعية التي اتبعتها ومارستها الحكومة في معالجة القضية هي التي أدت إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه اليوم أهالي إقليم دارفور". (الترابي نفسه، كان من أوائل الذين دعموا التمرد في دارفور، بعد خلافه مع شريكه في الحكم عمر البشير).

3- الحركة الشعبية لتحرير السودان: يؤيد تدخلاً دولياً في إقليم دارفور، "بعد فشل الحكومة السودانية في وقف هذا الصراع".

لا شك أن احتفاظ السودان بدارفور أمر مطلوب، سودانياً وعربياً وإسلامياً، انطلاقاً من حاجة السودان والعرب والمسلمين إلى التوحد لا إلى التفرق، لكن ذلك دونه جهد هائل.

"السودان الجديد": 3/3

مستقبل دارفور والمحاكمة الدولية

فادي شامية- الخرطوم

شكّلت الحرب الأهلية في السودان فشلاً ذريعاًً للأمم المتحدة في حل النزاعات وحفظ السلم الدولي. الأزمة كانت بدأت عام 1983 وانتهت عسكرياً عام 2005 (اتفاقية نيفاشا للسلام)، بعيداً عن المظلة الأممية المباشرة، حيث جرى تنظيم استفتاء لبحث تقرير مصير الجنوب، وهو ما حصل فعلياً مطلع العام 2011 وأدى إلى تكريس انفصال الجنوب عن الشمال.

وخلافاً للنزاع في الجنوب، فقد تحركت الأمم المتحدة، عام 2005، في النزاع الذي نشأ في إقليم دارفور، بناءً على طلب فرنسا، حيث وافق مجلس الأمن عل


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


4 + 4 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع