مع اقتراب جلسة محاكمة القيادي في التيار الوطني الحر فايز كرم:
ملاحظات في كيفية تعاطي بعض القوى السياسية مع ملف العمالة للعدو!
فادي شامية- 19-2-2011
من يتابع ملف التعامل مع العدو الإسرائيلي يجد عدة ملاحظات لافتة في كيفية تعامل القوى السياسية مع هذا الملف؛ فثمة قوى تلتزم بالفعل موجبات اعتبار الملف وطنياً؛ يجب عدم إقحامه في أتون الصراعات السياسية، لكن ثمة قوى أخرى لا تتورع عن إقحام كل شيء في الصراع السياسي، بما فيها هذا الملف.
كيفية تعاطي قوى؛ نجح العدو باختراقها!
إنه مما يلفت في مجال تعاطي بعض القوى السياسية مع ملف العملاء؛ أنها ترحب بتوقيف العميل المحتمل، بل تسارع إلى إدانته إذا كان ذلك يخدم أهدافها (حالة ميلاد عيد الذي تبين أنه بريء، بعدما سيقت بحقه اتهامات خطيرة بالعمالة؛ قيل إنه اعترف بها، وذلك خلافاً للحقيقة)، بل تجتهد في ربطه سياسياً بالفريق السياسي الآخر عن حق أو غير حق (محاولات ربط عملاء بتيار "المستقبل" باعتبارهم من المؤيدين له)، لكن الأمر يختلف إذا انقلبت المعادلة، حيث تُسارع هذه القوى إلى تبرئة العميل المحتمل، عندما يكون منتسباً إليها.
وحدها حركة "أمل" من بين قوى 8 آذار سجّلت تعاملاً مختلفاً ولافتاً في هذا المجال، إذ يسجل للحركة أنها بادرت إلى تسليم من تعتقد بتورطه، ولو بمجرد الشبهة (حالة الشاب حسن الغصين، الذي لم يكن ملفه قوياً بما يكفي لإدانته بأكثر من سنة ونصف، هي المدة التي قضاها في التوقيف)، كما أنها –وعلى عكس "التيار الوطني الحر"- رحبت بتوقيف حسن الحسين، الذي كان رتيباً في الجيش لكنه تقاعد وتولى مسؤولية تنظيمية في حركة "أمل"، وقد أوقفته "شعبة" المعلومات، وأحالته على القضاء بهدوء، فحُكم بالإعدام (وهو أقسى حكم يصدر على مدان بالعمالة، بالمقارنة مع بقية المحكومين، على اعتبار أنه لم يثبت على الحسين أنه قام بأعمال تنفيذية أو أن عمالته زادت على عام). ويضاف إلى ذلك كله؛ التعاطي الإيجابي لحركة "أمل"، وأبناء بلدة تبنين مع توقيف العميل أسامة بري، الذي أوقفته "شعبة" المعلومات أيضاً، إذ أصدر أهالي البلدة، بُعيد التوقيف، بياناً (20/11/2009) كتبوا فيه العبارات الآتية: "اللهم إنا نتبرأ إليك منه، ومن عمله، ونعاهد النهج الحسيني المقاوم، نهج أفواج المقاومة اللبنانية، وأرواح الشهداء ودماء الجرحى، أن نبذل الغالي من مهجنا..."!.
والحقيقة أن الموقف الوطني الواجب على كل القوى؛ هو أن تتبرأ من العميل، ومن الخطأ وطنياً وسياسياً ربط نفسها به، وهذا ما انتهجه فعلياً أكثر من طرف؛ فحركة "الجهاد الإسلامي" لم تدافع عن الناشط في صفوفها؛ الموقوف أمين البابا، بل هي من سلمه بالتعاون مع "حزب الله" إلى مخابرات الجيش (صدر حكم إعدام بحقه يوم الخميس 17/2/2011)، و"منظمة التحرير الفلسطينية" لم تدافع عن العميد في صفوفها زياد خليل السعدي (محكوم بالحبس والأشغال الشاقة مدة 20 سنة)، و"الجبهة الشعبية –القيادة العامة" لم تدافع عن الناشط فيها وائل عبد الله (صدرت بحقه مذكرة توقيف وجاهية في 16/9/2010)، وحركة "فتح" لم تربط نفسها بأي موقوف من عناصرها (خالد القن وغيره)، وحتى المؤسسات الأمنية الشرعية، وُجد فيها من تورط بالعمالة، لكن ذلك لم يجعلها ترتبك... وحده العماد ميشال عون أصر على تبرئة فايز كرم، الذي سيمثل للمحاكمة في 22 شباط الجاري!.
وإذا كان تيار العماد عون برر هذه الاستماتة في الدفاع عن كرم، بأن توقيفه استُغل سياسياً، وأنه لا يجب الحكم على شخص قبل إدانته، وهذا صحيح من حيث المبدأ، إلا أن الصحيح أيضاً أن إعلام التيار العوني بالذات، كان ينتهج نهجاً مختلفاً. وفي عودة بسيطة إلى أرشيف موقع التيار، يظهر بسهولة؛ كيف كان يسبق اسم الموقوفين صفة عميل، حتى قبل الإحالة على القضاء، علماً أن الإعلام العوني تورّط بأكثر من ذلك في حالة ميلاد عيد، كما تورّط بالتوظيف السياسي لمفهوم "البيئة الحاضنة"، الذي ورد على لسان السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته!.
هذا؛ مع العلم أن ادعاء تيار عون باستغلال موضوع فايز كرم ضده سياسياً مبالغ فيه، لأنه جاء رداً على حملته هو تحت عنوان "البيئة الحاضنة" من جهة أولى، ولأنه تخطى موضوع كرم ليصل إلى شرعية "شعبة" المعلومات من جهة ثانية، ولأنه لم يُسجل أن استغل أحد من القوى السياسية علاقة ضابطين كبيرين بالعماد عون، أحدهما فار وصادرة بحقه مذكرة توقيف دولية هو غسان الجد، والثاني يحاكم حالياً أمام المحكمة العسكرية (مع التحفظ عن ذكر اسمه)!!.
الاستغلال السياسي ومحاولات الدخول على ملف المحكمة الدولية
أما ثاني الملاحظات الهامة في كيفية تعاطي القوى السياسية مع ملف العمالة؛ تلك الجهوزية الكاملة لدى بعض قوى وإعلام 8 آذار لاستغلال أي حدث متعلق بالعمالة، ولو قبل التثبت، في الصراع السياسي الدائر في البلد، لعل المثل الأكثر وضوحاً لذلك؛ "المانشيت" الذي خرجت به صحيفة "الأخبار" في 29/11/2010: "جانين زكريا؛ إسرائيلية في منزل الحريري" (جعل إعلام "حزب الله" والإعلام العوني من ذلك خبراً أولاً في نشرة الأخبار)، ليتبين لاحقاً عدم صحة الخبر، ما اضطر الصحيفة إلى إيراد اعتذار بعد ثلاثة أيام قالت فيه: "بعد إعادة التدقيق في الخبر تبين أن (الأخبار) قد وقعت فعلاً في خطأ غير مقصود، وهي لذلك تتقدم بالاعتذار من صحيفة واشنطن بوست (حيث أن الصحافية المذكورة تعمل فيها) ومن الصحافية جانين زكريا ومن الرئيس سعد الحريري". ( يسجل للصحيفة المذكورة اعترافها بالخطأ، وتقديمها الاعتذار).
استغلال ملف العمالة للعدو لا يقتصر على هذا الحد؛ ففي حالات كثيرة شُنت حملة إعلامية، تبعها حملات سياسية، بناءً على معلومات غير دقيقة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعرض وزير الدفاع الياس المر –من ضمن الهجوم المركز عليه منذ مدة لأسباب سياسية- إلى نشر معلومات ذات علاقة بكيفية تعاطيه مع أحد العملاء، بقصد الإساءة إليه، حيث رُوّج أن الوزير الياس المر طلب من قائد الجيش "التمهل" في توقيف العميد غسان الجد، ما أدى إلى فراره، وهي معلومة نفتها مديرية التوجيه في الجيش ببيان صدر عنها، دون أن يوقف ذلك الحملة على المر، والتي اتخذت أشكالاً عدة، من بينها الترويج لوجود خلاف بينه وبين قائد الجيش، وهو ما نفاه الاثنان معاً.
أما ثالث الملاحظات؛ فهي المحاولات الدؤوبة للدخول على ملف المحكمة الدولية، من خلال ملف العملاء، تارة بادعاء أنهم سهّلوا للعدو الإسرائيلي تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري، بدلالة وجود العميد غسان الجد في مسرح الجريمة، كما قال السيد حسن نصر الله، في محاولة منه لاستباق حكم المحكمة الدولية، وتارة بادعاء أن العملاء تلاعبوا بـ "داتا" الاتصالات، بدلالة اكتشاف عمالة موظفين في مجال الاتصالات (شربل قزي وطارق الربعة وغيرهما)، في محاولة استباقية للانقضاض على قرينة الاتصالات، كأحد قرائن القرار الاتهامي المرتقب، وتارة بالترويج لاعترافات، لم يثبت حدوثها، لموقوفين بتهمة العمالة (أو الإرهاب)، بهدف دعم نظرية وقوف جهة أصولية، أو المخابرات الإسرائيلية وراء الاغتيالات، قبل أن تقول المحكمة الدولية كلمتها.
قبل توقيف فايز كرم كان بعض إعلام الثامن من آذار يقول: إن كل الموقوفين السابقين هم عملاء صغار، وقريباً سيكتشف اللبنانيون العملاء الكبار من الطبقة السياسية. وبعد توقيف كرم تراجعت هذه المقولة لصالح الدفاع عن كرم، دون أن يعني ذلك بالضرورة اتخاذ قرار وطني، من الجميع، بتحسين التعاطي مع الأجهزة الأمنية، وبإبعاد "طائفة العملاء"، عن الاستغلال السياسي، وعن محاولات إقحامهم في ملفات أخرى بلا بيّنة... قرار كهذا يبقى مطلوباً، ولو أنه يتعين لاتخاذه تغيير العقلية التي تقوم على أساس تخوين الآخر، وتقديس الذات!.