الثورة المصرية بعيون لبنانية!
فادي شامية - السبت,5 شباط 2011
ثمة ما يشبه الإجماع في تعاطف الشعب اللبناني مع "الثورة الشعبية" في مصر؛ فالمطالب محقة، والشعوب تميل –بالفطرة- إلى مناصرة كل من يثور على الظلم... ما لم يفسد السياسيون هذه الفطرة!. ومع أن الجميع –تقريباً- في لبنان يؤيد الشعب المصري، الذي أثبت –للمشككين- أنه شعب حي، فإن هذا التأييد يختلف في خلفياته وتوصيفاته وأسبابه، من شارع لبناني لآخر!.
إشكالية في موقفي 8 و14 آذار من الحدث المصري!
في تأييد الحدث المصري لبنانياً إشكالية لافتة؛ فالشعب الثائر في مصر، يشبه بمعنى من المعاني "ثورة الأرز"، التي ثارت على ظلم النظام الأمني ما قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري حتى أسقطته، لذا فإن للتعاطف مع الشعب المصري أسسٌ قوية لدى شارع 14 آذار، لكن بالمقابل فإن إطاحة الثورة المصرية بنظام الرئيس حسني مبارك يعني -في السياسة- إزاحة نظام حليف لقوى 14 آذار، ما يعني أن القيادة السياسية لـ 14 آذار لا يمكنها أن تنقلب كلياً على علاقتها بالرئيس مبارك –مع إدراكها أن مرحلته قد انتهت-، كما لا يمكنها إلا أن تكون مع الشعب المصري، وهنا الإشكالية.
بالمقابل؛ فإن التأييد الكبير الذي تبديه قوى 8 آذار للشعب المصري، الثائر على نظامه (وهو قد كان خصماً لها)، مجروح بالتأييد الكبير لقوى 8 آذار للنظامين السوري والإيراني، مع أن الشعب السوري يعاني من نظامه، أكثر من معاناة الشعب المصري (وضع الحريات، سيطرة الحزب الواحد، الفقر، البطالة...)، كما أن النظام الإيراني قهر بالقوة "الثورة الخضراء" التي أشعلها تزوير إرادة الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وفي ذلك تبدو إشكالية قوى 8 آذار أكبر، لأن قوى 14 آذار، وفي إطار بحثها عن حلفاء لإيجاد نوع من التوازن مع الحلفاء الإقليميين لـ 8 آذار، انفتحت وتعاطت مع النظام المصري بإيجابية، (إضافة إلى تواصل شخصيات بارزة في 8 آذار مع النظام المصري في مقدمها الرئيس نبيه بري) في حين أن قوى 8 آذار تنقسم فعلياً إلى جناحين؛ أحدهما ملتصق تماماً بالنظام السوري، والآخر يرتبط عضوياً بالنظام الإيراني!.
الحسابات اللبنانية ما بعد نظام مبارك
بعيداً عن التعاطف الشعبي العام، فإن القوى السياسية في لبنان تنظر إلى التغيير الحاصل في مصر، والمشهد السياسي -قيد التشكيل- بصورة متباينة:
1- يركز تيار "المستقبل" –وقوى 14 آذار عموماً- على أوجه الشبه بين "ثورة الأرز" والثورة الشعبية في مصر، وبين ساحة الشهداء 2005 وميدان التحرير2011، وبين النظام الأمني اللبناني-السوري بعد التمديد للرئيس إميل لحود وبين النظام الأمني المصري بعد تزوير إرادة الشعب في الانتخابات تمهيداً لتوريث جمال مبارك... أي أن "المستقبل" مهتم بتظهير هذا الجانب فقط، أما الجانب السياسي فمتروك. وفي هذا الإطار يأتي اقتناص النائب وليد جنبلاط الفرصة لتذكير حلفاء الأمس بهذا الجانب والقول: "إن 14 آذار فقدت حليفاً كبيراً لها، لذلك نرى في إعلامهم وكأن على رؤوسهم الطير"! (مع أن جنبلاط نفسه كان في 20/10/2008 في ضيافة الرئيس مبارك وقد أعرب عن "التقدير البالغ للدور الإيجابي الذي تضطلع به مصر دائماً تحت قيادة الرئيس حسنى مبارك من أجل دعم استقلال وسيادة واستقرار لبنان").
2- رغم صمت "حزب الله" النسبي، وعدم تحريكه الشارع راهناً للتضامن مع الشعب المصري، لأسباب سياسية عديدة، فإن الحزب هو الرابح الأكبر من سقوط نظام حسني مبارك، فقد كان نظام مبارك خصماً عنيداً للحزب المذكور –تاريخياً-، وللنظام السوري –مؤخراً-، إلى الدرجة التي كان يخطّئ فيها المملكة العربية السعودية في انفتاحها على سوريا، كما كان النظام المصري خصماً قوياً للجمهورية الإسلامية في إيران. ولعل من الأرباح الفورية التي حققها "حزب الله" وإيران –حتى قبل رحيل مبارك-؛ فرار سامي شهاب وأفراد خليته من السجن، وادعاء المرشد علي خامنئي –بما يشبه السطو المبكر على الثورة- أن ما يجري في مصر مستمد من ثورة الإمام الخميني عام 1979، ودعوته لقيام نظام إسلامي في مصر. ومن المتوقع أن يسهم سقوط نظام مبارك في فتح المجال أمام "حزب الله" للعمل بشكل أوسع في مصر، سواء على صعيد التواصل مع غزة، أو "لمواجهة المصالح والمخططات الأميركية".
3- رغم التعاطف الذي تبديه القوى المسيحية في لبنان مع الثورة الشعبية في مصر، فإن الأوساط السياسية في أحزاب: "الكتائب"، و"القوات"، و"الأحرار" وغيرها، تبدي قلقها من المرحلة القادمة على صعيدين؛ أولاً: احتمال نقل مصر من محور إلى آخر، وثانياً: احتمال دخول البلاد في فوضى تقضي على مسيحييه كما جرى في العراق، وبغض النظر عن صحة هذه الهواجس، فإنها هواجس حاضرة، وإن كانت غير ظاهرة حالياً. اللافت في الشارع المسيحي الآخر -أي فريق العماد ميشال عون- أنه غارق في "دعم الثورة" سياسياً وإعلامياً، للنكاية بخصومه، المسيحيين منهم تحديداً (خصوصاً أن الرئيس الجميل كان في مصر قبل أيام على الأحداث الأخيرة، بعد أن سبقه إليها الدكتور سمير جعجع)، وقد وصلت الحماسة لدى النائب نبيل نقولا إلى حد الترحيب بـ"الشرق الأوسط الإسلامي"، الذي تتحدث عنه إيران، والقول إنه لا مانع من "أن نعمل كلنا إسلام"، إن نجح هذا المشروع!.
4- تقرأ الأحزاب المرتبطة بسوريا الحدث المصري على أنه ضربة للمشروع الأميركي وحلفائه –وتدرج إخراج الرئيس الحريري من الحكومة في الإطار نفسه أيضاً-، وهي في ذلك تبالغ في تحميل المعاني القومية لـ "الثورة المصرية" (ولو أن هذه المعاني موجودة بقدرٍ ما)، كما تبالغ في توظيف ما يجري في إطار صراع المحاور في المنطقة، وهي تعتبر المواقف الأميركية الداعمة لـ "الثورة المصرية" بمثابة أدلة عما تفعله الإدارة الأمريكية بحلفائها عندما يصيبهم الضعف، لكن هذه القوى ترفض –بالمقابل- الاعتراف أن ما جرى في تونس، وانتقل إلى مصر، هو ثورة على الفقر، والفساد، والظلم، وخنق الحريات، قبل أي شيء آخر، وتالياً فهي ترفض الحديث عن انتقال روح هذه الثورة إلى سوريا نفسها، وتبرير ذلك عندهم أن سوريا دولة ممانعة!. (تحدثت صحيفة الوطن السورية قبل أيام عن تزايد الدعوات على شبكة الإنترنت لـ "أيام غضب" في سورية، فيما تحدثت "هيومن رايتس ووتش" عن اعتداءات نفذها رجال أمن بلباس مدني على محتجين سوريين يوم الأربعاء الماضي، واعتقالهم الناشطة زهير الأتاسي)!.
5- ثمة فريق غير مؤثر في المعادلة اللبنانية كثيراً، لكنه –فعلياً- من أوائل المستفيدين مما يجري في المنطقة، إذ يبدو الإسلاميون السنة في لبنان، وعلى رأسهم "الجماعة الإسلامية" (جزء من التنظيم الدولي لـ "الإخوان المسلمون")، في حالة نشوة كبيرة، فكما كانوا أكثر المقهورين من سطوة الأنظمة القائمة -وهي أنظمة سوّقت نفسها لدى الغرب على أساس أنها السد في وجه الإسلاميين- فهم أكثر المرتاحين اليوم لسقوط بعض هذه الأنظمة؛ ففي تونس عاد الزعيم الإسلامي راشد الغنوشي -وحزبه حركة "النهضة"- ("إخوان مسلمون") بعدما كان منفياً ومحكوماً بالإعدام، وفي مصر يتوقع أن يسيطر "الإخوان المسلمون" على غالبية أي برلمان قادم بسهولة، وفي الأردن بات صوت "الإخوان" –المعارضة الحقيقية للنظام- أقوى، كما في اليمن ("التجمع اليمني للإصلاح")، وقبلها في العراق ("الحزب الإسلامي")، فضلاً عن وجودهم القوي في كل البلدان العربية الأخرى، وقد بدأ نشاطهم يتزايد مؤخراً، لا سيما في البلدان المرشحة لانتقال العدوى الشعبية إليها.
أياً تكن الأوضاع التي سيؤول إليها المشهد المصري، فإنه من المحتوم أن نظام مبارك ما قبل 25 كانون الثاني/يناير أصبح شيئاً من الماضي، وأن مصر ستشهد حراكاً سياسياً كبيراً في الفترة القادمة، قبل أن يتشكل المشهد السياسي الجديد، وأن هذا المشهد الجديد سيترك تداعياته على المنطقة كلها، بما في ذلك لبنان، بالتأكيد.