استقبال تاريخي لزعيم حركة النهضة في تونس
محمد الحمروني
تونس – إسلام أون لاين
احتشد الآلاف ظهر الأحد 30-1-2011 بمطار تونس قرطاج الدولي لاستقبال الشيخ راشد الغنوشي الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية في تونس، والمفكر الإسلامي ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وغصت قاعة المطار وساحته الخارجية بما يناهز الآلاف من أبناء حركة "النهضة" ومناصريها وعائلاتهم، الذين رفعوا شعارات ترحب بعودة الغنوشي وتؤكد على أن تونس دولة إسلامية ولا يمكن أن تجتث من هويتها، وردد المتظاهرون "الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" و"تونس تونس إسلامية" و"لا خوف من الإسلام".
وقبل ساعات من وصوله احتشد المستقبلون بالمطار وغصت الشوارع القريبة منه بالسيارات، كما احتشدت عشرات وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية لتغطية الخبر، وأجرت عديد الحوارات مع قيادات حركة "النهضة" التي خرجت لأول مرة للإدلاء بتصريحات صحفية علنية منذ ما يقارب العشريتين.
وكان لافتا خلال هذا الاستقبال حضور مختلف قيادات الحركة التاريخيين، إلى جانب القيادات الشابة، وكانوا صفا واحدا جنبا إلى جنبا في إشارة توحي بإعادة توحيد صفوف الحركة ونبذ ما بزغ من خلافات هامشية في السنوات الماضية.
وقد حضر هذا الاستقبال كل من الشيخ عبد الفتاح مورو الزعيم الثاني لحركة النهضة ومؤسس الحركة إلى جانب الشيخ راشد، إضافة إلى حمادي الجبالي الذي أصبح يمثل القيادة الجديدة للحركة، وعدد من القيادات الأخرى من بينها على العريض وزياد الدولاتلي وعبد الكريم الهاروني وعبد اللطيف المكي والشيخ صالح بن عبد الله وغيرهم كثير.
ومثّل وصول الشيخ إلى قاعة المطار لحظة غاية في الحماسة والإثارة حيث تزاحم عشرات الصحافيين للالتقاط الصور للشيخ فيما تدافع الحاضرون بشدة كبيرة في محاولة منهم الاقتراب منه لرؤيته ومصافحته.
في ذات الوقت ارتفعت حناجر الحاضرين بالتكبير والتهليل وحمد لله على هذا الانجاز الذي اعتبره أبناء "النهضة" تاريخيا ويعلن نهاية مرحلة الاستهداف والإقصاء والنفي التي تعرضوا طوال حقبة بن علي.
في المقابل أطلقت مجاميع من النسوة والفتيات، محجبات وغير محجبات، العنان لزغاريدهن التي أضفت على قاعة المطار أجواء من الفرح العارم. وتبادل أبناء حركة النهضة التهاني والعناق بعودة الشيخ وباجتماع شملهم من جديد بعد نحو عشريتين من المطاردة والسجن والنفي والتهجير.
أما الشيخ راشد فقد بدا في صحة جيدة وهو يرد على تحيات مستقبليه، وحاول مصافحة أكبر عدد ممكن ممن بسطوا له أيديهم، وفوجئ بحجم الاستقبال الذي حظي به، وردد الشيخ وهو يحاول أن يجول بناظريه في الحشود المجتمعة "الحمد لله الحمد لله" وحاول مرافقوه رد المستقبلين عنه إلا أنهم عجزوا عن ذلك ولم يتمكن الغنوشي من الخروج من قاعة المطار إلا بجهد كبير حتى خشي عليه البعض من الإغماء.
وبمجرد خروجه من القاعة استقبلته حشود كبيرة جدا في الساحات الأمامية للمطار، وعلى امتداد موقف السيارات الشاسع تجمع الآلاف يهتفون "الله اكبر" ويرددون أغنية "اقبل البدر علينا...".
وحضر الاستقبال طيف واسع من أبناء الحركة الإسلامية من حركة النهضة أولا ومن أبناء التيار السلفي وعدد من رموز وقيادات العمل الإسلامي الأخرى من بينها رموز إسلامية مستقلة، وبدا التيار الإسلامي في لحظة انصهار تام لمختلف مكوناته، وهو ما دفع احد الحضور للتعليق بالقول "أتمنى أن نظل مجتمعين على الدوام مثلما وحدتنا هذه اللحظة التاريخية الفارقة".
وفي الساحة الخارجية للمطار ألقى الشيخ كلمة مقتضبة جدا حمد فيها الله على منّه وفضله، وأثنى على من قال إنهم ضحوا بدمائهم من اجل الحرية والكرامة لتونس ولكل أبنائها.
وفاجأ حجم الحضور الذي كان كبيرا جدا قيادات حركة النهضة وهو ما أدخل شيئا من الإرباك على عملية الاستقبال حيث لم يتمكن الشيخ من أن يلتقي الصحافيين مثلما أعلن عن ذلك في وقت سابق كما لم يتمكن الشيخ من إلقاء خطاب في الحضور.
وفي تصريحات خاصة بـ"إسلام أون لاين" قال زياد الدولاتلي أن الحركة لم تعمل على حشد عدد كبير من المستقبلين، ولم تكن تتوقع أن يكون الحضور بهذه الكيفية.
وأوضح القيادي النهضوي أن ما شهده مطار تونس قرطاج الدولي فاق كل التوقعات من حيث الحضور الذي كان كبيرا، ولكن أيضا من حيث التأثر الذي بدا على الحاضرين، وهو ما عكس الحب الكبير والتعلق الشديد للتونسيين بالشيخ رغم حدة الهجمة الإعلامية التي تعرض لها والتي تواصلت لأكثر من 18 سنة في محاولة من النظام السابق وبعض أزلامه من العلمانيين واللبراليين ومن بقايا اليسار الذي تحالف مع بن علي لشيطنة الشيخ.
ولم يقتصر الحضور بمطار تونس قرطاج على الآلاف من محبي الشيخ وأنصاره بل حضرت كذلك مجموعة تتكون من مجموعة أشخاص معظمهم من جمعية النساء الديمقراطيات اليسارية المتطرفة، وهم يحملون شعارات تندد بما قالوا إنها مواقف الشيخ الرجعية من المرأة ومن عدة قضايا تتصل بها على غرار الإرث والمساواة التامة مع الرجل.
وردا على ذلك قال الصحبي عتيق القيادي بحركة النهضة "إن هؤلاء بقايا الاستئصالين الذين تحالفوا مع بن علي وزمرته وهم اليوم مرعوبون من الحرية والديمقراطية التي أهداها لنا شهداء شعبنا ومناضلوه بدءا من شهداء الحركة الوطنية وشهداء حركة النهضة ووصولا إلى محمد البوعزيزي وغيره من أبناء هذا الوطن العزيز".
وأضاف عتيق "إن هذه الأصوات التي ترتفع اليوم تنادي بالإقصاء وتشرع للاضطهاد والقمع هي جيوب ردة تريد أن تعود بتونس إلى سنوات الرصاص وهي للأسف لم تع اللحظة جيدا لأن تونس قررت القطع نهائيا مع الماضي، والقطع مع رموزه ومن بينهم هؤلاء الاستئصالين الذين سيكون مصيرهم إلى مزبلة التاريخ مثل مصير زعيمهم بن علي".
سيرة نضال
والشيخ راشد الغنوشي من مواليد سنة 1941 بقرية الحامة بالجنوب التونسي، أين تلقى تعليمه الابتدائي قبل أن ينتقل إلى مدينة قابس بالجنوب التونسي، ومنها إلى تونس العاصمة، وهناك أكمل تعليمه في الجامعة الزيتونية.
وانتقل الشيخ بعد ذلك إلى مصر لمواصلة دراسته، وكان حينها من الذين تأثروا بتجربة عبد الناصر القومية، لكنه لم يتلبث أن انتقل إلى سوريا، حيث حصل على الإجازة في الفلسفة. وهناك بدأت تتبلور معالم فكره الإسلامي الأولى.
وبعد دمشق تحول الغنوشي إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون، وبموازاة الدراسة بدأ نشاطه الإسلامي وسط الطلبة العرب والمسلمين، كما تعرف على جماعة الدعوة والتبليغ، وكانت له تجربة مع هذه الحركة لكنها لم تدم طويلا.
وفي نهاية الستينات عاد الشيخ لتونس وبدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية، الذين تشكلت منهم النواة الأولى لحركة الاتجاه الإسلامي التي كانت تسمى حينها بالجماعة الإسلامية، ثم بحركة "النهضة" بعد أن غيرت اسمها في نهاية التسعينات في محاولة منها للاستجابة للشروط التي فرضها قانون الأحزاب وخاصة منها عدم الاعتراف بأي حزب يتكون على أساس ديني.
وتعرض الشيخ في أكثر من مناسبة إلى المحاكمة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي عدة مرات كانت أهمها المحاكمات التي وقعت سنة 1981 بعد تقديم الحركة مطلبا للحصول على تأشيرة للعمل القانوني، وحكم عليه حينها بالسجن لمدة 11 عاما.
وفي سنة 1987 أعيدت محاكمته بالسجن مدى الحياة، وهو نفس الحكم الذي صدر عليه مرة أخرى سنتي 1991 و1998.
ويعتبر الغنوشي من قيادات التيار الوسطي للحركات الإسلامية الحديثة، وقد انتخب السنة الماضية نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد أن ظل لسنوات عضو باز في مجلس أمناء الاتحاد.
وللشيخ العديد من المؤلفات من بينها "طريقنا إلى الحضارة" و"نحن والغرب" و"حق الاختلاف وواجب وحدة الصف" و"القضية الفلسطينية في مفترق الطرق" و"المرأة بين القرآن وواقع المسلمين" و"حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية" و"الحريات العامة في الدولة الإسلامية".
يذكر أن الشيخ قال قبل عودته إلى تونس انه عائد إلى بلده ولن يسمح بإقصاء التيار الإسلامي من العملية السياسية.
ووجه الشيخ قبل عودته رسالة إلى الشعب التونسي قال فيها انه عائد إلى بلده الذي وصفه بالحبيب. وقال في الرسالة التي حصل "إسلام أون لاين" على نسخة منها أنه لا ينوي الترشح لأي انتخابات رئاسية أو برلمانية وانه لا يسعى إلى أي منصب وأن كل ما يريده هو أن يستنشق هواء بلده الذي حرم منه لأكثر من 20 سنة وأن يصلي في جامع الزيتونة المعمور.