طائفة العملاء 4/4
سلسلة مقالات صحفية حول شبكات العمالة للعدو الإسرائيلي
عملاء خانوا قسمهم العسكري
فادي شامية- اللواء- السبت,22 كانون الثاني 2011 الموافق 18 صفر 1432 هـ
أن يعطي المواطن معلومات إلى العدو لمعاونته على فوز قواته، والإضرار بوطنه وشعبه، فهي خيانة، لكن أن يتورط بالتواصل مع العدو من يفترض أن تكون مهمته مقاتلة هذا العدو، فهذه خيانة مضاعفة.
وبغض النظر عن الإغراءات التي توسّلها العدو للإيقاع بعميله، سواء كانت مالية أو جنسية... أو حتى أسباباً سياسية، فإن لا شيء يبرر للعميل خيانته لوطنه، أو نكثه بيمين الولاء للمؤسسة الأمنية التي ينتمي إليها، حتى بعد أن يتقاعد من الخدمة.
ومع أنها خيانة مضاعفة، وجريمة مركبة، فقد استطاع العدو الإسرائيلي -بكل أسف- أن يجّند من أبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية من يكون عيناً له على رفقاء السلاح، وعلى أهله وجيرانه وباقي مكونات شعبه.
الأمن العام وقوى الأمن الداخلي
العميد المتقاعد أديب العلم (مواليد 1942-رميش) كان أول الذين ثبتت عليهم جريمة الخيانة، ممن أوقفتهم "شعبة" المعلومات. العلم خان يمين الولاء للمؤسسة العسكرية منذ العام 1994، أي قبل توقيفه بـ 15 سنة، وكان لا يزال وقتها ضابطاً في الأمن العام، برتبة مقدّم. العلم ورّط معه زوجته، وساعد في توريط لبنانيين آخرين من خلال شراء خطوط هاتفية خلوية لبنانية وإرسالها إلى العدو، وافتتاحه مكتب "دوغلاس للتوظيف" بطلب من العدو، بهدف الاستفادة المحتملة منه في تجنيد مقدّمي الطلبات.
ولعل من محاسن الصدف أن تكون بداية توقيف العملاء، في تاريخ لبنان الحديث (اعتباراً من العام 2009 تحديداً) مع أديب العلم (11/4/2009)، فقد كان الرجل صيداً فاق التوقعات، لأن أرقام الهواتف الخلوية التي اشتراها، والتي احتفظ بأرقامها، أدت إلى توقيف عدد كبير جداً من العملاء الآخرين، ومن بين هؤلاء قريبه جوزيف العلم، الموظف في الأمن العام اللبناني، وذلك بعد أربعة أيام فقط على توقيف أديب العلم، وزوجته حياة صالومي.
وبعد نحو شهر ونصف على توقيف العلم أوقفت مديرية مخابرات في الجيش اللبناني العنصر في قوى الأمن الداخلي هيثم السحمراني (29/4/2009)، وما لبثت أن أوقفت زوجته راغدة ضاهر بجرم التعامل، وقد تبين أن شقيقته ساحرة السحمراني هي التي ورطته بالعمالة مستغلةً ضائقته المادية (فارة إلى فلسطين المحتلة مع زوجها أمين الأمين).
وقد تبين أن السحمراني (مواليد 1970-عكار) كان مقيماً في الضاحية الجنوبية لبيروت (ربما هذا هو السبب الذي جعل الإسرائيليين يهتمون به، رغم تدني رتبته العسكرية)، وأنه تورط في العمالة اعتباراً من العام 2004، وأن سيرته لم تكن سوية أصلاً، ما أدى إلى كسر رتبته من معاون إلى رقيب أول في العام 2003.
لكن السحمراني لم يكن أول منتسب إلى قوى الأمن الداخلي تثبت عليه العمالة، فقد سبقه من هو أخطر منه بكثير؛ الرتيب المتقاعد في قوى الأمن الداخلي محمود رافع (مواليد 1949-حاصبيا)، وذلك لاشتراكه بتنفيذ عمليات اغتيال عديدة، وقد نال "مرتبة" أول عميل محكوم وجاهياً بالإعدام منذ 14 سنة.
... والجيش أيضاً
إضافة إلى جهازي الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، فقد نجح العدو في الإيقاع بعدد من ضباط ورتباء الجيش اللبناني، ولعل أشهر هؤلاء العميد المتقاعد فايز كرم (مواليد 1948-زغرتا)، وسبب هذه "الشهرة" تعود إلى حساسية المواقع التي شغلها في الجيش (كان آخرها رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسس، حيث استمر في هذا المنصب حتى 13 تشرين الأول 1990)، فضلاً عن موقعه القيادي في "التيار الوطني الحر"، ودفاع العماد ميشال عون وفريقه السياسي عنه، بشكل خاطئ... ومع ذلك فإن كرم لم يكن الوحيد من كبار ضباط المؤسسة العسكرية، الذين تورّطوا مع العدو الإسرائيلي.
فثمة ستة ضباط آخرين أوقفوا مؤخراً بتهمة العمالة للعدو؛ هم:
- المقدم الركن شهيد تومية (مواليد 1961 -بيت ملات العكارية، وهو مقيم في شرق بيروت)، وقد بدأ عمالته منذ العام 1996، أي أن تاريخه في العمالة هو 13 سنة قبل توقيفه من قبل مخابرات الجيش. (يعاني من أكثر من شهرين من عوارض نفسية وعصبية، استدعت إدخاله إلى المستشفى العسكري وإرجاء محاكمته بجرم التعامل).
- المقدم غزوان شاهين (مواليد 1961-الهرمل) وقد بدأ عمالته منذ العام 1996 أيضاً، (وهو يخضع للمحاكمة إلى اليوم).
- العقيد الركن منصور دياب (مواليد 1962-عدبل وهو مقيم في بعبدات) وقد بدأ عمالته منذ العام 1996 أيضاً، وتقلد مواقع حساسة في الجيش، من بينها قائد مدرسة القوات الخاصة (وهو يخضع للمحاكمة إلى اليوم).
ويبدو أن الضباط الثلاثة السابق ذكرهم كانوا من دورة واحدة، فهم من نفس السن تقريباً، وقد تم تجنيدهم جميعهم في السنة نفسها، دون أن يعني ذلك أنهم كانوا يشكلون معاً خلية واحدة.
كما يمكن إضافة ضابط رابع لهم، من الدورة نفسها، هو المقدم ضاهر الجرجوعي، وقد تمكن من الفرار إلى فلسطين المحتلة عن طريق البحر، قبل إلقاء القبض عليه.
وقد سجل العام 2010 توقيف ضابط جديد في الجيش هو العقيد في سلاح المدرعات أنطوان أبو جودة (مقيم في المتن)، الذي تبين أنه بدأ العمالة في العام 1996 أيضاً، وقد طلب له قاضي التحقيق العسكري، في 3/1/2010 عقوبة الإعدام وأحاله أمام المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة.
وإلى جانب هؤلاء جميعاً يبرز العميد المتقاعد غسان الجد، الذي غادر لبنان في أيار عام 2009، بعدما شعر بقرب اكتشاف الأجهزة الأمنية لعلاقته بالعدو الإسرائيلي. وكان اسم الجد قد ظهر إلى العلن بقوة في آب الماضي، عندما أعلن السيد حسن نصر الله أن في حوزته معلومات تؤكد أن الجد كان في مسرح جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في اليوم السابق لوقوع الجريمة. وقد أعدت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ومديرة المخابرات، كلاً على حدة، تقريراً عنه إلى المدعي العام التمييزي، الذي ادّعى عليه في 16 آب الماضي بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، ولاحقاً دوهم منزله في رومية، وصدرت مذكرة أنتربول دولي بحقه، ليصار إلى استرداده.
ومن بين الرتباء في الجيش الذين تورطوا في العمالة؛ العميل المحكوم بالإعدام حسن الحسين، فقد كان رتيباً في الجيش لكنه تقاعد، وتولى مسؤولية في حركة "أمل"، ثم تبين أنه عميل فأوقف وأدين.
في القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول بحق المقدم غزوان شاهين كتب: "يقسم الضابط اللبناني لدى تخرّجه من المدرسة الحربية أمام رئيس البلاد القسم التالي: أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً حفاظاً على عَلم بلادي، وذوداً عن وطني لبنان. وهي لحظة مؤثرة، يقف فيها الضابط، ليس أمام الرئيس فقط، بل أمام ربّه وضميره، مُلزماً نفسه بعهد ووعد بالدفاع عن وطنه بوجه العدو، بكل ما لديه من عطاء، بما فيها المُهج والأرواح، ومن بديهيات الدفاع عن الوطن، عدم مساعدة العدو، أو التواصل معه، بأي شكل من الأشكال، ومَن يفعل، يكون قد نكث بقَسمه، وأساء إلى وطنه، وإلى نفسه، ودينه، ولرفاق السلاح. وهذا القَسَم مُلزم به ليس كل عسكري مهما كانت رتبته فحسب، بل هو واجب طبيعي على كل مواطن منذ ولادته وحتى الممات".
وإذا كان نكث ضابط بقسمه مؤلم لكل أبناء الوطن، إلا أن واقع المؤسسة العسكرية التي تضم آلاف الضباط (الحاليين والمتقاعدين) المقدامين والشرفاء، كفيلٌ بسمح هذا الشعور، ولو أن اللطخة السوداء في النسيج الأبيض هي التي تظهر، وتثير التساؤلات... وعلى كل حال، فإن تنظيف هذه اللطخات السوداء، يبقى ضرورة وطنية.