طائفة العملاء1/4
سلسلة مقالات صحفية حول شبكات العمالة للعدو الإسرائيلي
واقع العمالة للعدو في لبنان
فادي شامية- الثلاثاء- 18-1-2011
في 11/4/2009، داهمت وحدة من "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي، منزل الضابط المتقاعد في الأمن العام أديب العلم، ليتبين وجود أجهزة إرسال متطورة تعمل عبر الأقمار الصناعية، إضافة إلى مستندات مزورة، وبالتحقيق معه ومع زوجته، تبيّن أن أديب العلم متورط بالعمالة منذ العام 1994.
توقيف العلم كان فاتحة توقيفات عديدة لاحقة (سبق ذلك توقيفات محدودة تولتها مخابرات الجيش أهمها للعميلين محمود رافع وعلي منتش المحكومين اليوم بالإعدام)، نفذت أكثرها "شعبة" المعلومات، ويليها في العدد والأهمية مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، فيما تولى جهاز أمن "حزب الله" هو بنفسه توقيف عدد من الأشخاص؛ سلّمهم بعد التحقيق معهم إلى مديرية المخابرات، عدا مجموعة واحدة سلمها إلى الأمن العام (حسين موسى، وجعفر حلاوي بالمرتبطين بالعميل الفار أحمد طنوس).
في شهر نيسان الماضي قررت وزارة الخارجية تقديم لائحة اسمية بالعملاء المكتشفين حديثاً إلى الأمم المتحدة، ضمت 141 اسماً، ما بين مدعى عليه ومحكوم. ولم ينقض العام 2010 حتى ارتفع عدد العملاء المكتشفين إلى 168 عميلاً (بعد حذف أسماء من أطلق سراحه، أو صدر حكم بتبرئته).
والواقع أن هذا العدد الهائل من العملاء يستوجب دراسة الظاهرة من عدة وجوه، بحيث تسهم مخرجات هذه الدراسة في محاصرة العمالة للعدو، لأن فهم واقع وأسباب أية ظاهرة؛ مفيد في التعامل معها، ولعل المؤشرات الرقمية الأولية تعطي المؤشرات الآتية:
1- تؤدي أسباب كثيرة إلى سلوك درب العمالة القذر. وبمراجعة ملفات محاكمات العملاء، فإن نسبة كبيرة منهم أقرّت بأن سبب عمالتها هو الرغبة بالحصول على المال، فيما صرّح آخرون بأنهم سلكوا درب العمالة نتيجة موقف سياسي من سوريا أو "حزب الله"، فيما شرح آخرون الإحباط الوظيفي أو الاجتماعي الذي مروا به وأدى بهم إلى العمالة... وأنكر بعضهم أنه عميلٌ أصلاً، مدعياً أن اتصاله بالعدو كان من باب الحشرية!، وقال آخرون إنهم كانوا يريدون خدمة المقاومة عبر استحصالهم على معلومات!.
2- تلعب القرابة دوراً في تجنيد العملاء، بحيث يؤدي وجود عميل في أسرة ما، ولمدة كافية قبل أن يُعتقل، إلى تجنيده آخرين معه، وأول المرشحين لذلك زوجته، لذا فإن من بين العملاء المكتشفين 41 سيدة، من أصل 168 عميلاً!. وللدلالة على تأثير العميل في أقاربه، يمكن ملاحظة وجود أكثر من عميل مكتشف من عائلة واحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن العملاء المكتشفين من آل العلم بلغ سبعة هم: فوزي وسعيد ويوسف وإيلي ونمر ومريم وأديب العلم، فضلاً عن زوجة الأخير حياة الصالومي. ومثل ذلك يمكن أن يقال في العملاء المكتشفين من آل الخوجة (أربعة فارون)، أو كرم (الموقوفون: الياس ووليد وفايز) وياسين (ثلاثة أحدهم فار). وفي إطار تأكيد دور القرابة في سلوك درب العمالة، ثمة حالة لافتة للعميل مروان الفقيه الذي ورث العمالة عن والده بعد وفاته، وللعميل، سوري الجنسية، هيثم الضاهر الذي ورث العمالة عن شقيقه نبيل بعد وفاته.
3- يوجد من بين العملاء المكتشفين نحو 47 عميلاً فاراً، ولو أن العدد الأكبر من هؤلاء اكتُشفت عمالته وهو خارج أرض الوطن، إلا أن عدداً منهم نجح بالفرار بعدما شعر أن توقيفه قريب، نتيجة للتسريبات الإعلامية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: العميد المتقاعد غسان الجد، الذي غادر لبنان في أيار 2009، وقد كتبت بعض الصحف عن الموضوع، في وقت سابق عن ذكر السيد حسن نصر الله أنه كان موجوداً في مسرح جريمة اغتيال الرئيس الحريري ("الديار" على سبيل المثال، حيث رد الجد على الصحيفة المذكورة من مكان ما خارج لبنان، مكذباً ما ذكرته عنه!). أضف إلى ذلك؛ تمكن أشخاص من مغادرة لبنان، بعد توقيف العميل شربل قزي، لكن لم يجر الادعاء عليهم، لأن الشبهات حولهم غير مؤكدة، وتتطلب التحقيق معهم، وهو أمر لم يعد ممكناً بعد مغادرتهم الأراضي اللبنانية!.
4- تظهر ملفات العملاء المكتشفين أن الغالبية الساحقة منهم تم تجنيدهم لمدة تزيد عن خمس سنوات، وأن 19 عميلاً فقط من أصل 168 وقعوا في العمالة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأن 11 منهم جنّدهم العدو بعد حرب تموز 2006، (رغم كل ما قيل عن اهتمام العدو بتجنيد العملاء كرد فعل على خيبته في هذه الحرب)، أما العدد الأكبر من العملاء المكتشفين فهو سابق لهذا التاريخ (العميل موسى علي موسى مثلاً أمضى في العمالة 33 سنة!، فيما أمضى شريكاه علي زيتون ومحمد عبد الله 27 سنة!)، ما يشير إلى تقصير فادح في مكافحة التجسس، لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، في الحقبة التي سبقت العام 2005، سيما أنها فترة تميزت بالهدوء السياسي مقارنة مع الواقع السياسي الحالي، وبالأمن النسبي، الذي كان يقال عنه إنه ممسوك، وتالياً فإن ثمة ما يشير في هذا المجال إلى فضيحة، لا يمثلها عدد العملاء المكتشفين في العامين الأخيرين، وإنما الفضيحة هي في وجودهم كل هذه السنين بلا اكتشاف!.
5- تشير أعمار العملاء الموقوفين إلى النسب الآتية؛ ثلث العملاء تقريباً جرى تجنيدهم وهم في العقد الثاني أو الثالث من العمر، وثلثهم جرى تجنيدهم وهم في العقد الثالث، وثلثهم جرى تجنيدهم وهم في العقدين الرابع والخامس من عمرهم، ما يشير إلى نتيجة مفادها أن العدو يستهدف كل الأعمار من جهة، وأن بعض العملاء من فئة الثلث الأخير (العقدان الرابع والخامس) قد يكون توفى قبل اكتشافه، وتالياً، فإن العدد الفعلي للعملاء يجب أن يضاف إليه العملاء المتوفون (اكتشفت الأجهزة الأمنية بعضهم أو اشتبهت بقوة على الأقل دون أن تعلن ذلك؛ لعدم المصلحة واحترماً لشعور أسرته، من جهة، ولعدم إمكانية المواجهة بالأدلة والحصول منه على اعترافات، من جهة أخرى).
6- يضم العملاء المكتشفون جنسيات أخرى غير الجنسية اللبنانية، إذ فيهم فلسطينيون وسوريون ومصريون (مصري واحد)، والعملاء اللبنانيون الملقى القبض عليهم، يتوزعون –لجهة سجل النفوس- على المحافظات كافة، وللجنوب حصة الأسد (64.1%)، تليه في المرتبة الشمال (14.7%) ثم بيروت (9.8%) فالبقاع (6.5%)، وأخيراً محافظة جبل لبنان (4.9%)، ولجهة الانتماء الطائفي هم من كافة الطوائف اللبنانية، مع تفاوت في العدد بين طائفة وأخرى. وإذا كان سِجلُ النسبة العالية من العملاء الموقوفين هي من الجنوب؛ فهذا لا يعني أنهم يقيمون جميعهم في الجنوب، إذ نصف هؤلاء تقريباً يقيمون خارج محافظة الجنوب، لا سيما في العاصمة بيروت. وهذا يسري أيضاً على العملاء المتحدرين من محافظة الشمال.
7- يظهر من تتبع طرق العدو في تجنيد العملاء أنه يستغل نقطة الضعف في كل حالة على حدة، وأنه يستغل وجود قرابة عائلية أو صداقة مع أحد العملاء، وأنه يمنّيهم بما يشتهون، وأنه يعتمد السفر والالتقاء بالعملاء في الخارج كوسيلة مريحة لديه للتجنيد، لا سيما مع العملاء المهمين لجهة الموقع الذي يشغلونه، كما يعتمد إدخالهم إلى فلسطين المحتلة بعد سفرهم إلى الخارج، وأنه يتحاشى التواصل معهم بالوسائل الهاتفية ما أمكن، وأنه يعتمد في نقد المال لهم عبر البريد الميت الذي يضعه عميل آخر، وأن نحو 95% من العملاء مهمتهم جمع المعلومات وليس تنفيذ العمليات (يتولاها العدو بنفسه عادة بالاعتماد على التسهيلات التي يؤمنها عملاؤه).
المؤشرات الرقمية السابقة تعطي فكرة أولية فقط، لكنها مهمة في فهم واقع العمالة للعدو الإسرائيلي في لبنان.