مصر في عيون "القاعدة" دائماً!
فادي شامية-اللواء- الخميس,6 كانون الثاني 2011 الموافق 2 صفر 1432 هـ
يخطئ من يظن أن اهتمام "القاعدة" بمصر مستجد؛ فـ "التغيير" في أرض الكنانة هو الهدف الأول لـ "القاعدة"، مذ نشأ التحالف بين أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، لا سيما بعدما بلور الرجلان مشروعهما المشترك: "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، في شباط من العام 1998.
ومعلوم أن مصر هي مهد الحركة الإسلامية الأم؛ "الإخوان المسلمين" (أكثر من ثمانين تنظيم إخواني على مستوى العالم اليوم يشكلون ما يعرف باسم التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين")، وتالياً؛ فقد شهدت مصر ولادة الحركات العنفية التي خرجت من رحم "الإخوان المسلمين" جميعها، فضلاً عن أن مصر، بما تمثل من موارد فكرية وبشرية واقتصادية تعتبر أساس أي تغيير في المنطقة، إن لم نقل إن أي تغيير لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم تكن مصر مركزه.
كما ينبغي في هذا المجال أن لا يغيب عن بال أي متابع لنشاط "القاعدة"، أن أيمن الظواهري، طبيبٌ مصري (مواليد 1951)، ينحدر من أسرة عريقة جداً (والده أحد أشهر الأطباء المصريين، وجده لوالده هو الشيخ محمد الظواهري، وجده لوالدته هو الأديب عبد الوهاب عزام، أما عم أمه فهو عبد الرحمن عزام، أول أمين عام لجامعة الدول العربية)، وهو من أوائل الذين خططوا لتأمين مستلزمات انقلاب مسلح أو استثمار أي حالة تمرد شعبية لتحقيق انقلاب في مصر. وقد سبق له أن تعاون –قبل انتقاله إلى أفغانستان- مع عبّود الزمر (طارق الزمر)، الذي كان من أبرز قادة تنظيم "الجهاد"، وكان من نتائج هذا التعاون وضع الخطة الأولى لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات.
وإلى جانب الظواهري، ثمة كثيرون أسهموا في تأسيس "القاعدة" أو الانضمام إليها مبكراً، من المصريين، ومن ابرز هؤلاء: المسؤول العسكري في تنظيم "الجماعة الإسلامية" في مصر رفاعي أحمد طه، والقيادي العسكري محمد عاطف (أبو حفص المصري)، والقيادي الأمني محمد إبراهيم مكاوي (سيف العدل)، والقيادي في مجال التمويل مصطفى أبو اليزيد.
ويذهب بعض المختصين في دراسة "القاعدة"، بالاستناد إلى مقابلات أجروها مع قيادات في التنظيم، إلى حد اعتبار أن "القاعدة" منذ نشأتها، لم تكن تهدف إلى مقاتلة السوفيات فقط، بل إلى بناء قاعدة ثابتة، لمقاتلة "الأنظمة المرتدة"، لا سيما قتال الحكومة الشيوعية في جنوبي اليمن، والحكومة المصرية، وكانت هذه أفكار الدكتور المصري أيمن الظواهري تحديداً، حيث كان الرجل يؤمن بالعنف سبيلاً لتغيير الأنظمة الحاكمة، وهو كان، ولم يزل، العقل المفكر، والمخطط الاستراتيجي لـ "القاعدة".
غداة هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان؛ تحوّل رجال "القاعدة" نحو الدول العربية والإسلامية، لكنهم رأوا -استناداً إلى مراجعاتهم لأسباب فشل مشروعات قلب الأنظمة في البلاد الإسلامية- أن هزيمة هذه الأنظمة غير ممكنة، ما لم يحدث صدام كبير، يكون فيه؛ الغرب في جهة والمسلمون في جهة أخرى، فتسقط الأنظمة تلقائياً (الغاية من وراء أحداث 11 أيلول)، ومؤخراً باتت "القاعدة" أكثر اهتماماً باستغلال العلاقات غير السوية بين مكونات كثير من دول المنطقة، في محاولة لحشد المسلمين إلى جانبها في صراع مفتعل مع المسيحيين، أو شد عصب السنة في صراع مشابه مع الشيعة.
بناءً لذلك، فقد ضربت الجماعات التي تتبنى طروحات "القاعدة" غير مرة في مصر، لا سيما ضد السياح الأجانب، عصب الاقتصاد المصري، فضلاً عن محاولتها اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995.
ورغم الجهود المضنية التي بذلها الأمن المصري لضرب المتطرفين، إلا أن الضربة الأشد عليهم جاءت من القيادات التاريخية لهم، عندما أعلنوا في العام 1997 "مبادرة لوقف العنف"، اتبعوها بكتب متعددة تؤصل لمنهجهم الجديد، حيث أفضت "المراجعات الفكرية" إلى تخطئة حمل السلاح ضد نظام الحكم في مصر. وقد رفض محمد الحكايمة (خارج مصر) وقيادات أخرى هذه النتيجة؛ فتبناهم الظواهري، معلناً في آب 2006 انضمام عدد من قيادات "الجهاد" لتنظيم "القاعدة". (سبق للظواهري أن رد على "المراجعات الفكرية" بكتاب أسماه "التبرئة").
ولم تمض عشرة أشهر عام على انضمام جماعة "الجهاد" المصرية إلى "القاعدة" حتى بدأت تصدر بيانات باسم "القاعدة في أرض الكنانة"، لكن الجماعة –على ما يبدو- كانت تجد صعوبة في تنفيذ تهديداتها، ثم ما لبثت أن أصيبت في مقتل عندما شن الجيش الأميركي، في آب 2008، غارة جوية على مكان؛ كان يختبئ فيه محمد الحكايمة، في منطقة القبائل في باكستان، ما أدى إلى مقتله.
غير أن مقتل الحكايمة لا تعني النهاية لـ "القاعدة" في مصر بالضرورة، لأن الحكايمة؛ سبق أن نشط من خلال التواصل الالكتروني، في نشر "ثقافة" عنوانها: "الجهاد الفردي والخلية الفردية"، وجوهرها يقوم على أساس أن يكون الفرد هو نفسه خلية أمنية، تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً، ومن المحتمل أن تكون واحدة من هذه الخلايا الفردية؛ مسؤولة عن تنفيذ الهجوم على كنيسة القديسين في الإسكندرية، في الدقائق الأولى التي تلت رأس السنة الميلادية.
ما سبق يؤشر إلى مدى اهتمام "القاعدة" بمصر، ومراهنتها على التغيير فيها، كمقدمة لحروب وقلاقل طائفية في المنطقة كلها، ما يظهر أهمية المعركة التي تخوضها مصر اليوم، ليس لمواجهة التطرف فحسب، بل لحماية وحدتها الوطنية التي تريد "القاعدة" تدميرها، سبيلاً جديداً لإعادة تعويم نفسها بين المسلمين، الذين لفظوها في مصر، كما في العراق، كما في كل مكانٍ حلت به.