من زوّد ويكيليكس بالوثائق الأميركية؟ وما علاقة ذلك بتهمة التحرش الجنسي؟!
فادي شامية - الجمعة,24 كانون الأول 2010 الموافق 18 محرم 1432 هـ
لا أحد يعلم -على وجه اليقين- بعد، ما هي الأسباب التي دفعت برادلي مانينغ (22 عاماً)، الرتيب في الجيش الأميركي، والمسرب المفترض لوثائق ويكيليكس، للقيام بتصوير وتسريب نُسخ من أرشيف وزارة الخارجية، يحتوي عشرات آلاف الوثائق السرية (مسجون انفرداياً منذ أكثر سبعة أشهر، وسيحاكم عسكرياً أوائل العام المقبل).
مانينغ: الوثائق ملك للناس
الراجح أن مانينغ قد قرأ على موقع ويكيليكس أنه "موقع للخدمة العامة، مخصص لحماية الأشخاص الذين يكشفون الفضائح والأسرار، التي تنال من المؤسسات أو الحكومات الفاسدة، وتكشف كل الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان أينما وكيفما كانت". ولعله تواصل مع أحد الناشطين ضمن شبكة ويكيليكس ليتأكد من أن الموقع يراعي ما يلزم من إجراءات للحفاظ على هوية من يراسله، وقبل ذلك وبعده؛ لا بد أن تكون ثمة أسباب موجبة قد دفعت مانينغ إلى هذا العمل الخطير.
مانينغ كان يعمل في المجال الإلكتروني، لدى جهاز المخابرات الأميركية، وقد خدم في قاعدة عسكرية أميركية قرب العاصمة العراقية بغداد، وقد تمتع –لأسباب مكتومة- بحق الدخول إلى شبكات مصنفة سرية، لمدة ثمانية أشهر كاملة.
ما هو متداول من اعترافات مانينغ أنه كان يأتي إلى عمله يومياً ومعه قرص مدمج، يحتوي موسيقى أميركية، فكان يمسح الموسيقى، وينسخ مكانها ملفات مضغوطة تحتوي آلاف الوثائق السرية!. مانينغ أخبر شريك له يدعى أدريان لامو (هو الذي قاد السلطات الأمريكية إلى مانينغ وليس تعقب مراسلات موقع ويكيليكس) بأنه سيتسبب بـ "فضيحة حيثما توجد سفارة أميركية في هذا العالم"، وأن ما سينشره "هو ملك للناس" – وفق فلسفة موقع ويكيليكس- وقد كانت أولى هذه الفضائح المتهم بها مانينغ تسريبه ملفfile يحتوي مشاهد فيديو لطائرة مروحية أميركية تقتل مدنيين عراقيين.
في 17 من الشهر الجاري أكد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج أن مانينغ "كان أحد مصادرنا العسكرية"، وأبدى تخوفه من إعدامه، بعد تصاعد دعوات السياسيين الأميركيين بضرورة معاقبة المتسببين بهذه الفضيحة (تسريب الوثائق ونشرها)، بما في ذلك اختطاف وإعدام أسانج نفسه.
أسانج: الاتهامات بالتحرش الجنسي حملة تشهير ناجحة حتى الآن
في تحدٍ لافت للسلطات الأمريكية قال أسانج من بريطانيا، الأسبوع الماضي (حيث يحتجز بانتظار البت بقرار ترحيله إلى السويد)، إن الاتهامات بالتحرش الجنسي بفتاتين، المساقة ضده، هي "حملة تشهير ناجحة حتى الآن"، وإن الرد عليها سيكون بـ "نشر مزيد من الوثائق السرية". ومعنى ذلك أن أسانج يعتبر أنه أوقع بأفعال معينة، أو أن أفعالاً قام بها استُغلت ضده، بهدف جعل القضاء سيفاً مسلطاً على رقبته، لثنيه عن نشر مزيد من الوثائق السرية، لذا فإن ما يُرعب أسانج حالياً احتمال تسليمه للولايات المتحدة، حيث تنتظره تهمة "التجسس"، أكثر من احتمال تسليمه إلى السويد، حيث تنتظره دعوى "التحرش" (أما أستراليا فأعلنت أنها لن تلاحقه رغم تصريحات لرئيسة وزراء بلاده، وصفت فيها نشر الوثائق بأنها "غير مسؤولة وغير قانونية").
وأسانج هو صحفي أسترالي (39 عاماً)، حائز على عدة جوائز عالمية في مجال حقوق الإنسان والصحافة، وهو مولع بـ"فضح الأمور الخافية على الناس التي ترتكبها حكومات فاسدة"، كما أنه خبير في مجال البرمجيات، وسبق أن أسس شركة خدمات إنترنت في أستراليا، وابتكر وطور نظام تشفير خاص لحمايته وزملائه من ناشطي حقوق الإنسان حول العالم، وسبق له أن كتب: "بما أننا نعيش مرة واحدة فلتكن مغامرة إقدام تستنفذ كل قوانا... الكون كله هو خصم يستحق المبارزة".
وثمة قناعة في غير مكان من العالم اليوم أن الدافع الحقيقي وراء دعوى التحرش الجنسي بحق أسانج سياسية، بغض النظر عن الفعل الذي قام به أسانج بحد ذاته، لأن الفتاتين السويديتين اللتين رفعتا دعوى عليه؛ آنا آردين وصوفيا فيلين، مطلع أيلول الماضي، سبق لهما أن طلبتا نصيحة الشرطة السويدية، بعدما ادعتا أنه عاشرهما، كلاً على حدة، في شهر آب الماضي، دون موافقتهما الكاملة، وبشكل مسيء، بما يتراوح بين التحرش الجنسي والاغتصاب. كما آن آردين معروفة بعلاقاتها الدبلوماسية المتعددة (سبق أن عملت كمتمرنة في عدد من سفارات السويد في العالم)، وهي ناشطة في "الحزب المسيحي الاشتراكي" في السويد، وسبق أن ترشّحت للانتخابات النيابية، لكنها فشلت، وثمة من يتحدث عن علاقتها بالمخابرات الأميركية، ما يرجح أن آردين أوقعت بأسانج، الذي لا ينفي ولعه بالنساء، فضلاً عن حرصه إظهار الجميلات إلى جانبه خلال ظهوره الإعلامي!.
على كل حال، وبغض النظر عن التهم المساقة ضد أسانج، فإن كثيرين في هذا العالم ينتظرون مئات الوثائق المتعلقة بـ"إسرائيل"، التي وعد أسانج مؤخراً بنشرها، علّها تعرّي "إسرائيل" أمام الغرب (باعتبار أنها لا تحتاج لتعرية في عالمنا العربي والإسلامي)، إذ يبدو أننا دخلنا "عصر ويكيليكس"، الذي بات فيه أسانج الشخصية الأوفر حظاً لاختيارها شخصية العام (انتخب فعلاً شخصية العام من قبل صحيفة لوموند في عددها الصادر الجمعة 24/12/2010).