لئلا يتحوّلوا إلى جرعة إضافية في الاحتقان المذهبي والجنوح نحو التطرف:
كلام واجب في ملف المساجين "الإسلاميين"!
فادي شامية
ثمة كلام يجب أن يقال في ملف المساجين "الإسلاميين"، دون أن يعني ذلك بحالٍ؛ الدفاع عن الإرهاب المجنون، ولا الوقوع فريسة الابتزاز الذي تمارسه بعض القوى السياسية, وإنما تقتضي المصلحة الوطنية أن تضع جهة سياسية، عاقلة ومسؤولة، حداً لتفخيخ هذا الملف، ومحاولة تحويله صاعقاً في ميدان التطرف والاحتقان المذهبي، المتنامي في هذا البلد، للأسف الشديد.
ظالمون ومظلومون!
منذ أيام يُضرب نحو 350 سجيناً (محكوماً وموقوفاً) في السجن المركزي في رومية عن الطعام، رفضاً لسياسة العقاب الجماعي بحقهم، وذلك اعتباراً من أول أيام عيد الأضحى، و"حفاظاً على الكرامة الإنسانية ريثما يبت القضاء في قضايانا"، وفق ما جاء في بيان صادر عن أهالي هؤلاء.
وواقع الأمر أن هؤلاء المساجين ظالمون لأنفسهم، ولأهلهم، ولوطنهم، منذ أن اتخذوا من الغلو نهجاً، ومنهم (نحو 20 شخصاً أكثرهم غير لبناني) من تورّط بقتال مباشر في مواجهة المؤسسة التي يفترض أن تُفتدى بفلذات الأكباد (الجيش)، لأن الحفاظ عليها حفاظٌ على الوطن، وتالياً الحفاظٌ على الوجود (وهو ما تجلى بأبهى صوره أثناء مواجهات نهر البارد)، ومنهم من وقع في حبائل فكر "القاعدة" المتطرف، فتخبط في متاهات التكفير والأحادية، ومنهم من أخذته الحمية على أهل السنة، فوقع من حيث يدري أو لا يدري في أتون الفتنة التي حذّر الله منها... لكن من بين هؤلاء من أُخذ بالشبهة، وتعرض للتعذيب أثناء مرحلة التحقيق (الذي -ويا للأسف- لا تعطي المحاكم العسكرية ولا حتى المدنية له أي أهمية)، ولم يبت القضاء بأمره إلى اليوم، وثمة من بينهم أيضاً من تورط بأعمال مخلة بالأمن، أو اعتنق أفكاراً اعتُبرت خطراً على السلم الأهلي، لكنه ما زال موقوفاً منذ سنوات، في حين أنه لو خضع للمحاكمة، فإن الحكم الأقصى بحقه يبقى أقل من فترة التوقيف التي قضاها!، والأنكى أن هذه الفئة من الموقوفين لا تحظى بإخلاء السبيل لحين البت بالقضية، فيبقى السجين في سجنه "محسوداً" على "وجبة ساخنة" قد ترسلها لها مؤسسات رعائية (تتبع الرئيس نجيب ميقاتي أو غيره) أو الجهة الدينية الرسمية في لبنان، في حين يخرج من لا يقل خطراً عنه بكفالة لحين إتمام المحاكمة!.
ومن المعلوم تشدد القضاء العدلي والعسكري (على وجه العموم) مع الموقوفين "الإسلاميين"، وإصدار أحكام عالية المحكومية إلى حد الانتقاد، الذي لا يعادله إلا انتقاد التساهل في الأحكام مع شريحة أخرى من الموقوفين، الذين تورطوا في أعمال لا تقل خطورة على الأمن الوطني والسلم الأهلي (ملف مصطفى المقدم قاتل الطيار سامر حنا على سبيل المثال لا الحصر)... ومع ذلك يبدو لافتاً مطالبة الموقوفين "الإسلاميين" قبل غيرهم "الإسراع في بت الملفات العالقة أمام القضاء، والإسراع في عقد الجلسات".
ولعل مما لا يعرفه كثيرون في لبنان، أن هؤلاء الموقوفين يجمعهم تهمة الإرهاب من جهة، وانتسابهم إلى الطائفة السنية من جهة أخرى، وأن أكثر من نصفهم لا تربطه أية صلة بـ "فتح الإسلام"، وأن قسماً كبيراً من هؤلاء أسهم ضعف الدولة في وقوعهم في "المحظور"، إذ توجد من بينهم أكثر من مجموعة تشكّل "عصابة مسلحة"، (وفق الوصف القانوني)، حيث حصلوا على سلاح بقصد "الدفاع عن السنة"، قبل أو بعد أحداث السابع من أيار 2008، ورفضاً لـ "سيطرة حزب الله على البلد". (وفق ما جاء في القرارات الاتهامية بحقهم، رغم إقرار المسؤولين الأمنيين والسياسيين بأنه لا يكاد يخلو بيت في لبنان من قطعة سلاح!).
الأوضاع بعد واقعة الفرار الأخيرة
بعد حادثة فرار أحد الموقوفين "الإسلاميين" من رومية، الأسبوع ما قبل الماضي، فرضت إدارة السجن إجراءات مشددة على الموقوفين "الإسلاميين"، فيما يشبه الإجراء العقابي، لجهة تعقيد إجراءات مواجهتهم لذويهم، وتقليل فترات خروجهم إلى الباحة الخارجية والتعرض للشمس (مرة كل يومين)، ومصادرة بعض المقتنيات كأدوات الطعام، وغير ذلك من إجراءات اعتبرها السجناء مهينة، وقرروا رفضها بإعلانهم الإضراب المفتوح عن الطعام.
وقد بيّنت التحقيقات التي أجرتها المفتشية العامة في قوى الأمن الداخلي عن عملية فرار السجينين وليد البستاني ومحاولة فرار السجين السوري منجد الفحام، الذي سقط خلال محاولته الهرب من سجن رومية، صبيحة عيد الأضحى، تورط مجند في قوى الأمن الداخلي بعملية الفرار، من خلال تهيئته ظروف العملية، وتأمين كل وسائلها ومستلزماتها كاملة.
وينطلق ذوو المسجونين في رومية من هذا التقرير للقول إنه "لا يصح معاقبة الجميع بجرم ارتكبه شخص واحد؛ لم يلق مساعدة من زملائه، بل على العكس فقد حذر زملاؤه منه مراراً وتكراراً" وينقلون عن المساجين: "رغم أنه لم يكن لأي منا أي دور في المساعدة أو التكتم على الفرار، إلا أننا نتعرض لعقاب جماعي، ونؤخذ جميعاً بجريرة شخص واحد، لم نساعده في شيء" (بيان صادر عن أهالي المسجونين قبل أيام).
ويؤكد إيهاب البنا، المتحدث باسم "الموقوفين الإسلاميين في رومية" أن عملية الفرار لم تتم أساساً من المبنى حيث يوقف ذوي الخطورة الأمنية (موقوفون في المبنى -هـ-، في أوضاع صعبة للغاية، ما استدعى تدخل جماعات حقوق الإنسان)، وأن أوضاع الموقوفين الإسلاميين عموماً هي في الواقع أسوأ من باقي المساجين، رغم الدعاية التي تحاول إظهار العكس.
وتشير المعلومات من سجن رومية أن الإضراب ما زال على حاله، وأن ثمة موقوفين نقلوا إلى المستشفيات نتيجة ذلك، لا سيما أن عدداً منهم يعاني من مشاكل في القلب، وأن ما يقارب من سبعة سجناء حالتهم تستدعي راهناً النقل المباشر إلى المستشفى، جراء إضرابهم عن الطعام، ولم يتم نقلهم حتى الآن، وأن العقيد غابي خوري، المسؤول عن السجن، ما زال يرفض التفاوض أو التهاون في الإجراءات الجديدة، التي يطبقها على هذه الشريحة من "نزلاء" سجن رومية.
الاستغلال السياسي
ثمة دور سياسي -ربما لم يعد بحاجة إلى برهان- يقوم به العماد ميشال عون، في ظل تحاشي "حزب الله" اتخاذ مواقف قد تسهم في تعزيز الاحتقان المذهبي القائم. دعاية عون وتياره وإعلامه تتجاوز رغبة "حزب الله" في الضغط على الرئيس سعد الحريري في موضوع المحكمة الدولية، لتصل إلى حد محاولة عون تعويم نفسه مسيحياً، من خلال تخويف المسيحيين المستمر من السنّة، باعتبارهم؛ ينتجون الإرهاب... فضلاً عن الفساد!.
رائحة التحريض هذا؛ باتت تفوح من كل ما له علاقة بالإعلام العوني، وقد وصل إلى حد استضافة هذا الإعلام قائد الدرك إنطوان شكور (الذي سبق له أن تمرّد على قيادته) ليقدم "مطالعة" تسيء إلى سمعة قوى الأمن الداخلي، وإلى الدولة ككل، وإلى كفاءته الشخصية، وذلك من أجل إقناع المشاهدين أن المساجين "الإسلاميين" يعيشون في فندق "خمس نجوم" في رومية، والأخطر أنه أوحى بأن موقوفي "فتح الإسلام" –على وجه التحديد- محميون من طائفتهم، متغاضياً عما قدمته طائفتهم للجيش أثناء المواجهة العسكرية، ومتناسياً موقف سعد الحريري الحاسم في القضاء عليهم، في الوقت الذي كان سواهم يرسم خطاً أحمر على مخيم نهر البارد!.
ولمزيد من الاستغلال والإحراج بات الإعلام العوني يستضيف عمر بكري، الذي يحاول هذه الأيام تسويق مبادرة لحل مشكلة المساجين الإسلاميين، بـ "مساعدة" من "حزب الله"، تماماً كما حصل هو على المساعدة، فأصبح طليقاً بكفالة، وضيفاً تـُفتح له القنوات، ليحذر الإسلاميين خصوصاً والسنة عموماً، من غضب الله، إن هم ارتضوا الاحتكام إلى "الطاغوت"، المتمثل بالمحكمة الدولية، ليس لأنها مسيسة كما يقول "حزب الله"، ولكن لأنه لا يجوز لمسلم أن يرضى الاحتكام إلى القوانين الوضعية!. (مؤسف أن يجنّد بعض "المشايخ" أنفسهم لتبرير الإفلات من العقاب، بـ"مبررات" شرعية، خلافاً لأصل من أصول الإسلام وهو تحقيق العدل، باعتبار أن هدف المحكمة هو هذا، وليس تحريم الحلال أو تحليل الحرام، خلافاً للفقه الإسلامي).
أما في صفوف الجماعات السنية الموالية لـ "حزب الله"، فثمة من بدأ يستغل الملف من باب مختلف، إذ يدير هؤلاء دعايةً اليوم على أساس أن سعد الحريري، و"تيار المستقبل"، ودار الفتوى مسؤولون عما يجري، نتيجة "ضعفهم" من جهة، و"استغلالهم الإسلاميين ثم تركهم" (وفق الادعاء المذكور) من جهة أخرى... ثم يضيفون شاهداً على ذلك؛ واقعة إطلاق عمر بكري، (مضافاً إليها أن بعض أهالي الموقوفين تعرضوا للضرب من الجيش أمام منزل مفتي الجمهورية) للدلالة على قوة "حزب الله" في حماية من يستجير به من جهة، وعجز "زعماء السنة" عن حل أي مشكلة لدى طائفتهم من جهة أخرى، لدرجة التندر بأن توصيف الإرهاب بات حكراً على السنة (ليس ثمة موقوف واحد في لبنان بتهمة الإرهاب من غير الطائفة السنية) وأن السلاح في بيوت السنة بات يوصف حكماً بـ "الإرهاب"، وفي بيوت الشيعة هو "مقاومة"!.
وأخطر من ذلك؛ إذ ثمة من يتعامل مع القضاء على أساس الانقسام السياسي والمذهبي، فيعتبر "القضاء العسكري هو قضاء حل للمشاكل العالقة وليس قضاءً للتشفي من المواطنين"، ثم انتقاد هؤلاء للقضاء العدلي، في محاولة واضحة لربط القضاء العسكري بنفوذ "حزب الله"، وربط القضاء العدلي بوزارة العدل! (تصريحات لمسؤولين في حركة التوحيد في طرابلس)... نعم إلى هذا الحد من العبث، بلغ الاستغلال السياسي لملف يفترض أنه قانوني.
من أجل وقف الاستغلال الرخيص
في 30/11/2010 عقد النائب خالد ضاهر (من كتلة تيار "المستقبل") مؤتمراً صحفياً في مجلس النواب عن الموضوع قال فيه: "تجد من يدافع عن العملاء وتجار المخدرات وكل المجرمين وبصوت عالٍ وبلا حياء، لكن المعتقلين الإسلاميين لا أحد يدافع عنهم، لا من فريق 8 آذار ولا من فريق 14 آذار، فالمؤسسات التي تخضع لـ8 آذار كالمحكمة العسكرية والمخابرات تمارس بحقهم أبشع الممارسات والأحكام الجائرة، وفريق 14 آذار لا يتدخل لأجلهم بحجة أنهم لا يتدخلون في القضاء".
توصيف الضاهر (مع التوقف أمام الانطباع الوارد في كلامه عن تابعية القضاء وأجهزة أمنية لهذا الفريق أو ذاك، لما في ذلك من تدمير لمكوّن إضافي للدولة) يبدو دقيقاً فعلاً لأن فريق 8 آذار –على ما يبدو- لا مصلحة له بمعالجة هذا الملف، فيما فريق 14 آذار يخشى من ربطه بالإرهاب، لكن النتيجة هي تفاقم المشكلة، ليس فيما يتعلق بالموقوفين وأهاليهم فقط، وإنما فيما يتعلق بترسيخ الشعور باستضعاف الشارع السني، ما يدفع إلى مزيد من التطرف، ويوفر البيئة الخصبة لتحرك الإرهاب الأعمى، المسيء للسنة قبل سواهم من اللبنانيين.
ومن غير استثناء أحد من المسؤولية في الوصول إلى هذه النتيجة –لا سمح الله-، فإن ثمة دوراً أساساً يقع على عاتق رئيس الجمهورية، انطلاقاً من علاقته بوزارة الداخلية سياسياً، إذ إن الخطوة الأولى في تبريد هذا الاستغلال تكمن في تهدئة الأوضاع في رومية وإنهاء الإضراب كإجراء عاجل، ومن ثم يتحمل وزير العدل المسؤولية تالياً من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية واللازمة لتنفيذ وعوده، بعقد محاكمات سريعة وعادلة لهؤلاء، لكي يعاقب المذنب ويترك البريء أو من أمضى مدة توقيف تقل عن الحكم بحقه، وذلك صوناً لحق المجتمع، وحماية لمفاهيم العدالة، ووأداً للعبث بالسلم الأهلي.
من جهة أخرى فقد آن الأوان، لوضع تقرير الوزير زياد بارود لإصلاح السجون موضع التنفيذ، وأن يتحرك مجلس النواب، من أجل تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، في المواد المتعلقة بالتوقيف الاحتياطي، ذلك أن قصة وضع المادة 108 وأسبابها، ثم رفض مجلس النواب لها –خلال فترة الوجود السوري- ثم ضغط اللواء جميل السيد وقتها لإعادة اعتمادها، باتت معروفة (من عجائب الصدف أن السيد نفسه، أوقف نحو أربعة أعوام بناءً على ما تسمح به هذه المادة)، فضلاً عن أن هذه المادة بالذات منتقدة من المنظمات الحقوقية كافة (يقال أنه يوجد نحو أربعة آلاف موقوف احتياطاً اليوم، بناءً على مدة التوقيف المفتوحة التي تتيحها هذه المادة، مع أن التوقيف الاحتياطي هو إجراء استثنائي وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني نفسه).