"حزب الله".. من المطالبة بالتوافق إلى الإصرار على التصويت:
حيثما تكون المصلحة يكون الموقف!
فادي شامية
يوم الأحد الماضي أعلن نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الموقف الآتي: "يقولون (أي فريق 14 آذار) لا نقبل إلا بالتوافق حول هذا الموضوع (ما يسمى بشهود الزور) معكم، وأقول لا لن نتوافق، إلا على (الإحالة إلى) المجلس العدلي، وشرفوا على التصويت".
موقف قاسم هذا، -أي الإصرار على التصويت في حال عدم التوافق- منطقي وطبيعي لأن المنطق والدستور يقولان إن كل أمر لا يمكن التوافق حوله؛ يـُلجأ للتصويت في بتّه، لكن ما هو غير منطقي وغير طبيعي أن يصدر هذا الموقف عن "حزب الله" بالذات، بعدما ملأ الدنيا تنظيراً عن "الديمقراطية التوافقية"، و"الأكثرية الميثاقية"، و"الثلث المعطل"....!
غرابة موقف الشيخ قاسم تظهر بشكل أوضح، عند استعراض جملة من مواقف حزبه السابقة، حول ضرورة التوافق، سبيلاً وحيداً لأخذ القرار في القضايا الهامة.
فقبيل الانتخابات النيابية الأخيرة أعلن الرئيس سعد الحريري رغبته بتشكيل حكومة من الأكثرية، بغض النظر عمن يفوز، فرفض "حزب الله"، وأعلن أن "لبنان محكوم بالتوافق"، وأن "من حق الفريق الخاسر في الانتخابات أن يكون له الثلث الضامن في الحكومة"، وأن "حزب الله" سوف يمنح -في حال ربح الانتخابات- الفريق الآخر "الثلث الضامن"، وهو يطالب "14 آذار" بفعل الشيء نفسه في حال الفوز، وقد استند "حزب الله" في هذا الطرح إلى الفقرة (ي) من مقدمة الدستور، معتبراً أنه لا يمكن لأي حكومة أن تتجاهل رأي أيٍ من المكونات الوطنية والطائفية، تحت طائلة اعتبار القرار الذي تصدره الحكومة، أو حتى الحكومة نفسها، "فاقدة للميثاقية والدستورية والشرعية".
وزيادة في تأكيد هذا الموقف؛ رد الشيخ محمد يزبك، عضو شورى "حزب الله"، في 14/02/2009، على الذين يهددون بعدم المشاركة في الحكم، إذا فازت "المعارضة" (أي حزب الله وحلفاؤه) في الانتخابات النيابية المقبلة، معتبراً أن: "لبنان لا يحكم إلا على أساس التوافق والمشاركة".
غداة فوز فريق 14 آذار في الانتخابات النيابية؛ مد الرئيس سعد الحريري اليد إلى الفريق الآخر، موافقاً على تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، متحفظاً أولاً على "الثلث المعطل"، ثم موافقاً على صيغة مموهة لهذا الثلث. وضع الحريري ذلك التنازل تحت عنوان أن "التوافق هو الأصلح للبلد في هذه المرحلة".
أخذ فريق 8 آذار الثلث الحكومي بالجملة، طالباً من الحريري إرضاء تشكيلات "8 آذار" بالمفرق، ولما لم يستطع الحريري إرضاء العماد ميشال عون، اعتذر عن تشكيل الحكومة، وبعد الاستشارات الملزمة، أعيد تكليفه، بالتزامن مع صدور تصريحات "من حوله" تشير إلى إمكانية التراجع عن صيغة 15+10+5 المتفق عليها، لصالح تشكيلة أخرى، فكان رد الرئيس نبيه بري بعدم تسمية الحريري في المرة الثانية، بناءً على هذا "الجو"، وتحت عنوان أنه "لا يجوز لفريق الاستئثار بالقرار"!.
في الأثناء صدرت "اجتهادات دستورية" برز فيها النائب نواف الموسوي، الذي اعتبر أن "حكومات ما بعد الطائف كلها حكومات وحدة وطنية"، وأن مفهوم حكومة الوحدة الوطنية لا يعني "التمثيل العادل للطوائف" كما ينص الدستور فحسب، وإنما مراعاة رأي "الأكثرية التمثيلية لدى كل طائفة"، وضرورة "التوافق" المسبق على القرارات الهامة ـ ولو لم ينص الدستور على احتياجها إلى نصاب الثلثين- من خارج ميزان الأكثرية والأقلية في مجلس الوزراء..!.
نتيجة لهذه الاجتهادات الجديدة، رفع البطريرك نصر الله صفير صوته، معتبراً أن "على الأكثرية النيابية أن تستلم الحكم، بعدما فازت في الانتخابات، وأن الأكثرية والأقلية لا ينبغي أن يجتمعا في حكومة واحدة". وعلى الأثر تصدى "حزب الله" لهذا الموقف، وتولى السيد حسن نصر الله الرد شخصياً في 16/6/2009، قائلاً: "نحن نؤمن بخصوصية لبنان وتعدديته وتنوعه، ونؤمن بأن لا طائفة أو حزب قادر على حكم لبنان مهما بلغ شأنه، فلبنان لا يحكم إلا بتوافق جميع أبنائه وطوائفه"!.
في 29/10/2009 أصدر "حزب الله" وثيقته السياسية، ومما جاء فيها: "الديمقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من قِبَل الجميع، وعامل ثقة مطَمْئِن لمكونات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطمئنة التي يشعر كل مواطنيها بأنها قائمة من أجلهم". وقد علّق السيد حسن نصر الله في المؤتمر الصحفي الذي عقده لإطلاق الوثيقة بالقول: "طالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية، فإنّ الديمقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك".
وكان النائب علي عمار سبق وثيقة حزبه بخمسة أيام (24/10/2009) معلناً تمسك حزبه بـ "الديمقراطية التوافقية"، لأن "لبنان لا يحكم إلا بالتوافق، وفق الدستور اللبناني، ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف، ولأن ديمقراطيتنا هي ديمقراطية توافقية، وإن أي فريق، وأي مجموعة في لبنان، تنحو نحو الاستفراد والهيمنة والاستئثار، لن تستطيع أن تحكم البلد، كما أنها ستسقط البلد في مشروع الفتنة من جديد"!.
أما زميله النائب نواف الموسوي فعلّق في 5/1/2010 على الصيغة التوافقية الواردة في وثيقة "حزب الله" بالقول: "إن الديمقراطية التوافقية تعني الديمقراطية غير العددية"، مشيراً في هذا السياق إلى بيان مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك، الصادر عن اجتماع دير سيدة البير في أيار 1993، والذي قال "إن الديمقراطية في لبنان فريدة، لأنها ديمقراطية الجماعات لا العدد".
بعد هذه المواقف كلها، وفي لحظة يشعر فيها "حزب الله" أنه قادر على إحراج وزراء رئيس الجمهورية، ووزراء "اللقاء الديمقراطي"، لنيله الأكثرية عند التصويت، انقلب الحزب المذكور على كل مواقفه، وقال: "شرّفوا على التصويت"!. أين؟ في الحكومة التي تواضع رئيسها وقال لهم: ادخلوا إليها بالحجم الذي يرغبون فيه، إذا كان التوافق في الحكومة يطمئنكم!.
عندما قال الرئيس فؤاد السنيورة ما يشبه هذا الكلام مرة (التصويت)، اتهموه بالاستئثار بالسلطة، أما اليوم فصار التصويت مطلباً لـ "حزب الله"... وكأن لسان حال الحزب يقول: حيثما تكون المصلحة يكون الموقف!.