"القاعدة" في العراق تخالف الشريعة:
ليس من الإسلام إيذاء المسيحيين أو ظلمهم
فادي شامية
في شاهدٍ جديد على مخالفاته العميقة للشريعة الإسلامية، أكد تنظيم القاعدة في العراق أن المسيحيين أصبحوا "أهدافاً مشروعة للمجاهدين"، بعد انتهاء المهلة التي حددها التنظيم للكنيسة القبطية في مصر، لإطلاق سراح سيدتين مصريتين (وفاء قسطنطين وكميليا شحاته).
وكان ما يسمى بـ "دولة العراق الإسلامية" ("القاعدة" في العراق) أمهل الكنيسة القبطية في مصر يومين للإفراج عن امرأتين، "محتجزتين" في كنيسة مصرية، بعدما أسلمتا، حسب "القاعدة". وبما أن المهلة انقضت، فإن "وزارة الحرب بدولة العراق الإسلامية تعلن أن كل المراكز والمنظمات والهيئات النصرانية رؤوساً وأتباعاً؛ أهدافَ مشروعة للمجاهدين حيثما طالته أيديهم".
في الواقع؛ فإن "القاعدة" تريد أن "تبيع" المسلمين الملتزمين في العالم "حق النصرة"، مقابل تأييد إجرامها في العراق وغير العراق، مع أن الواقعة التي تستند إليها ملتبسة، وقد مضى عليها سنوات؛ ما بين تأكيد الأقباط أن السيدتين تعيشان في الكنيسة بملء أرادتهما، مع زوجهما الكاهنين (عرضت مواقع إلكترونية مسيحية شريطاً مصوّراً تعلن فيه إحداهما تمسكها بالمسيحية)، وتأكيد مسلمين آخرين أنهما ممنوعتان من الخروج من الكنيسة، وأن ما ينسب إليهما أو ما تقولانه يأتي تحت الضغط.
لكن، وعلى فرض صحة رواية بعض الشخصيات المصرية، التي أخذت منها "القاعدة" متكأً لها، من أن السيدتين أسلمتا فعلاً، فهل يجوز "احتجاز مسيحيي العالم" وجعلهم هدفاً مشروعاً، بحجة احتجاز هاتين السيدتين؟، أليس هذا تماماً ما يفعله المجرمون، عندما تحاصرهم الشرطة، فيحتجزون الرهائن البريئة، في صراع لا علاقة لهذه الرهائن به؟!
غير أن الأنكى هنا ... أن هذا الإجرام يجري باسم الإسلام!، فيما المبدأ الإسلامي المعروف "ألا تزر وازرة وزر أخرى"، بمعنى أنه لا يجوز أخذ أحد بجريرة أحد، ولا معاقبة أحد بجرمٍ ارتكبه آخر، والمسلمون وغير المسلمين في ذلك سواء. قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.
ولنا أن نتخيل إجرام هؤلاء الذين اعتدوا على كنيسة سيدة النجاة في العراق قبل أيام، بعدما نتوقف عند قصة أسر الصحابي خُبيب بن عَدي. هذا الرجل المبارك وقع أسيرًا عند كفار مكة في ذروة حربهم على المسلمين (في أعوام الإسلام الأولى). وُضع خبيب مكبلاً بالحديد في منزلٍ في مكة بانتظار إعدامه ، وفي هذه الأثناء دخل عليه صبي منهم يلعب، وكان مع خبيب موسى، فاستقر الصبي الصغير بين يديه، ورغم أن خبيب كان موقناً أنه سيُعدم(وقد أعدموه بالفعل)، ورغم أنه كان بإمكانه قتل الصبي انتقامًا بعدما أصبح بين يديه، أو يأخذه رهينة على الأقل، إلا أنه لم يؤذ الصبي ولم يقتله ولم يرتهنه، ولما رأى خبيب الفزع لدى أم الصبي التي أقبلت خلفه، قال لها: "أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك"، فقالت أم الصبي بعد ذلك: "والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خُبيب"!! (كُتب السيرة غنية بالتفاصيل عن هذه الحادثة الشهيرة لمن أراد التوسع).
لقد بلغ الغلو، الأسبوع الماضي في العراق، درجةً اعتبر فيها تنظيم "القاعدة" إزهاقه حياة عشرات المسيحيين، الذين كانوا يحتفلون بـ "عيد جميع القديسين"، بأنها "عملية مباركة نفذها خمسة من أبطال الإسلام"!. فأي إسلام هذا الذي ينتسب إليه هؤلاء، يبيح لهم قتل الناس جملةً، وقد يكون فيهم من هو أكثر تأييداً لقضايا الإسلام والمسلمين، من هؤلاء الغلاة أنفسهم؟ ثم بأي حق يقتلونهم، وقد يكونون جميعهم ضد إجبار الكنيسة القبطية للسيدتين المصريتين على البقاء على المسيحية (على فرض أن الكنيسة فعلت ذلك).
ثم ماذا يقول هؤلاء المجرمين لله عندما يلقونه، وقد حدد لهم الأساس الشرعي للعلاقة مع غير المسلمين، بقوله: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أين هؤلاء من البرّ والقسط الذي أمر الله به في هذه الآية، ومارسه المسلمون الأوائل مع أهل الكتاب (المسيحيون واليهود)؟ وهل اعتدى هؤلاء المتعبدين في كنائسهم على المسلمين، حتى يعتدي عليهم من يسمون أنفسهم مجاهدين؟
ثم كيف يصبح المسيحيون كلهم أهدافاً مشروعة، والإسلام نفسه يأمر بالبر والقسط إليهم، وبمحاورتهم بـ"التي هي أحسن"، وبحفظ ذمتهم وأموالهم وأعراضهم، والتعاون معهم في إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونصرة المظلوم، وشريعته تبيح مصاهرتهم، مع ما قرره القرآن من قيام الحياة الزوجية على المودة والرحمة في الزواج؟! الله يبيح للمسلم أن تكون ربة بيته، وشريكه حياته، وأم أولاده مسيحية (أو يهودية)، وأن يكون أخوال أولاده وخالاتهم من غير المسلمين، وكذلك أجدادهم وجداتهم... وتنظيم "القاعدة" يريد قتلهم كلهم؟! (يا سبحان الله)!
لقد مضى قرون على المسيحيين في هذا الشرق، وقد كان منهم، في زمن الدولة الإسلامية، وزراء ومستشارون، وظلت أجراس كنائسهم تصدح بحقيقة التسامح بين المسلم وغير المسلم... واليوم بعدما باتت منطقتنا مقسمة إلى دول وإمارات، ينبغي على المسلمين في كل بلد، أن يتمسكوا أكثر ببقاء المسيحيين إلى جانبهم... وأن يقولوا للمتطرفين: ما تفعلونه ليس من الإسلام في شيء!.