في ظلال السيرة النبوية >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  صحيح السيرة النبوية >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  السيرة النبوية المستوى الأول >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  السيرة النبوية للأطفال والناشئة >> تحميل كتب السيرة النبوية  🌾  تحميل كتاب تربية الاولاد في الاسلام >> كتب الأسرة والمرأة المسلمة  🌾  انشودة عشاق الشهادة >> اناشيد ابراهيم الاحمد  🌾  اقوى آيه مجربة لفك عقد السحر والحسد >> الرقية الشرعية والأذكار  🌾  انشودة قائد الأمة >> الاناشيد الاسلامية  🌾  انشودة جبل بلادي >> أناشيد فرقة الوعد اللبنانية  🌾  علاج قوي جداً لفك وابطال السحر والمس والعين >> مواضيع تختص بالرقية الشرعية وعلاج السحر والمس والعين  🌾 

السقوط الحضاري كما تجسده قصة العرب البائدة:

  محيط البوك الخبر

قسم الاخبار
  السقوط الحضاري كما تجسده قصة العرب البائدة:     
 

الكاتب :    

 
 

 الزوار : 4192 |  الإضافة : 2010-11-05

 

مركز المعلومات العامة

 مقالات الاستاذ فادي شامية



يعرّف المفكر الألماني، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1929، بول توماس مان، (1875- 1955) الحضارة بإيجاز شديد؛ إنها: "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع". أهمية هذا التعريف أنه يتجاوز المظاهر المادية للحضارة، مع أنها أول ما يلفت النظر لدى دراسة واقع أية أمة!.

قال تعالى: "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين":

"السقوط الحضاري" كما تجسده قصة العرب البائدة: عاد وثمود

فادي شامية

يعرّف المفكر الألماني، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1929، بول توماس مان، (1875- 1955) الحضارة بإيجاز شديد؛ إنها: "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع". أهمية هذا التعريف أنه يتجاوز المظاهر المادية للحضارة، مع أنها أول ما يلفت النظر لدى دراسة واقع أية أمة!.

ومن المعلوم أن الحضارة تسير ضمن ثنائية القيام والسقوط؛ كأنها كائن حي، وهذا ما أشار إليه كتاب الله عندما عرض لسنن قيام الحضارات وسقوطها على مر التاريخ. قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

و"السقوط الحضاري" لا يعني الفناء بالضرورة، وإنما يعني أيضاً الانهيار الداخلي للمجتمعات، وذهاب قوة الأمة وعزتها، وهوانها على الأمم الأخرى، والقرآن الكريم يشير إلى حالتي "السقوط الحضاري" هذه: الهلاك والانهيار. قال تعالى عن الأمم الهالكة: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْما آخَرِينَ﴾، وقال واصفاً حال الأمم المنهارة، كحال العرب قبل الإسلام: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾.

عاد وثمود؛ عربٌ بائدة من ذرية نوح

قسّم المؤرخون العرب إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها‏:‏

1 ـ العرب البائدة‏:‏ وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تماماً، مثل‏:‏ عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس، وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم، وحَضْرَمَوت، وغيرها‏.‏

2 ـ العرب العاربة‏:‏ وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية‏.‏ مَهْدُها في بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ فاشتهرت منها قبيلتان‏:‏ حِمْيَر بن سبأ، وكَهْلان بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم‏:‏ السبئيون.‏

3 ـ العرب المستعربة‏:‏ وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية‏.‏

ومن المعلوم أنه كان لنوح -عليه السلام- أربعة أولاد هم: يافث، وسام، وحام، وكنعان، وهذا الأخير هو الذي لجأ إلى الجبل ليعصمه من الماء، فكان من المُغرقين، أما الثلاثة الباقون فقال ابن كثير عنهم: "إن كل من على وجه هذه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة الباقين (سام، وحام، ويافث).

وقد روى الإمام أحمد أن الرسول r قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم". وذكر القلقشندي في "نهاية الإرب في معرفة أنساب العرب" أن يافث هو أكبرهم، وسام هو أوسطهم، وحام هو أصغرهم.

وإلى سام بن نوح تنتسب عاد وثمود؛ عاد هم قوم عاد بن عوص بن سام بن نوح. كانوا عرباً يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل-، وكانت باليمن بين عُمان وحضرموت، بأرض مطلة على البحر. أما ثمود فهم عرب أيضاً، وقد سادوا في الجزيرة العربية بعد قوم عاد، وهم من أبناء عائر بن إرم بن سام بن نوح.

حضارة عاد؛ النشأة والزوال

سكن قوم عاد منطقة تسمى الأحقاف، وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام، وقيل إنهم اتخذوا بيوتاً ذوات أعمدة ضخمة. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾. وفي التفسير أن إِرَمَ هي مدينة ذات قصور عظيمة بناها قوم عاد وأسموها على اسم جدهم.

ساد قوم عاد في جزيرة العرب، وجعلهم الله خلفاء من بعد قوم نوح، وزادهم في الخلق قوة وجبروت، إذ كان في أجسامهم طولاً وعرضاً أكثر بكثير من أجسام بني آدم اليوم، وقد مدّ الله في أرزاقهم فكان يأتيهم رزقهم رغداً، وكانوا أشد منعة من القوم السابقين، وبلغوا من القوة والكفر أنهم اغتروا بأنفسهم. قال تعالى: ﴿وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾. وقال: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ* أمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾. وقوله: "وتتخذون مصانع" قيل هي القصور، وقيل بروج الحمام، وقيل مآخذ الماء.

كان قوم عاد أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، فبعث الله فيهم هوداً عليه السلام، فدعاهم إلى الله. قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ* قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

أنذر هود قومه بزوال حضارتهم، وأنذرهم بالعذاب، وكان أول عذابهم أن أصابهم القحط ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك، فبعثت عاد وفداً ليستسقوا لهم عند الحرم، فأنشأ الله السحاب، فلما رأوها استبشروا، وقالوا: "هذا عارض ممطرنا"، لكن الريح كانت باردة، عاتية، شديدة الهبوب، "سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام"، متتابعات فأصبح القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل لا رؤوس لها، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه، فيبقى جثة بلا رأس، وهكذا أتت الريح على كل شيء فدمّرته وأهله تدميراً. أما هود، عليه السلام، فقد اعتزل في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين، فلم يصبهم العذاب. ويقال إنه مات بعد ذلك ودفن في اليمن، وذكر آخرون أنه دُفن بدمشق.

قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾. وقال أيضاً: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا* فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ.

في اكتشاف ضخم أدهش علماء الآثار عام 1990، وأكد على إعجاز القرآن الكريم، استطاع فريق أثري أميركي، بقيادة نيكولاس كلاب، اكتشاف مساكن قوم عاد، بالاستعانة بالآثار الموجودة التي ذكرها البدو، وبصور جوية أمدّته فيها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وبدراسة المخطوطات والخرائط القديمة بمكتبة "هانتينجتون" بولاية كاليفورنيا.

وقد بدت إرم كما جاء وصفها في القرآن الكريم، بأنها ذات عماد، أي الأعمدة الضخمة، حيث بدت الآثار مستديرة ويمر بها رواق معمّد دائري، بينما كُلّ المواقع الأخرى المكتشفة في اليمن ذات أعمدة مربعة. وفي تأكيد على أن مساكن عاد كانت ذات جنات وعيون، فقد أدت دراسة أماكن الاكتشافات إلى الجزم بأن المنطقة تعرّضت إلى تغيّرات مناخية حولتها إلى صحاري، بينما كَانتْ قبل ذلك أراضٍ خصبة، وقد كَشفَت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عام 1990 عن نظام واسع من القنوات والسدود القديمة التي استعملت في الريِّ، في منطقة قوم عاد، والتي يقدر أنها كانت قادرة على توفير المياه إلى 200.000 شخص.

كما تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد. كما وجدت بعض النقوشِ في بَعْض المعابدِ القديمة، قريباً من حضرموت، تصور بعض الحيوانات مثل الأسود التي لا تعيش في المناطق الصحراوية، ما يدل دلالة قاطعة على أن المنطقة كانت خصبة.

وقد فسرت البعثة الأميريكية سبب اندثار حضارة عاد بعاصفة رملية عنيفة أدت إلى غمر المدينة بطبقات من الرمال وصلت سماكتها إلى حوالي 12 متراً، كما أخبر الله في كتابه الكريم تماماً.

حضارة ثمود؛ النشأة والزوال

ساد قوم ثمود في جزيرة العرب بعد عاد، دون أن يتعظوا بما حل بأسلافهم. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ. وقد ذُكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة، فكانوا يبنون البيوت من المدار فتخرب قبل موت الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتاً في الجبال. قال تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ* وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾. والثابت أن الله خصهم بكثير من نعمه وجعل أرضهم خضراء، فيها جنات وعيون، فعلت حضارتهم بمفهومها المادي، لكنهم كانوا خواء في معتقدهم، فحلّ بهم ما حل بالأولين.

بعث الله في قوم ثمود رجلاً منهم، هو عبد الله ورسوله صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، لكنهم: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ* قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾. وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ* أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ* سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ.

وقد ذكر المفسرون أن ثمودَ اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح، فدعاهم مجدداً إلى الله، وذكّرهم وحذرهم ووعظهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة -وأشاروا إلى صخرة محددة- ناقة، صفتها كيت وكيت،-وذكروا أوصافاً سمّوها ونعتوها- نؤمن لك، فأخذ عهدهم ومواثيقهم على ذلك، ثم قام إلى مصلاه، فصلى لله عز وجل، ودعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة، على الوجه الذي طلبوا، فلما عاينوها رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، ودليلاً قاطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم.

يقول ابن كثير: "قال لهم صالح هذه ناقة الله -أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم-، فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترغي حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، وكانوا يشربون من لبنها كفايتهم، فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع سادتهم، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوافر عليهم ماؤهم، وزيّن لهم الشيطان ذلك. قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا* إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا* فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾.

استحق قوم ثمود العذاب، فقال لهم صالح: "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام"، أي أن العذاب سيأتيكم بعد ذلك الميعاد، فلم يصدقوه، بل هموا بقتله هو أيضاً، و"تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله"، فلما أشرقت شمس اليوم الرابع جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، فزهقت النفوس، وأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها.

روى الإمام أحمد أن النبي r، لما نزل بالناس على تبوك، نزل بهم منطقة الحجر، عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا القدور، فأمرهم رسول الله r فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين للإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عُذّبوا وقال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم (1). وفي بعض الروايات أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم قنع رأسه وأسرع راحلته.

وقد كانت منطقة الحِجر مسكونة من بعض السكان في المملكة العربية السعودية، في بيوت طينية فتم إخراجهم منها، بعد صدور فتوى تحريم هذه الأرض، من هيئة كبار العلماء في المملكة، استناداًً إلى حديث الرسول r المتقدم، وقد عُوّض عليهم، بأراضٍ في منطقة قريبة من "الحِجر"، وأخليت المنطقة تماماً حتى نبتت فيها أشجار كثيرة وكأنها محمية طبيعية.

إشارة إلى أن حضارة الثموديين امتدت حتى البحر الأحمر، وأن هذه المناطق مليئة اليوم بكتابات ورسوم ثمودية، ولا سيما في منطقة مدائن صالح، وصولاً إلى تيماء وجنوب وادي القرى.

هكذا مثّل القرآن الكريم "السقوط الحضاري" في قومين من أسلافنا العرب، لكي يبقيا إلى يوم القيامة شاهداً وواعظاً لهذه الأمة، ولكل أمة على وجه الأرض.


(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا على المعذبين إلا أن تكونوا باكين، حديث رقم 2980.


 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


5 + 2 =

/300
  صورة البلوك راديو الشفاء للرقية

راديو الشفاء للرقية الشرعية

راديو الشفاء للرقية مباشر

  صورة البلوك جديد الاناشيد الاسلامية

  صورة البلوك جديد القرآن الكريم

  صورة البلوك جديد الكتب