ماذا أراد المحققون من زيارتهم عيادة الطب النسائي؟ وهل كان ضرورياً ما حصل؟
فادي شامية
يرجح مصدر أمني أن يكون هدف زيارة المحققين الدوليين لعيادة الدكتورة إيمان شرارة، على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت، "التأكد من أن أرقاماً تعود إلى أسماء محددة، وأن بعض هذه الأسماء لا يمكن للمحققين الدوليين الوصول إليها". ويضيف: "في العادة فإنه توجد مصادر كثيرة للمعلومات، فكل حركة يمكن استقاء معلومات منها، والبحث من خلال اسم معين لا يعني بالضرورة أنه هو المشتبه به، فعلى سبيل المثال يمكن أن تعطي كشوفات طلاب الجامعات معلومات عن آبائهم، كما يمكن أخذ معلومات عن أزواج المريضات، من الملفات الطبية لهن، في عيادة ما". ويكشف المصدر أن "اهتمام المحققين الدوليين بالحصول على معلومات من الملفات الطبية لم يبدأ في عيادة الدكتورة شرارة، وأنهم أخذوا معلومات من أطباء آخرين، في السابق".
لكن؛ إذا كان المقصود هو التأكد من أن أرقاماً هاتفية معينة تعود لفلان من الناس، عبر أكثر من سبيل، بحيث لا يسع هذا الشخص في المستقبل أن ينكر صلته بهذه الأرقام -كما يؤكد المصدر- فلماذا يطلب المحققون دائماً معلومات، تفوق بما لا يـُقارن، العدد الذي يتحرون عنه ("داتا" الاتصالات كلها، ملفات طلاب الجامعات، أكبر قدر ممكن من البصمات...)؟! يجيب المصدر اللبناني نفسه: "عادة يلجأ المحققون إلى تمويه حركتهم، فمثلاً هم يطلبون كل الداتا للحصول على الحركة الهاتفية لرقم محدد، لأنهم لو طلبوا معلومات عن هذا الرقم المحدد، فإن تحقيقاتهم تصبح مكشوفة، ويمكن للمشتبه به إذاك أن يتابع حركتهم، لإعاقتها أو للتضليل أو للإفلات من أيديهم". ويضيف المصدر: "يسمى هذا الأسلوب أمنياً بالتعميم؛ أي توسيع رقعة الاحتمالات، حتى لا يعرف أحد غير المحققين، ما يريده المحققون، وهذا الأمر معتمد أمنياً في لبنان".
هل أخطأ المحققون بذهابهم إلى عيادة الدكتورة إيمان شرارة؟ يجيب المصدر: "المحققون يبحثون عن أدلة وقرائن، ولا علاقة لهم بالمعلومات الطبية النسائية، وهم أحرص من غيرهم على الابتعاد عن الاستفزازات، لأنها تعيق عملهم، ولولا أهمية اطلاعهم بأنفسهم على ما يريدون من معلومات، لما ذهبوا إلى هذا المكان الحساس، بدليل أنهم طلبوا السرية، وعدم وجود زبائن، أثناء وجودهم، كما أنهم أعطوا السلطات اللبنانية المختصة علماً مسبقاً بالزيارة، وعلى هذا الأساس واكبتهم قوة أمنية من الجيش والشرطة القضائية". انتهى كلام المصدر الأمني.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان المحققون الدوليون قاموا بعملهم وفق الإجراءات القانونية، وإذا كانت الدولة اللبنانية قامت أيضاً بما تفرضه عليها مذكرة التفاهم ذات الصلة، فهل أخطأت الدكتورة شرارة باستقبالها المحققين؟ الجواب أيضاً لا، لأن الطبيبة -وفق ما صرحت به وما أعلنه مكتب القاضي بلمار- طلبت فترة زمنية لمراجعة نقابة الأطباء، وبعد أن حصلت على إذنٍ من النقابة، وافقت على استقبال المحققين. واستطراداً؛ إذا كانت أي من الجهات السالف ذكرها لم تخطئ؛ لا أخلاقياً ولا قانونياً، فلماذا حصل ما حصل؟!
من خلال الاستنتاج يمكن القول إن الهجوم الذي تعرض له المحققان الدوليان، لم يكن يهدف إلى حماية الأعراض، إذ لا انتهاك للأعراض أساساً، والطبيبة شرارة الملتزمة دينياً وغير البعيدة عن بيئة "حزب الله" لم تكن لتسمح بحصول أمر كهذا أصلاً، فضلاً عن موافقة نقابة الأطباء على الأمر. وعليه، يبدو أن الهجوم المدبر حصل من أجل منع التحقيق من تدعيم معطياته بقرائن إضافية، كان محتمل الحصول عليها من العيادة المذكورة.
مع ذلك كله؛ لنفترض أن لجنة التحقيق الدولية، والطبيبة شرارة، ونقابة الأطباء، والسلطات اللبنانية أخطؤوا كلهم، فهل يجيز ذلك لـ "الأهالي" التابعين لـ "حزب الله" أن يعتدوا على العيادة الطبية، وعلى المحققين والمترجمة، وعلى عناصر الشرطة القضائية، وأن يسلبوا هواتف نقالة وحقيبة يد أحد المحققين؟!
لقد دل الهجوم المنظم (حضور الحافات التي تحمل أكثر من مئة امرأة محجبة، ووجود عدد من الرجال الموجِّهين عبر الأجهزة اللاسلكية، واحترافية سلب المقتنيات الشخصية، وتنفيذ المهمة بسرعة وإتقان في الوقت المحدد)، إلى أن الأمر قد دُبّر مسبقاً، ما يعني قطعاً أن "حزب الله" كان يعلم بالموضوع، وأنه كان يستعد له، ما يطرح تساؤلاً إضافياً؛ فبما أن "حزب الله" يعلم بالموضوع مسبقاً، فلماذا لم يبادر إلى طلب وقف زيارة المحققين للعيادة المذكورة، من خلال نقابة الأطباء، أو وزير الصحة، أو الأجهزة الأمنية، وهذه كلها غير بعيدة عن أجوائه؟! وأيهما ينتهك الأعراض؛ الإيقاع بالمحققين، والتلطي خلف النساء، واستخدامهن في الاعتداء، أم وقف هذا الأمر، بالطرق القانونية ابتداءً؟ ثم هل يحق لكل من يعتبر أن استفزازاً حصل-على فرض اعتبار زيارة المحققين استفزازاً-(هل يحق له) أن يهاجم الناس، والقوى الأمنية، والمحققين ويسلب مقتنياتهم؟!. والأنكى؛ أن تتوالى التصريحات بعد ذلك –من قبل حلفاء "حزب الله"- للتنويه بـ "شجاعة النسوة اللواتي تصدين للمحققين"!!، وكأننا بتنا في غابة؛ يهاجم الناس فيها بعضهم، ويفعل القادر منهم ما يعتبره صواباً بالقوة.
الواضح أن ما جرى كان مقصوداً منه إخراج قرار "حزب الله"، -المتخذ منذ مدة والقاضي بإعاقة عمل المحكمة- إلى العلن، تحت عنوان أن "الكيل قد طفح" وأن "الاستباحة وصلت إلى أعراضنا"! خصوصاً أن مسألة الأعراض هذه، لا هوية طائفية لها، وهي تستفز أي مواطن غير مطلع على حقائق الأمور، وواقع تحت تأثير "آلة التضليل الإعلامية" الضخمة، خصوصاً إذا كانت هذه الآلة مدعومة من أبواق "غب الطلب" تصوّر "البحر طحينة".. وتنادي: "يا غيرة الدين والشرف"؟! (أوردت قناة المنار في شريط الأخبار عقب الحادثة النص الآتي: محققون دوليون "يستبيحون" حرمة عيادة طب نسائي ويحاولون "الاستيلاء" على أرشيفها").
على أي حال، لقد فتحت النيابة العامة تحقيقاً فور حصول الاعتداء على المحققين؛ لكن إلى الآن لا توقيفات، ولا نتائج، ولا إعادة للمسروقات؛ بل إشارات ترهيبية للقضاء، قام بها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله في كلمته التي أعقبت الحادثة، وقد عاب فيها على مدعي عام التمييز سرعته في التحرك!.
تُرى هل يمكن للقضاء اللبناني الذي يعجز عن تنفيذ مذكرة يستمع بموجبها إلى لواء متقاعد هدد رئيس الحكومة، ثم يعجز عن توقيف أحد في حادثة الاعتداء على المحققين الدوليين... هل يمكن لقضاء مستضعف إلى هذا الحد، أن يحمل ثقل ملف اغتيال الرئيس الحريري كما يطالب بعض المخادعين تحت عنوان السيادة؟! هل يتخيل أحد نتيجة ذلك؟!