مئة يوم وأكثر على اعتقاله على الحدود السورية:
ما هي قضية الشيخ حسن مشيمش؟ ولماذا هذا التقصير الرسمي باسترداده وجلاء الحقائق؟
فادي شامية
في السابع من تموز الماضي، اعتقلت السلطات السورية الشيخ حسن مشيمش على نقطة جديدة يابوس الحدودية، أثناء توجهه إلى المملكة العربية السعودية، عبر سوريا، لأداء العمرة. ومنذ ذلك الحين ما يزال مصيره مجهولاً.
من هو حسن مشيمش
حسن مشيمش، شيخ جنوبي من بلدة كفرصير، عُرف بمعارضته لطروحات "حزب الله" الفكرية والسياسية، مع أنه تبوأ مواقع هامة في "حزب الله"، من بينها موقع مساعد الأمين العام للحزب المذكور، وتمثيله الحزب في الخارج، قبل أن يصبح مشيمش خارج إطار الحزب، ومن المنظّرين لنقض نظرية ولاية الفقيه، وعدد آخر من المسائل الفكرية الحساسة. (على سبيل المثال -لا الحصر-نشرت صحيفة النهار لمشيمش في 18/2/2009 مقالاً دينياً بعنوان: "ليست كل أرض كربلاء ولا كل يوم عاشوراء"، أثبت فيها مشيمش عدم صحة عبارة: "كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء"، من وجهة نظره الشرعية، وفق أسانيد ساقها في المقال).
انضم مشيمش إلى "اللقاء العلمائي المستقل"، برئاسة الشيخ أحد طالب، وهو الإطار الذي يضم اليوم لفيفاً من المشايخ الشيعة، غير المنضوين تحت عباءة "حزب الله" أو حركة "أمل". وكانت لمشيمش علاقات سياسية كثيرة، من بينها علاقة بالرئيس نبيه بري. كما نشط في مجال الكتابة والتنظير الديني، في مجلتي: "إضاءات"، و"ضفاف" والأخيرة يوزعها هو على نطاق ضيق.
بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، ظهر مشيمش في مقطع مسجل -تناقلته أجهزة الهاتف الخلوي-، شامتاً بخسارة "حزب الله" الانتخابات، وبعد ذلك بعدة أشهر قُدّمت "إخبارية" حول شقيق الشيخ –وابنه- لـ "شعبة" المعلومات، بتهمة العمالة للعدو، لكن التحقيق لم يفض إلى شيء أكيد، فأُطلق سراحهما.
تهمة حساسة!
إثر توقيف مشيمش في سوريا سرت شائعات حول عمالته لـ "إسرائيل"، وكتبت صحيفة الأخبار اللبنانية في 2/9/2010 نقلاً عمن أسمتهم "زوار دمشق الدائمين" أن "توقيف الشيخ حسن م. مبني على الاشتباه في تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية". وأن مسؤولاً أمنياً لبنانياً، زعمت الصحيفة أنه محسوب على قوى 14 آذار، أكد أن "توقيف الشيخ حسن لا يحمل أي صبغة سياسية، وأنه مبنيّ على ملف أمني شديد الحساسية"، وأن مشيمش "أقر بتعامله مع جهاز أمني أجنبي، وأنه حاول، خلال الفترة الأولى من التحقيقات التي خضع لها، التخفف من هذه التهمة، قائلاً إنه لم يكن يعرف أن الجهة التي يتواصل معها هي الاستخبارات الإسرائيلية". أضافت الصحيفة أن "شعبة" المعلومات أرسلت إلى السلطات السورية "ملفاً يتضمّن معطيات تلقي الضوء على اتصالات مشبوهة كان قد تلقاها الموقوف خلال السنوات الماضية"، وأن "الشعبة" المذكورة سبق لها أن اشتبهت بشقيقه ع وأوقفته، لكنها عادت وأطلقت سراحه.
وقد استدعى هذا الكلام الخطير – في اليوم التالي لنشره- ردين:
الرد الأول: من عائلة مشيمش التي اعتبرت أن ما كُتب هدفه "تشويه سمعة الشيخ، وإسكات كل الأبواق التي حملت قضيته على عاتقها... لأن الشيخ يعد من أشد المعارضين للتيار الفكري والسياسي السائد في بيئته".
الرد الثاني: أوردته صحيفة البلد، نقلاً عن مصدر أمني كبير في "شعبة" المعلومات، نفى فيه ما أوردته صحيفة الأخبار. (كما استبعدت الصحيفة نقلاً عن مصادر في "حزب الله" أن يكون الشيخ حسن م. متورطاً في علاقة مع العدو).
تقصير رسمي وتحركات ومواقف
بعد أيام على اعتقاله، بدأت العائلة ترفع صوتها، فطالبت الرؤساء الثلاثة العمل على تسليمه إلى لبنان، وتالياً إطلاق سراحه، جازمةً براءته مما يطاله من اتهامات، الأمر الذي لم يحصل إلى اليوم.
من جهته توجه رئيس "اللقاء العلمائي المستقل" الشيخ أحمد طالب إلى السلطات السورية لمعرفة حقيقة الأمر، لكنه عاد بلا إجابات واضحة. أما المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بصفته المرجعية الشرعية للمشايخ الشيعة، فلم يحرك ساكناً في الموضوع!.
في الثالث من الشهر الجاري، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الاعتقال، أقامت عائلة مشيمش لقاء تضامنياً مع الشيخ المعتقل، في بلدته كفرصير، وقد تناوب على الكلام باسم عائلته الدكتور جعفر مشيمش، الذي طالب السلطات الرسمية ممثلة برؤسائها الثلاثة، وقيادتي "أمل" و"حزب الله"، التدخل الفوري. كما تحدث عبد العزيز سبيتي باسم أبناء البلدة، وشرح قضية الشيخ حسن مشيمش، وطالب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالتدخل الفوري لدى السلطات السورية "من أجل كشف مصير الشيخ، ووضع الأمور في نصابها، واتخاذ الإجراءات القانونية لتبيان الحقيقة، علماً بأن كل المراجعات الرسمية تؤكد بأن الشيخ حسن مشيمش بريء من أي تهمة خطيرة"!.
تساؤلات صعبة!
وفق الوقائع المتقدمة، وبعيداً عن إثبات أو نفي أية تهمة، فإن هذه الوقائع تفضي إلى تساؤلات مشروعة:
أولاً: إذا كان الشيخ مشيمش متهم بالعمالة للعدو، ولدى قوى الأمن الداخلي ملفاً عنه، فلماذا لم يوقف في لبنان؟!. (زوجته وشقيقه كانا معه على نقطة الحدود عند اعتقاله)، واستطراداً، إذا كانت السلطات السورية تعلم بعمالة شخص معين في لبنان، فلماذا لا ترسل هذه المعلومات إلى مخابرات الجيش مثلاً، أو إلى جهاز "أمن المقاومة"، الطرف الأقرب إليها، بدلاً من انتظار قدومه إلى الحدود؟!. ثم كيف تسمح الأجهزة الأمنية اللبنانية لنفسها إرسال ملفٍ عن لبناني لسلطة غير لبنانية، كأنها بذلك تقر بصلاحية السلطات السورية لاعتقال مواطن لبناني؟ (هذا على فرض صحة رواية "الأخبار"؛ تسليم معلومات عنه). وإذا سلمنا جدلاً باعترافه بالعمالة، ألا يعني ذلك وجوب تسليمه إلى القضاء اللبناني لينال جزاءه؟ ثم هل يجوز توقيف مواطن أصلاً لأكثر من مئة يوم دون أن يزوره "الصليب الأحمر" أو يسمح لعائلته برؤيته، بغض النظر عما هو متهم به؟!
ثانياً: نحن أمام واقعة تقودنا إلى أحد احتمالين –بغض النظر عن ملابسات الاعتقال غير القانونية-:
الاحتمال الأول: ثبوت تورط حسن مشيمش فعلاً بالعمالة (وهو بعيد وفق عارفيه، ووفق ملابسات القضية)، وهذا يعني أن "حزب الله" الذي يقول أمينه العام إنه منزه عن الاختراق، قد ثبت اختراقه، وعلى مستوى عالٍ، ذلك أن كثيراً من قيادات الحزب اليوم هي من تلاميذ أو رفاق مشيمش، الذي أمضى 12 سنة من عمره في الحزب، وقد وصل إلى مواقع قيادية فيه، قبل أن يتركه وينقض طروحاته. هذا فضلاً عن كونه شيخاً، ذلك أنها سابقة في لبنان، أن يوقف شيخ بتهمة العمالة، الأمر الذي يسيء لجميع العمائم، بمن فيها تلك المحسوبة على "حزب الله".
الاحتمال الثاني: ثبوت براءة مشيمش، وهذا يعني أن الرجل ذهب ضحية معارضته لـ "حزب الله"، وهذا أمر في غاية الخطورة، وهو يدل على كيفية تعاطي الحزب المذكور مع المخالفين من أبناء الطائفة الشيعية... وبالاستعانة بسلطات غير لبنانية أيضاً!.
... الشيخ مشيمش ما زال معتقلاً، هذه حقيقة، وما عدا ذلك؛ أقاويل لم تثبت. والد مشيمش توفي بعد أسبوع من اعتقاله، وتوفي شقيقه بعد شهر من هذا الاعتقال. لا هو رأى أمه قبل موتها ولا شقيقه، فيما الدولة اللبنانية لم تقم بواجبها تجاه مواطن لبناني، له حقوق عليها!.